Site icon IMLebanon

ليل كفرشيما الأسود… إعترافات الأمّ تفضح المستور

 

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

 

 

كيس قمامة، أداة خنق، ووحشية، هو كلّ ما احتاجت إليه إحدى «الأمّهات» لتقضي على ابنتها. هكذا، بكلّ بساطة، رَمتها في إحدى حاويات كفرشيما، وأكملت حياتها بشكلٍ طبيعي. أمّا الطفلة فنامت في الكيس كما ينام سائر الأطفال في أسرّتهم، فمَن يدري، قد يكون الكيس أكثرَ أماناً من المنزل الذي عاشت فيه خلال حياتها القصيرة مع «أمّها».

أغمَضت عينيها الصغيرتين من دون أن تزعج أحداً، تَغلغلت في كيسٍ جَعلوه مأواها، ومضت في رحلتها الأبدية متسائلةً: لِمَ ينعم البعض بعطيةِ الأطفال ولا يستحقّها، فيما يَنذر آخرون حياةً بكاملها ليُنجبوا أولاداً يَكبرون أمامهم، ولا تتحقّق أمنيتهم؟

لم يتوقّع عمّال التنظيف في شارع فيليمون وهبي في كفرشيما أن يعثروا ليل أمس الأول على جثة طفلة لم يتجاوز عمرها العامَين بين أكياس النفايات، طفلة يخال من يراها أنّها نائمة، قبل أن يدقّق في جسدها ويتبيّن له أنّها تعرّضت للعنف وقُتلت.

رِجلاها مطويتان كمن يحاول تدفئة نفسِه من صقيع النفايات، ورأسُها للأسفل كمَن لم يعتَد النظرَ الى الأعلى، هكذا رحلت هذه الطفلة تاركةً وراءَها وحشاً على هيأة أمّ.

ما إنْ استوعبَ العمّال أنّ مشهد الجثة حقيقي حتى اتّصلوا بقوى الأمن، التي طوّقت المكان وباشرَت تحقيقاتها، ليتبيّن أنّ الطفلة من التابعية البنغلادشية، والوفاة حصلت قبل نحو 24 ساعة من العثور على الجثة، والسبب هو نزيف في الدماغ إضافةً الى عملية خنق، عدا عن وجود أثر لرضوض على الأعضاء التناسلية والقدمين، بحسب ما كشَف الطبيب الشرعي الدكتور نعمة الملّاح بعدما شَرّح الجثة في مستشفى بعبدا الحكومي، مؤكّداً أَخْذَ عيّنةِ دمٍ لإجراء فحص السموم، وخزعةٍ لفحص الحمض النووي.

ساعاتٌ قليلة مرّت قبل القبض على 3 أشخاص من التابعية البنغلادشية، للاشتباه بتورّطهم في الجريمة، بينهم أمّ الطفلة.

وفي السياق، يوضح مصدر مطّلع على التحقيقات لـ«الجمهورية» أنه «بعد العثور على الجثة، وتحديد الطبيب الشرعي لهويتها، انحصَرت الشبهات ببعض الأشخاص من التابعية البنغلادشية الموجودين في المنطقة المحيطة بمكان الحاوية، وأثناء عملية التفتيش استطاعت القوى الأمنية تحديدَ الأمّ»، مضيفاً: «سألت القوى الأمنية رجلاً وامرأةً بنغلادشيَين عن احتمال وجود الأمّ في مكان معيّن وتَلقّت إجابةً بالنفي، لكن وبعد دهمِها المكان منتصف الليل عثَرت على الأمّ والشخصين المذكورَين وأخذَتهم إلى مخفر بعبدا وباشرَت التحقيقات معهم، على أساس أنّ الأم متورّطة، ومَن معها حاولا تضليلَ القوى الأمنية».

ويكشف المصدر أنّ «الأم التي تعمل في مجال التنظيف في إحدى المدارس، أشارت خلال اعترافاتها الى أنّها كانت متعَبة، والطفلة كانت تبكي بشدّة، لذلك ضرَبتها وخنَقتها لتتوقّف عن البكاء، وقد تذرّعت أيضاً بأنّها لا تستطيع إعالةَ ابنتها، علماً أنّ تقرير الطبيب الشرعي أكّد وجود كدمات على جسد الطفلة أيضاً، أي أنّها تعرّضت للتعنيف وليس للخنق فقط».

إستغرابٌ لِما حصَل طغى على ردّات فعل أهالي كفرشيما، فهُم الى جانب استيائهم من الجريمة، أبدوا تعجّباً لطريقة القتل، فلماذا قد يَرمي أحدٌ جثّةً في النفايات بدلاً من دفنِها، ولماذا تُقتَل طفلة بهذا العمر بدلاً من وضعِها في ميتمٍ، في أسوأ الأحوال؟

وكيف تتعاطى الدولة مع مجرمين من جاليات مختلفة وكيف تسيطر عليهم، إذ إنّ مَن يقتل ولدَه لن يرحم الغريب. كثيرةٌ هي الأسئلة التي طرَحها الأهالي من دون التوصّل الى إجابات، وفي حال وجَدوها تكون غيرَ مقنعة.

مصدر أمنيّ يقول لـ«الجمهورية» إنّ «الشكّ ما زال موجوداً حول وجود شريك آخر في الجريمة، لأنّ اعترافات الأم غير مقنِعة»، مؤكّداً أنّ «فرضية حصول اعتداء جنسي ليست واردة مبدئياً».

ويَلفت إلى أنه «لم يتبيَّن أنّ الأم تعاني من مشكلات نفسية أو أنّها تتعاطى المخدّرات، علماً أنّ دوافع الجريمة ما زالت مجهولة»، مضيفاً: «الشخصان اللذان أوقِفا معها متّهَمان بمساعدتها على الاختباء، اذ لم يثبت حتّى الساعة تورّطُهما في القتل، إنّما فقط التستّر على الأمّ، والشكوكُ ما زالت موجودة حول مساعَدتها على رمي الجثة في الحاوية».

لكنْ ما لم يتنبَّه له كثُر هو أنّ الطفلة تعرّضت لثلاث جرائم أمس الأول، الأولى كانت قتلها، الثانية كانت تحقير جثّتِها من خلال رميها في النفايات، أمّا الثالثة فكانت على يد بعض الإعلام الذي ما لبثَ أن علم بوجود هكذا جريمة حتى تهافتَ على نشرِ صورِ جثّتها داخل النفايات وبعدما جُرّدت من معظم ثيابها.

إذاً، هكذا رَحلت طفلة لم ترَ من الحياة أكثرَ من مُرّها، زمنٌ قصير عاشت خلاله، رأت فيه بتعامل الحيوانات مع جرائها عاطفةً لم تعرف هي معناها. هي لم تتصدَّ لأمّها عندما اقتربَت لتخنقها، فكيف لها أن تفكّر في هذا الاحتمال، غير أنّها خُذلت لآخر مرّة في حياتها، وخَذَلت بموتها كثُراً كانوا قد آمنوا بعدالة القدر.