تقرير عماد البليك لـ”العربية”:
في العشرين من الشهر الجاري، يوم الجمعة المقبل، سوف يتم تنصيب دونالد ترامب ليصبح الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة الأميركية، وذلك في احتفالية رسمية تشهدها العاصمة واشنطن.
ولكن ما هي طبيعة هذا الحدث؟ وما هي المراسم التي من المفترض أن تجري في ذلك اليوم؟
عادة ما يكون قسم الرئيس الجديد في الـ20 من كانون الثاني كل أربع سنوات، في يوم لا يخلو من الأمطار والصقيع والبرد الشديد وفي حفل يكون في الهواء الطلق – رغم كل ذلك – خارج مبنى الكونغرس الأميركي.
وهي احتفالية تحاط بالأبهة التي تليق برئيس الدولة العظمى الأولى في العالم، حيث الموسيقى والطرب والطقوس الأميركية العتيقة.
وإذا كان الرئيس ترامب يحمل الرقم 45 في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن حفل التنصيب يحمل الرقم 58 باعتبار أن هناك رؤساء تولوا الرئاسة لولايتين.
متى يبدأ الاحتفال؟
سيبدأ حفل التنصيب في الساعة الخامسة مساء بتوقيت غرينتش.
لكن الاحتفالات الرئيسية سوف تكون قد بدأت مبكراً في الصباح بالبيت الأبيض، وتنتهي بعدد من الفعاليات في أجزاء مختلفة من مدينة واشنطن.
أما الجزء الأهم الذي يتضمن القسم (اليمين الدستوري) المكون من 35 كلمة، فسيتم في منطقة تقدر مساحتها بـ10 آلاف قدم مربعة، حيث سيقف ترامب على منصة بنيت خصيصاً لهذا الغرض، أمام مبنى الكابيتول (مقر الحكومة الأميركية)، وسيكون في الموقع حوالي 1600 شخص من الضيوف المختارين بعناية.
في الماضي تمت بعض مراسم التنصيب في البيت الأبيض، لكن التقليد الحديث أن يتم ذلك خارج القبة التشريعية للولايات المتحدة.
من سيحضر المراسم؟
هؤلاء الأشخاص المدعوون البالغ عددهم 1600 يشملون عدداً من الشخصيات المرموقة بالولايات المتحدة، على رأسها الرئيس السابق باراك أوباما، ورئيس مجلس النواب، والرؤساء السابقون للولايات المتحدة، وأعضاء السلك الديبلوماسي، وأعضاء مجلس الوزراء والمرشحون، والكونغرس والنساء وحكام الولايات، وهيئة الأركان المشتركة.
وهذا يعني حضور جورج دبليو بوش، الذي اتهمه ترامب بالكذب بشأن العراق، وبيل كلينتون الذي وصفه ترامب بأنه “أسوأ من تعامل مع المرأة في تاريخ الولايات المتحدة السياسي”.
وستكون هناك أيضاً هيلاري كلينتون التي قد يصعب تحديد موقعها بين الحضور، والتي ندر ظهورها منذ هزيمتها في الانتخابات، وقد وصفها ترامب بـ”هيلاري المحدودبة” في تشرين الأول الماضي، وقد فاز عليها بقرار المجمع الانتخابي، برغم أنها تغلبت عليه بفارق كبير في الأصوات الشعبية.
ومن المتوقع حضور جيمي كارتر الرئيس الأسبق البالغ من العمر 92 عاماً، لكن بوش الأب قد لا يحضر لظروف السن، وهو أيضاً في الـ92 من العمر.
ماذا عن المشاهير؟
في العادة سيكون هناك عدد من المشاهير في مثل هذه المناسبة، لاسيما الموسيقيين الذين سوف يقدمون جزءاً من العرض الاحتفالي، وفي عام 2009 كانت بيونسيه قد ظهرت بإطلالة مشهورة وهي تغني في تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني، وقد رقص أوباما وزوجته ميشال رقصة مشهورة كذلك.
وهذه المرة لن تخلو من الجدل، والمؤكد أن نجمة “أميركا غوت تالنت” جاكي ايفانكو البالغة من العمر 16 عاماً سوف تؤدي ترنيمة النشيد الوطني الأميركي، وقد ادعى ترامب أن مبيعات ألبومها “قد ارتفعت” منذ أن تم الإعلان عن اسمها.
كذلك سيكون هناك حضور لفرقة الأوركستراMormon Tabernacle Choir من مدينة سالت ليك، التي ستشارك للمرة السادسة في مثل هذه المناسبة، لكن أحد أعضاء الفرقة استقال وقال إنه لا يريد “تأييد الاستبداد والفاشية”.
وقد اعتذرت كذلك عن المشاركة فرقة الرقص “راديو سيتي روكتس”، برغم رجاء مدير الفرقة الذي حثهم على أن يكونوا متسامحين ويتخلوا عن التعصب.
كما تمت دعوة نجمة “إكس فاكتور” في 2010 الإنكليزية ريبيكا فيرغسون، لكنها لن تحضر، كما ذكرت إلا إذا سمح لها بغناء أغنية “الفاكهة الغريبة” Strange Fruit التي تعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي وهي نشيد ضد العنصرية.
وهناك المغنية شارلوت تشيرش، التي قالت إنها تمت دعوتها بواسطة فريق ترامب لكنها رفضت تلبية الدعوة الـ”لا كبيرة” بحسب قولها.
وكتبت تغريدة تقول فيها: “لقد طلب مني موظفوكم أن أغني في حفل التنصيب. ولكن بحث بسيط عبر الإنترنت سوف يظهر أنك طاغية. باي”.
ماذا سيحدث في يوم التنصيب؟
هناك 9 من التقاليد الواجب اتباعها في ذلك اليوم، وهنا المعلومات التي قدمتها الحكومة الأميركية بهذا الخصوص.
أولا: صلاة الصباح.. وقد بدأ هذا التقليد الرئيس فرانكلين روزفلت في عام 1933، وكل من أوباما، بوش الأب، بوش الابن، ريغان، وترومان وروزفلت طبعا، حضروا جميعهم في الكنيسة الأسقفية في سانت جون، على الجانب المقابل لشارع البيت الأبيض.
ثانياً: لقاء الرئيسين السابق والجديد.. سيكون هناك لقاء مقتضب في البيت الأبيض بين الاثنين، قبل الاتجاه إلى مبنى الكابيتول على بعد ميلين حيث سيذهبان معا إلى هناك، وقد أصبح ذلك طقساً في الاحتفالات.
ثالثاً: قسم نائب الرئيس.. سيكون نائب الرئيس الأميركي مايك بنس هو أول من سيؤدي اليمين الدستورية، حيث من المحتمل أن تقرأ له من قبل رئيس قضاة المحكمة العليا، على المنصة المجهزة خارج مبنى الكابيتول.
رابعاً: قسم الرئيس ترامب.. هنا سيكون الحدث الأهم الذي سيجري في الهواء الطلق، بغض النظر عن البرد القارس، برغم أن الطقس كان قد أجبر الرؤساء في بعض المرات على أداء القسم بالداخل كما حصل مع رونالد ريغان سنة 1985. وحيث سُيقرأ القسم المكون من 35 كلمة كما هو وارد في الدستور الأميركي، وكان أوباما قد أعاد قراءته في اليوم التالي بالبيت الأبيض، لأن كلمة ما كانت قد وردت في موقع خاطئ في النص المكتوب أمامه.
خامساً: خطاب التنصيب.. كل رئيس لابد أن يقوم بإلقاء خطابه الذي يدشن به مرحلته الجديدة، وهذا طقس قائم منذ جورج واشنطن الذي ألقى خطابا عدد كلماته 135 كلمة، إلى وليام هنري هاريسون في عام 1841 الذي بلغ خطابه 8445 كلمة، ويعتبر الأطول في تاريخ الخطابات الرئاسية، مع استثناء وحيد في التاريخ صنعه عام 1933 روزفلت الذي قال فقط خطاباً من جملة واحدة هي “ليس لدينا ما نخافه سوى الخوف نفسه”.
وفي عام 1961 اختصر جون إف كينيدي خطابه بالقول: “لا تسأل عمّا يمكن أن يفعله بلدك لك، بل اسأل ما يمكنك القيام به لبلدك”.
سادساً: الجميع يودعون الرئيس أوباما.. هذه الفقرة مخصصة لوداع الرئيس السابق، حيث سيقول الجميع وداعا أوباما، الذي سوف يشاهد وهو يقوم بركوب طائرة مروحية، كما حصل ذلك حتى سنة 1977 ويمكن أن يستخدم القطار أو السيارة، ليكون خروجاً يليق بمستوى الرئيس السابق.
سابعاً: موعد طعام الغداء.. بما يشبه حفلات الزفاف فإنه لابد من التمتع بالولائم في فترة ما بعد الظهيرة، ويقام حفل الغداء في قاعة فن النحت الكبرى بالكابيتول وتشمل الخطب والطعام الذي يعبر عن ولاية الرئيس التي ينحدر منها وهي نيويورك هذه المرة، لهذا ربما ستكون البسطرمة النيويوركية حاضرة.
ثامناً: موكب الاحتفال.. حيث سيتم استعراض حوالي 8 آلاف من الجنود والفرق أمام منصة الرئيس، الذين سوف يعبرون بالمارشات أسفل شارع بنسلفانيا إلى البيت الأبيض، وهم يضمون فئات مختلفة من الكشافة الأميركية إلى عدة فرق مدرسية ثانوية، وكان جيمي كارتر قد كسر الطقوس ونزل للمشاركة في الموكب بنفسه.
تاسعاً وأخيراً: حفل الاستقبال المسائي.. حيث يستقبل الرئيس الجديد ترامب في الفترة المسائية، مجموعة محددة من نخبة المجتمع في واشنطن الذين يلبسون أزياء رسمية بربطة عنق سوداء وقمصان بيضاء، وقد حضر 14 لبيل كلينتون عام 1997، و10 لأوباما في 2009، ولم يحدد عددهم بعد لترامب.
وماذا بعد؟
هناك أحداث قبل وبعد يوم التنصيب، يجب التوقف معها، حيث سيقوم ترامب بوضع إكليل من الزهور على مقبرة أرلينغتون الوطنية يوم الخميس، أي يوم 19 كانون الثاني قبل يوم التنصيب. وهي المقبرة التي دفن فيها قتلى الصراعات في البلاد بدءاً من الحرب الأهلية الأميركية وحروب سابقة أُخرى، وتقع في ولاية فيرجينيا.
ثم هناك الصلاة في الكاتدرائية الوطنية بواشطن في يوم السبت، اليوم التالي للتنصيب في 21 كانون الثاني، بالإضافة إلى عدد قليل من العروض الموسيقية كما هو الحال دائماً.
لماذا تاريخ الـ20 من كانون الثاني؟
لمدة قرن تقريباً ظلت الرئاسة تنتقل في هذا اليوم 20 كانون الثاني ومن رجل لرجل، إذ لم تتول إلى الآن امرأة رئاسة البلاد.
وقد كان هذا التاريخ في البداية يوم 4 مارس، وتم تغييره لإعطاء وقت كافٍ للرئيس كي يطلع على الأمور بوضوح وقبل فترة كافية ويرتب الأمور التي تتطلب وقتا واتصالات لأن البلاد شاسعة وكبيرة.
وجاء التغيير في عام 1933 بعد بدء إدخال التكنولوجيا التي اختصرت الوقت، بما في ذلك السكك الحديدية حيث كل شيء يمكن إنجازة بأن يكون في مكانه المطلوب، قبل أسابيع بفعل عامل السرعة والتواصل.
وبالطبع كان لابد من اختصار الفترة من الانتخابات إلى تنصيب الرئيس، لاسيما للرئيس المنتهية ولايته الثانية، وهو ما يعرف في الاصطلاح السياسي الأميركي بمتلازمة “البطة العرجاء” lame duck syndrome حيث إن أي رئيس في هذا الوضع وهو يستعد لمغادرة المصب، لابد سيفقد الدعم الكافي لتمرير السياسات، ما يعني ضرورة التعجيل باختصار مدة بقائه في المنصب.
والغريب أنه رغم أن وسائل التواصل الآن باتت سريعة بما في ذلك الإيميلات و”تويتر” والهواتف وشبكات الإنترنت، إلا تقليد الـ20 من كانون الثاني ظل تاريخاً مقدساً بفعل الدستور الأميركي.
ما الذي سوف يفعله أوباما قبل وصول ترامب؟
جرى العرف أن يترك الرئيس المنتهي ولايته رسالة إلى خلفه بالبيت الأبيض، مثلاً نجد أن المذكرة التي تركها جورج دبليو بوش لأوباما تمنت للرئيس الجديد مسيرة ناجحة في مهمته المقبلة.
وفي عام 1993 كتب بوش الأب لبيل كلينتون يقول: “أتمنى لك السعادة الكبيرة في هذا المكان، حيث لم أشعر أبدا بالوحدة هنا كالتي وصفها بعض الرؤساء قبلي”.
وأضاف: “قطعاً ستكون أصبحت رئيسنا في اللحظة التي تقرأ فيها هذه المذكرة، أتمنى لك التوفيق ولعائلتك”.
فماذا يا ترى سوف يكتب أوباما من مذكرة أو وصية لخلفه ترامب؟!