كتبت رولا حداد
لم يكن ينقص المسؤولين اللبنانيين فضيحة إضافية ليتكشّف حجم الفساد الضارب حتى “النخاع العظمي” في الجمهورية الثانية المتحللة!
بعيداً عن الإشكالية البيئية في قضية “مجزرة النورس” التي شهدها مطار رفيق الحريري في بيروت، وموضوع توقيع لبنان على الاتفاقات الدولية المعنية، فإن هذه القضية كشفت أبعاداً مختلفة من الفساد المستشري في المؤسسات والإدارات اللبنانية. ويكفي للتأكد من ذلك مراقبة تبريرات المسؤولين والمعنيين لما حصل. وقد برزت 3 أسباب ذكرها المسؤولون:
ـ أولاً: وجود مطمر الكوستابرافا. وعبثاً حاول الكثيرون إقناع الرأي العام بأن لا علاقة للمطمر بما يجري، وبأن سبب المشكل هو مجرى نهر الغدير. فلو كان السبب هو نهر الغدير، يصبح السؤال: لماذا إذا لم تظهر الأزمة منذ أعوام وخصوصا أن أزمة نهر الغدير عمرها عقود ومنذ انتهاء الحرب؟ ولماذا لم تظهر الأزمة إلا بعد أشهر قليلة على اعتماد مطمر الكوستابرافا؟
والمفارقة المضحكة- المبكية في موضوع المطمر هي حالة التأهب التي أعلنها عدد من الوزارات إضافة الى مجلس الإنماء والإعمار للدفاع عن هذا المطمر- الفضيحة على حساب كل المعايير البيئية، ما يشي بوضوح الى حجم الصفقات خلف هذا المطمر، وفضيحة المناقصات حولها ما زالت ماثلة في أذهاننا.
ـ ثانياً: فضائح مجرى نهر الغدير. فهذا النهر بات من أعوام طويلة من دون مجرى بسبب كمية وحجم المخالفات التي يشهدها مجراها، من المعامل في الأعلى الى مشاريع البناء في مجرى النهر في قلب الضاحية الجنوبية، من دون أن يعرف أحد كيف تمكن المعنيون من الاستحصال على التراخيص اللازمة المخالفة لكل القوانين، ولا كيف لم يتم قمع كل تلك المخالفات، ولا أين أصبحت كل الأموال المرصودة لمعالجة هذه القضية المزمنة!
ـ ثالثاً: ما كشفه الوزير السابق وئام وهاب حول عمليات “شفط رمول” من منطقة المطار ما تسبب بوجود بركتي مياه داخل حرم المطار وقرب المدرج، ما يستدرج طيور النورس الى هذه المنطقة. والفساد في قضايا “شفط الرمول” على طول الشاطئ اللبناني تستدعي تجنيد كل النيابات العامة المالية في دول المنطقة للتحقيق فيها!
والمضحك- المبكي في كل ما تقدّم أن عددا كبيرا من المسؤولين يظهرون كشركاء في قضايا الفساد المثارة، وذلك من خلال دفاعهم المستميت عن القرارات العشوائية، بعيداً عن أي معايير بيئية أو حلول منهجية ضمن رؤيا وخطة شاملتين. فليس بعيدا عن منطق الفساد ما تابعناه على شاشة الـLBC الخميس الماضي من مواجهة بين وزيري الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والاقتصاد والتجارة رائد خوري، على خلفية موضوع مناقصة المعاينة الميكانيكية وتلزيمها، وكيف ظهر البعض مدافعاً عن مصالح الشركة التي رست عليها المناقصة خلافاً للقوانين ومن دون قرار لمجلس الوزراء، بعيداً عن الدفاع عن مصلحة الدولة والخزينة اللبنانية!
إنها قضية “ابريق الزيت” في لبنان، أو “ابريق الفساد”، وما قد تكشفه “مجزرة النورس” لن يتعدى رأس جبل الفساد على أكثر من مستوى، من دون أن يتأمل أحد في متابعة أي تحقيق في أي موضوع، لأن المطامر في لبنان قادرة على طمر أعلى الجبال… فما بالكم بجبال الفساد التي يتقاسمها النافذون!