كتبت صحيفة “العرب” اللندنية” تقول: كشفت أوساط مقربة من “حزب الله” عن تغييرات واسعة أدخلها الحزب في صفوفه، وطالت القيادات العسكرية العليا والمتوسطة، وهدفت إلى تصعيد “القيادات الجهادية” التي تتماشى مع خيارات الأمين العام حسن نصرالله المتمسك بالاستمرار في الحرب السورية إلى الآخر.
وقالت هذه الأوساط في تأكيدات لـ”العرب” إنّ التغييرات جاءت رد فعل على توسع دائرة الرافضين للحرب، والداعين إلى الاستفادة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه روسيا وتركيا لتأمين خروج مشرف للحزب من الورطة السورية.
وأضافت أن دائرة المعارضة لاستمرار الحرب شملت قيادات عسكرية وازنة ترى أن الفرصة مناسبة للانسحاب، خاصة أن الاتفاق حافظ على مكاسب الحزب، وأبرزها ما تعلق بإفراغ المناطق الحدودية مع سوريا من الجماعات المسلحة التي يمكن أن تهدد أمن الحزب وسيطرته على المشهد اللبناني.
ولم يشر الاتفاق من قريب أو بعيد إلى عودة المهجّرين السوريين من قراهم ومدنهم على الحدود مع لبنان، وهو ما اعتبره الداعون إلى انسحاب الحزب من سوريا دليلا على أنّ الاتفاق أمّن أهم أهداف الحزب، وهو تعبيد ممر طائفي من لبنان إلى الساحل السوري ضمن مشروع سوريا المفيدة.
وأشارت الأوساط ذاتها إلى أنّ قيادات من الحزب حذّرت نصرالله من أن الحزب قد يجبر على الانسحاب من سوريا في مرحلة لاحقة من تنفيذ الاتفاق، وأن روسيا لن تقبل باستمراره ورقة ضغط إيرانية بوجهها، وأنه من الذكاء الانسحاب الآن والحزب في موقع قوة.
ويبدي الأمين العام معارضة شديدة لفكرة الانسحاب من سوريا، ما يرسّخ اتهامات الغاضبين عليه بأنه لا يفكر في مصالح الحزب وتردي وضعه التنظيمي والشعبي، تحت وقع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى وغضب عائلاتهم، وأنه يسير وفق أجندة طهران وينتظر تعليماتها لتحديد موقفه.
وكان الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام المؤسس للحزب، قال مؤخرا إنّه “لا يمكننا الحديث عن “حزب الله” ككيان، لأنه مسلوب الإرادة، وتتحكم إيران في تحركاته.
وأشار طفيلي إلى أنه توجد داخل الحزب نفسه غالبية تدرك أن الحرب (السورية) التي زجّوا فيها ملوثة الأهداف والادّعاءات، وهم على ذلك لا يستطيعون إلا السير في المخططات الإيرانية.
ويواجه “حزب الله” تزايدا للمعارضة في البيت الشيعي، حيث تنظر العديد من العائلات اللبنانية الشيعية لما يحدث في سوريا على أنه حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومن ثم فإنَّ إرسال أولادهم للقتال هناك هو بمثابة تضحية بهم دون مبررات مقنعة.
وخسر الحزب خلال حربه في سوريا قرابة ألف مقاتل بينهم قادة نوعيون بالإضافة إلى المئات من الجرحى.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال، بعد إعلان وقف اتفاق إطلاق النار، إن على جميع المقاتلين الأجانب “بمن فيهم عناصر حزب الله” مغادرة سوريا، وهو ما قاد إلى الاعتقاد بأن ذلك جزء من الاتفاق، وأنه بدعم مباشر من روسيا التي يبدو أنها كلفت تركيا بإعلان مختلف تفاصيل هذا الاتفاق.
وهاجم جاويش أوغلو “حزب الله” منذ أيام واتهمه بارتكاب خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إقراره بين روسيا وتركيا وبمشاركة إيران التي تسعى إلى إفشاله مخافة أن يسحب من تحت البساط ويفشل خطتها في السيطرة على سوريا.
وقال الوزير التركي “نرى خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وعناصر “حزب الله” والميليشيات الشيعية وقوات النظام السوري هم من يقومون بها” في وادي بردى.
وأعلن “حزب الله” مساء الجمعة أنه تم وقف إطلاق النار لساعات في وادي بردى، ما اعتبره مراقبون محاولة من الحزب للإفلات من الضغوط الروسية عليه للالتزام بالاتفاق في مختلف مناطق النزاع بسوريا.
وأفادت وكالة الأنباء الألمانية نقلا عن مصادر مقربة من السلطات السورية أن وفدا روسيا دخل وادي بردى لترتيب تسوية الأزمة هناك، الأمر الذي أكدته كذلك للوكالة مصادر في المعارضة السورية، مشيرة إلى دخول وفد روسي إلى المنطقة لمراقبة وقف إطلاق النار بعد “عرقلة دخوله سابقا من قبل ميليشيا حزب الله”.
واستبعد المراقبون أن يلتقط الحزب الرسائل الروسية المختلفة، وأن يعلن بصفة علنية عن قبوله بالاتفاق والبدء بالانسحاب التدريجي من سوريا، مستفيدا من عدم إعلان موسكو وأنقرة بشكل تفصيلي عن بنود الاتفاق، وضبابية الموقف من ضرورة سحب القوات الأجنبية الموجودة في سوريا سواء الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد، أو من التيارات المتشددة مثل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) و”داعش”.
ومن الواضح أن الغموض هنا يعود إلى الرغبة في تجنب التعميم بخصوص انسحاب القوات الأجنبية حتى لا يشمل القوات الروسية، أو التركية.