كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
على رغم المواقف المتكررة من هنا وهناك والواعدة بإقرار قانون انتخاب جديد تجرى الانتخابات النيابية في الربيع المقبل على اساسه، لا تشير بَواطن هذه المواقف الى رغبة جدّية في خلع قانون الستين النافذ، بل كلّ ما يحصل يؤكد مقولة رئيس مجلس النواب نبيه بري من أنّ «قلوبهم معه وسيوفهم عليه».يؤكد الجميع انّ العهد وعد بـ»قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات المقبلة»، حسبما قال «خطاب القسم»، والجميع يردّدون وجوب اعطاء هذا العهد فرصته.
«فحماية لبنان من نيران المنطقة تكون اكبر انجاز وطني في هذه الظروف» يقول احد السياسيين، مضيفا انّ هذا العهد «ليس عهد الحل التاريخي وإنما هو عهد منع السقوط والتداعي الاقتصادي والمالي والامني، وانّ الحل التاريخي للبنان يكون بإعادة انتاج نظام سياسي قابل للحياة».
ويضيف هذا السياسي انّ العناوين الكبرى المطروحة للاصلاح ومكافحة الفساد يحتاج تنفيذها الى وقت طويل، والى قوى من نمط آخر، فيما يغلب على ممارسات البعض «طابع السطوة العائلية والتوريث السياسي»، ويعتقد انه في احسن الحالات قد يتم انتاج قانون انتخاب لا يختلف عن قانون الستين، بل يمكن ان يكون اعادةَ انتاج له بصيغة «مشَلبنة».
ويتبدّى من مواقف البعض وممارساتهم انّ احداً لن يحاسب احداً، ففريق من السياسيين يخوض معركة ابقاء قانون الستين، وفريق آخر مستَقوٍ بتحالفاته الجديدة، وفريق ثالث ينتظر نتائج المعارك الاقليمية التي هي الاساس لديه لكي يبني لاحقاً على الشيء مقتضاه. وثمّة فريق رابع يرى انّ المطلوب ان يبقى كل من سوريا والعراق موحدين في أيّ تسوية لأزمتَيهما، وإلا فإنّ التقسيم سيتهدد الجميع.
سياسيّ آخَر له نظرة مختلفة الى ملف القانون الانتخابي، اذ يعتبر انّ الابقاء على قانون الستين او اقرار اي قانون يشبهه، سيعني بنحو او آخر انّ القيّمين عليه قرروا إقصاء القيادات والبيوتات السياسية المستقلة التي شكّلت على الدوام «زيت» المحرّك الوطني اللبناني.
ويقول هذا السياسي انّ بعض القوى المسيحية كانت حتى الامس تَلعن قانون الستين وتحضّر مراسم دفنه، وإذ بها اليوم اتّفقت ضمناً عليه، لاعتقادها انه يمكّنها من الفوز بغالبية المقاعد النيابية المسيحية، والموقف نفسه يتخذه افرقاء مسلمون آخرون ضمناً، ليتلاقوا جميعاً على الوصول الى اسقاط المهل الانتخابية وفرضِ قانون الستين امراً واقعا، وكأنهم اتفقوا على اقصاء القيادات والبيوتات السياسية المستقلة مسيحيةً كانت ام اسلامية، واعتماد «الأُلوهية» الواحدة على رأس كل فريق.
فقانون الستين، في رأي هذا السياسي، يشكّل جريمة كبرى في حق لبنان لانه يَخلق تمحوراً طائفيا ومذهبيا خطيرا، وينصّب «اشباه آلهة» على بعض الطوائف والقوى السياسية، ويلغي خيارات التعددية التمثيلية والقيادية في داخل كل البيئات، اذ ليس من عاقل يمكنه ان يحشر نفسَه في خيار واحد ضمن فريقه، لأنه على افتراض انّ هذا الخيار سقط لسبب ما، تكون النتيجة مدمّرة، بل تكون دخولاً في المجهول.
ويعطي هذا السياسي مثالا على اهمية التعدّد القيادي والتمثيلي في كلّ فريق رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي عندما يشعر يوماً انّه اوشَك على الاصطدام الخطير بحزب الله، سارع الى اشراك النائب طلال ارسلان في سعيه الى حلّ المشكلة لأنه وجَد نفسه غيرَ قادر على الخروج منها إلا بالتعاون مع الخيارات السياسية الاخرى في طائفته.
فلبنان يتكوّن من مجموعة اقليات، يقول السياسي نفسه، والجميع فيه لا يستطيع تحمّل الهزيمة نتيجة إعتماده على خيار واحد اياً كان نوع هذه الهزيمة وحجمها، ما يعني انه ينبغي ان تكون لدى كلّ البيئات اللبنانية بمختلف تلاوينها السياسية والطائفية والمذهبية «خطوط دفاعية» عدة، حتى تتمكّن من حماية نفسها من ايّ هزائم وخيارات خاطئة.
وإنّ تنصيب إله على هذه البيئة او تلك امرٌ يناقض طبيعة لبنان الذي لم يكن يوما كذلك، بل كان على الدوام بلدَ التنوع والخيارات المفتوحة، فطباع البعض السائدة الآن تقود الى حروب الغائية للآخرين وقانون الستين يوفّر البيئة، الوسيلة لخوض هذه الحروب، والحلّ يَكمن في انهاء هذه الحال بإقرار قانون انتخاب عصري يحقق عدالة التمثيل وشموليته، ومِثل هذا القانون لا يمكن إلا ان يكون على اساس النظام النسبي الذي يحدّد الاحجام الطبيعية والواقعية للجميع، بدلاً من الاحجام المنتفخة او المنفوخة التي يؤمّنها النظام الاكثري المرذول لدى غالبية دول العالم.