تقدم النائب بطرس حرب مع النائبين روبير غانم ودوري شمعون باقتراح قانون إلى مجلس النواب لتعديل قانون سرية المصارف. وجاء في الإقتراح:
مادة أولى : 1- ألغيت المادة السابعة من قانون سرية المصارف تاريخ 3/9/1956 واستعيض عنها بالنص الآتي: “لا يمكن للمصارف، المشار إليها في المادة الأولى، أن تتذرع بسر المهنة، المنصوص عليه في هذا القانون، بشأن الطلبات التي توجهها السلطات القضائية المتعلقة:
1-1- بالموظفين والقضاة والقائمين بالخدمة العامة المحددين في المادة /2/ من القانون رقم 154 الصادر في 27/11/1999 وأزواجهم وأولادهم القاصرين.
1-2- بالجمعيات السياسية المشمولة بقانون الجمعيات تاريخ 3/8/1909.\
1-3- برئيس وأعضاء الهيئات الإدارية في الجمعيات السياسية المحددة في الفقرة /2/ من هذه المادة وأزواجهم وأولادهم القاصرين”.
مادة ثانية: 2- ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به فور صدوره”.
الأسباب الموجبة
وأرفق الإقتراح بالأسباب الموجبة الآتية:
“بالنظر لاستفحال الفساد المتفشي في كل مرافق الدولة نتيجة غياب أية مساءلة أو محاسبة وبسبب الحمايات السياسية للفاسدين، ما حول الإدارات والمؤسسات العامة إلى مراكز نفوذ سياسية وحزبية ومذهبية، وإلى محميات يحظر المس بها، ما حول الفساد والإفساد إلى منظومة إجرامية تمتص دماء الدولة والشعب.
واقتناعا منا بأن شفافية المسؤولين عن الشأن العام، والقائمين بالخدمة العامة والقضاة، تشكل القاعدة المركزية الأساسية لمكافحة الفساد ولحسن تسيير أمور الدولة وتطورها وازدهارها.
ولما كان استمرار الحال على ما هي عليه سيؤدي حتما إلى إنهيار الدولة وإفقار البلاد، ما يستدعي بنظرنا المبادرة، وبسرعة، إلى إطلاق مشاريع جديدة وآليات عملية لوقف الانهيار والحد من الفساد.
من هذا المنطلق نتقدم باقتراح القانون هذا مستندين إلى الأسباب الموجبة الآتية:
لقد جرت محاولات سابقة ترمي إلى إصلاح الإدارات ومكافحة الفساد، وباءت كلها بالفشل، لأنها لم تقترن بخطوات عملية وتشريعية تسمح بنجاحها.
فبعد أن أقر المشترع اللبناني قانون الإثراء غير المشروع، بموجب المرسوم الاشتراعي رقم /38/ تاريخ 18/2/1953، لملاحقة الموظف القائم بخدمة عامة في حال استغلاله لوظيفته لتحقيق الإثراء غير المشروع، عاد وأقر، عام 1956، قانونا أخضع فيه المصارف في لبنان لسر المهنة، وألزم مديري ومستخدمي المصارف بكتمان السر لمصلحة زبائن هذه المصارف، ومنع عليهم إفشاء ما يعرفونه عن أسماء الزبائن وأموالهم والأمور المتعلقة بهم لأي شخص، فردا كان أم سلطة عامة إدارية أو عسكرية أو قضائية، إلا إذا أذن لهم بذلك خطيا صاحب الشأن، أو ورثته أو الموصى لهم، أو إذا أعلن إفلاسه، أو إذا نشأت دعوى تتعلق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها.
واكتفى المشرع آنذاك بمنع المصارف من التذرع بسر المهنة المنصوص عليه في هذا القانون بشأن الطلبات التي توجهها السلطات القضائية في دعاوى الإثراء غير المشروع.
إلا أنه مع الأسف، لم يتمكن هذا القانون من تحقيق الأهداف المرجوة منذ بدء تطبيقه، في مراحل تطبيقه الأولى، بسبب إمتناع متولي الخدمة العامة عن التصريح عن ثرواتهم، وبالتالي مخالفة القانون دون أية مساءلة أو محاسبة لهم عن ذلك، ما ساعد على إنتشار الفساد، وما سمح للكثيرين بتحقيق الإثراء غير المشروع.
إلا أنه، وفي عام 1990 وعند تولي أحد موقعي هذا الاقتراح لمقاليد وزارة التربية الوطنية ومطالبته بوجوب الالتزام بأحكام القانون (النائب بطرس حرب) وإثر قراره الإلتزام الشخصي كوزير بمضمون قانون الإثراء غير المشروع، والمباشرة بتطبيق أحكامه، عبر تقديم تصريح بممتلكاته وممتلكات زوجته وأولاده القاصرين، وإلزام كل العاملين في وزارة التربية، والمؤسسات الخاضعة لوصايتها، بوجوب تقديم تصاريح بثرواتهم، ومطالبته مجلس الوزراء آنذاك، بتنفيذ قانون الإثراء غير المشروع، وبإلزام كل من تولى خدمة عامة التصريح عن ثروته، بدءا برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والنواب والموظفين والقضاة.
يومها قرر مجلس الوزراء البدء بتنفيذ أحكام القانون، وتقدم كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء بتصاريح عن ثرواتهم، كما شمل الإلتزام كل النواب والموظفين والقضاة وكل القائمين بخدمة عامة بمفهوم القانون.
كما تقدم لاحقا باقتراح قانون لتعديل أحكام قانون الإثراء غير المشروع لضبط آلية التصريح، وتحديد المرجعيات التي تقدم إليها التصاريح، ووضع آليات للمساءلة والتحقيق والمحاسبة.
إلا أن البعض عمل على إفراغ الاقتراح من محتواه، فأدخلت عليه بعض التعديلات التي حالت دون وضع آلية عملية للمساءلة، ووضعت قيودا تردع من يرغب في المساءلة من المضي في شكواه، نتيجة الرسوم الباهظة التي فرضها على المتضرر عند تقديم شكواه، والتعويضات الكبيرة التي قد يتكبدها في حال عدم ثبوت دعواه، والتي قد تبلغ المايتي مليون ليرة لبنانية، بالإضافة إلى التعويضات الشخصية للمتضرر من الشكوى.
حصل كل ذلك في زمن كان نظامنا الديمقراطي لا يزال يعمل، وكانت المعارضة البرلمانية لا تزال تمارس بعض حقها بالمساءلة والمحاسبة.
إلا أنه مع تطور الأحداث وانتشار الحمايات الحزبية، والمذهبية، وبعد تحول الحكومات إلى ناد يجمع كل القوى السياسية في حكومة واحدة، ما غيب المعارضة الحقيقية الفاعلة، وبالتالي الرقابة البرلمانية، إستفحل الفساد، وتحولت الإدارات والمؤسسات العامة إلى تجمع مصالح للقوى السياسية، تتبادل عبرها الخدمات والمصالح دون رقيب أو حسيب، ما جعل من الفساد مؤسسة طاغية طالت كل المؤسسات والإدارات والسلطات، ما ألحق بلبنان واقتصاده أفدح الأضرار المعنوية والأخلاقية والقانونية والاقتصادية.
وما زاد الأمر خطورة هو تعطيل أجهزة الرقابة، وانفلات الأمر بشكل بات يهدد وجود الدولة واستمراريتها، ما أثار ردود فعل من اللبنانيين، تجسدت في الحراك المدني الذي شهدته البلاد، العام الماضي وفي الشكوى العارمة لدى المواطنين.
إنطلاقا من اقتناعنا بأن لا حياة لدولتنا، ولا مستقبل لأجيالنا الصاعدة، في هذا الجو من الفساد المستشري، رأينا إطلاق مبادرة أساسية بهدف تحقيق شفافية الطبقة السياسية، وتبدأ بإسقاط السرية المصرفية عن الحسابات المصرفية العائدة لمتولي الخدمة العامة والموظفين والقضاة والعسكريين، ومراكز القرار في الأحزاب السياسية، وأزواجهم/هن وأولادهم/هن القاصرين . ولقد رفع أحدنا (النائب بطرس حرب) لمجلس الوزراء مشروع قانون حول ذلك، لكن لم تسنح الظروف لبحثه وإقراره. ما يدفعنا اليوم إلى تقديم اقتراح قانون يهدف إلى رفع السرية المصرفية عن حسابات الموظفين والقضاة والقائمين بالخدمة العامة، المحددين في المادة /2/ من القانون رقم /154/ تاريخ 27/11/1999، وأزواجهم/هن وأولادهم/هن القاصرين، وعن حسابات الجمعيات السياسية المشمولة بقانون الجمعيات الصادر بتاريخ 3/8/1909، وعن حسابات رؤساء وأعضاء الهيئات الإدارية في الجمعيات السياسية المحددة في الفقرة /2/ من قانون الجمعيات وأزواجهم وأولادهم القاصرين، وذلك إنطلاقا من الأسس الآتية:
لما كان النظام الاقتصادي اللبناني نظاما حرا يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة ( الفقرة /و/ من مقدمة الدستور).
ولما كان العديد من التشريعات، وأهمها قانون سرية المصارف تاريخ 3/9/1956، قد واكبت هذا النظام الاقتصادي في تعزيزها للمبادرة الفردية وجذب الرساميل.
ولما كان المشرع قد حرص على منع استعمال السر المصرفي لغير الغاية التي أوجد من أجلها، فمنع التذرع به بشأن الطلبات التي توجهها السلطات القضائية في دعاوى الإثراء غير المشروع المقامة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم /38/ تاريخ 18 شباط سنة 1953، وقانون 14 نيسان سنة 1954، اللذين حل مكانهما قانون الإثراء غير المشروع رقم /154/ الصادر بتاريخ 27/11/1999.
ولما كان المشرع اللبناني قد واكب الاتجاه الدولي لمكافحة تبييض الأموال، فأجاز لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان في القانون رقم /318/ تاريخ 20/4/2001 حق تقرير رفع السرية المصرفية عن الحسابات التي يشتبه أنها استخدمت لغاية تبييض الأموال.
ولما كان لبنان قد إنضم إلى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (القانون رقم 680 – تاريخ 24/8/2005 ) والتزم بموجبها بعدم جعل السرية المصرفية عائقا أمام تنفيذ مضمونها.
ولما كان لبنان قد إنضم إلى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ( القانون رقم /33/ تاريخ 16/10/2008)، والتزم، بموجبها، بإيجاد آليات مناسبة في نظامه القانون الداخلي لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية.
ولما كان الفساد قد إستمر مستشريا في العمل السياسي والإدارات اللبنانية بالرغم من كل ذلك.
ولما كان المواطن اللبناني يدفع غاليا ثمن هذا الفساد، ما يجعله غير قادر على حماية حقوقه وتوفير أمنه، بعد أن تحكمت بمجتمعه منظومة مافيوية فاسدة، تموه فسادها، تارة بوطنية مزعومة أو شعارات الطهارة والإصلاح، وطورا بالمذهبية والحزبية، ما عرض كل السلطات الدستورية والقضائية والإدارات والمؤسسات العامة للشبهات والإتهامات.
ولما كان قانون الإثراء غير المشروع قد فرض على الموظفين والقضاة وعلى القائمين بالخدمة العامة تقديم تصريح عن ثرواتهم وثروات أزواجهم وأولادهم القاصرين، عند مباشرتهم مهامهم وعند إنتهائهم منها، غير أنه لم يتبين أن مثل هذا الإجراء قد حد من الفساد الذي طال عمل جزء من هؤلاء ، ولا سيما أن الأمر يقتصر على إيداع التصريح في مغلف مغلق لا يخضع لأي تدقيق أو مقارنة، إلا عند الإدعاء.
ولما كان رفع السرية المصرفية، عن حسابات الأشخاص المذكورين أعلاه، عند طلب من السلطة القضائية، سيساهم، بلا شك، في الحد من ظاهرة الفساد المتفشية بين عدد منهم.
وحيث أنه في ما يتعلق بالنشاط السياسي للأحزاب، يتبين أن التشريع اللبناني قد منح دائرة الشؤون السياسية والأحزاب والجمعيات في وزارة الداخلية صلاحية السهر على تنفيذ أحكام قانون الجمعيات، غير أن هذه المراقبة تبقى ناقصة، إذا لم يتم تخويل القضاء الإطلاع على الحسابات المصرفية التي تملكها هذه الأحزاب، خاصة وإن ما اصطلح على تسميته بالمال السياسي يلعب دورا أساسيا في صناعة الرأي العام والقرار السياسي.
وحيث أن رفع السرية المصرفية عن الحسابات التي تملكها الأحزاب عند توجيه سلطة قضائية طلبا بذلك، من شأنه تعزيز الشفافية في عمل هذه الأحزاب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التدبير يتوافق مع أدنى معايير الشفافية المفترض توفرها في أي مجتمع متحضر تلعب فيه الأحزاب دورا محوريا في تكوين السلطة.
وحيث أن ما سبق بيانه، في ما يتعلق بالأحزاب، ينطبق أيضا على أعضاء الهيئات المعنية باتخاذ القرار في هذه الأحزاب، باعتبار أن الهيئات التنفيذية في أي حزب هي التي تحدد التوجهات والسياسات العامة لهذا الأخير، وبالتالي يقتضي الحرص على تعزيز الشفافية في تحديد هذه التوجهات عبر رفع السرية المصرفية عن الأعضاء الذين تتألف منهم، بناء على أي طلب يرد من سلطة قضائية.
وحيث أن رفع السرية المصرفية يحصل فقط بطلب من السلطة القضائية، ولا يتجاوزها إلى السلطات الأخرى، لمنع تحوله إلى سلاح سياسي في الحياة السياسية.
وحيث أنه، استنادا لما سبق، يتبين أن رفع السرية ، استنادا لطلب وارد من سلطة قضائية، عن الحسابات المصرفية التي يملكها الموظفون والقضاة والقائمون بالخدمة العامة وأعضاء الهيئات الإدارية في الأحزاب وأزواجهم/هن وأولادهم/هن القاصرين، إضافة إلى الحسابات التي تملكها هذه الأحزاب، أضحت ضرورة ملحة، خاصة وأن الغاية من إقرار قانون سرية المصارف هي جذب رؤوس الأموال، وهو ما لا تنطبق على هؤلاء الأشخاص، كما وأنه لا يجوز أن تستعمل كدرع تحمي الفاسدين والمفسدين.
ولما كان من غير الجائز أن تتحول السرية المصرفية إلى غطاء للفساد وتبييض الأموال والأعمال الإرهابية، ما يفرض إعادة النظر في مبدأ شموليتها ورفعها عن كل مسؤول عن الشأن العام.
لكل ذلك، نتقدم من مجلسكم الكريم باقتراح القانون هذا الذي يرمي إلى رفع السرية المصرفية عن المسؤولين لمناقشته، آملين إقراره”.