يبدو أنّ الحركة السياسية المرتبطة بالملف الانتخابي، باتت قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق في رحلة البحث الجدي عن الصيغة الانتخابية للقانون الانتخابي الحالي، وعلى هذا الاساس تُعدّ القوى نفسها لخوض «معركة القانون» التي تؤشّر الأجواء المحيطة الى صدام سياسي حاد حولها، نظراً للافتراق الحاد في النظرة الى شكلِ القانون وتقسيمات الدوائر، وكذلك النظرة الى النظامين الاكثري والنسبي، بين فريق يَعتبر النظام الاكثري وفق القانون المعمول به حالياً والمعروف بقانون الستين سبيلاً للتمثيل السليم وللحفاظ على كل مكوّنات البلد السياسية والطائفية، ولاغياً لكلّ هواجس الإلغاء والتهميش، وبين فريق يَعتبر النسبية خشبةَ الخلاص وسبيلاً لبثّ الحيوية في النظام السياسي.
وإذا كان أنصار النسبية، وفي مقدّمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» وحلفاؤهما، قد حسَموا خيارَهم منذ الآن لجهة الرفضِ الكلّي لبقاء القانون الحالي، والسعي للوصول الى صيغة لقانون لا ينطوي على نسبية كاملة بل على نسبية جزئية، ويلتقون بذلك مع موقف رئيس الجمهورية الذي جرى التعبير عنه في اللقاء الاخير بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل اللذين أكّدا التوافق انتخابياً وعلى النسبية بشكل اساسي، ورفض بقاء قانون الستّين، فإنّ تيار «المستقبل» ومعه «القوات اللبنانية» ما زالا متمسّكين بالمشروع المختلط المقدم من قبَلهما بالشراكة مع «الحزب التقدمي الاشتراكي». إلّا أنّ حسم الموقف النهائي الذي لم يتمّ التوصل اليه بعد، مرهون بما ستُسفر عنه المشاورات الجارية حول الملف، وخصوصاً بين «حركة أمل» وتيار «المستقبل» و»حزب الله».
لكن حتى الآن، وبحسب اجواء الاطراف الثلاثة، لم يتمّ الاقتراب بعد من ايّ نقطة مشتركة، يمكن البناء عليها لتوسيع حلقةِ الحوار الانتخابي تمهيداً لبَلورة صيغة انتخابية ترضي الجميع وتبدّد الهواجس المتراكمة في هذا الجانب أو ذاك.
على أنّ النقطة الأكثر سخونةً على هذا الصعيد ماثلةٌ في الضفّة الجنبلاطية، حيث لوحِظ في الآونة الأخيرة ارتفاع النبرةِ الاعتراضية لدى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، على المنحى الذي يشمّ فيه رائحة إلغاء وتهميش على حدّ تعبير أوساط مقرّبة منه، والتي تؤكّد أنه «إزاء هذا المنحى الإلغائي ليس امام جنبلاط إلّا الدخول في مواجهة قاسية معه، لرفعِ السيف الانتخابي أو سيف النسبية الذي يشهره البعض، من خلفيات سياسية وإقصائية وإلغائية له ومن يمثّل، لا بل لإعدام طائفته».
والواضح أنّ جنبلاط قد أعدّ العدّة للمواجهة ـ إنْ فُرضت عليه ـ ويمهّد لها بسلسلةِ التغريدات التصعيدية والتي يعبّر فيها عن امتعاضه من بعض الوزراء ومن القرارات الحكومية وهجومه على مراسيم النفط وتلميحه عن صفقات قادمة بالسؤال عن «العروس الجديدة: الميكانيك أم نمَر السيّارات».
ولعلّ أكثرها دلالةً التغريدة التي أطلقَها في الساعات الماضية، وفيها « لا يا ممثّل العلوج في الوزارة إنّ مكوّناً أساسياً وتاريخياً من لبنان لا يُمحى بشحطة قلم في مزايدات النسبية».
وسألت «الجمهورية» جنبلاط عمّن يقصد بالعلوج، فاكتفى بالقول: «معروفون، هناك علج، وعلوج، وأول العلوج، وعلى كلّ حال فتّشوا عليها في المعجم لعلّكم تجدون معناها».
وردّاً على سؤال حول مستجدّات الملف الانتخابي، وموقفه من الصيغ والأفكار التي تُطرح، أجاب: «ليكن معلوماً أنّني أرفض اعتبار مكوّن اساسي في لبنان قيمةً ثانوية.. وأنني لن اتخلّى عن مصلحة هذا المكوّن مع جهوزيتي الدائمة للتشاور».
وقال: «كفى مزايدات ومشاورات جانبية، كلٌّ يفصّل على طريقته ويفتّش عن مصلحته وعمّا يناسبه، في الزوايا والأروقة والاندية وتحت الارض وفوقها ومِن وراء البحار والمحيطات، كلّ يفصّل على على مقاسه وكأنّهم هم وحدَهم فقط موجودون، وكأن لا وجود لمكوّن أساسي في لبنان هو الطائفة الموحّدة الدرزية اللبنانية. أصبحنا في وضعٍ يشبه وكأنّنا نحمل قيد الهوية (مكتومو القيد)، وهذا ما لن نقبل به على الإطلاق».