كتبت رولا حداد:
ثمة معادلات في لبنان قد يعجز المنطق الطبيعي عن فهمها. حتى هذه اللحظة من غير المفهوم على الإطلاق كيف انتهت المواجهات السياسية الحادة التي شهدناها، على الأقل منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وطوال عهد الفراغ الرئاسي الذي امتد لسنتين ونصف السنة!
ماذا تغيّر اليوم؟ وهل انتهت الأزمات السياسية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وعلى ماذا تمّ التوافق؟ قبل انفضاض التحالفات التي كانت قائمة بين الـ2005 والـ2015 كانت ثمة نظرتان إلى لبنان… فأي نظرة انتصرت؟ أو على الأقل على أي نظرة وسطية تم التوافق والتلاقي؟
من حقنا أن نسأل هذه الأسئلة، وثمة الكثير غيرها ليتمكن أي لبناني من تحديد موقفه من كل ما يجري. فمن البديهي أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسل فليحان وجبران تويني وبيار الجميل وسمير قصير وجورج حاوي ووليد عيد وأنطوان غانم ومحمد شطح ووسام عيد ووسام الحسن لم يسقطوا بسبب الخلاف حول النفط، أو على خلفية توزيع الحصص والحقائب الحكومية ولا حتى خلال النقاش في موضوع قانون جديد للانتخابات النيابية!
إن الشهداء سقطوا في معركة استعادة السيادة من “حزب الله” تحديدا بعد انسحاب جيش بشار الأسد من لبنان. وبعد سلسلة الاغتيالات كانت الضربة الأقسى في 7 أيار 2008 مع استعمال السلاح في الداخل بشكل مباشر لكسر محاولة قوى 14 آذار أن تحكم بموجب النظام البرلماني الديمقراطي، وللتأكيد أن الإمرة السياسية في لبنان في كل المواضيع السياسية والأمنية وفي ملفات السياسة الخارجية ستبقى للسلاح المرتبط بالهيمنة الإيرانية التي حلت محل الوصاية السورية!
ماذا تغيّر اليوم؟ وهل انتقلنا من منطق أن “موضوع السلاح يُبحث من ضمن الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار الوطني”، وهو الموضوع الذي لم يُبحث لمرة جدياً، الى إلغاء طاولة الحوار نهائيا من دون أن يتولى مجلس الوزراء مثلا أو مجلس النواب بحث ملف الاستراتيجية الدفاعية، الذي يبقى أولوية الأولويات لقيام دولة فعلية في لبنان؟!
ومن سيطالب بعد اليوم بنقاش الاستراتيجية الدفاعية التي باتت حاجة ماسة، وخصوصاً بعد تحوّل “حزب الله” علناً إلى قوة ميليشيوية عابرة للحدود تقاتل ضد الإجماع العربي من سوريا والعراق إلى اليمن؟! وهل تنفع أي حوارات مع “حزب الله” اليوم، وكثر يدّعون محاورته، في حين فشلت كل محاولات “لبننته” في العام 2005؟
وهل يمكن القول إن المواجهة السياسية انتهت في لبنان فعليا باغتيال الشهيد محمد شطح على الأساس الذي أرساه في تغريدته الأخيرة، أي على قاعدة ترك السياسات الدفاعية والخارجية لـ”حزب الله” في مقابل أن يترك الحزب للآخرين محاولة معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية؟
لم يعد يختلف اثنان في لبنان على أن تحالف قوى 14 آذار في لبنان خسر معركته السيادية، بطريقة أو بأخرى، سواء تحت شعار اعتماد “السياسة الواقعية” أو كنتيجة لخسارة 14 آذار الإقليمية في مواجهة إيران بسبب سوء حظ دولي اسمه باراك أوباما. ويبقى السؤال الكبير هل ينفع استلام دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الجاري في إعادة الحد الأدنى من التوازن إلى المنطقة، ما يخفّض من أدوار إيران و”حزب الله” الإقليمية ويقوّي حضور الدولة اللبنانية؟
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…