أكد تقرير صادر عن مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، أعده الباحثان في الشؤون الروسية ريتشارد سوكولسكي وبيري كاماك، أن التحليلات التي تعظم من الدور الروسي المهيمن في منطقة الشرق الأوسط مبالغ فيها لدرجات كبيرة. وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من تحدي روسيا للعالم حينما اجتاحت قواتها الأراضي السورية ولم يكلفها خسائر في الأرواح أو الممتلكات، ولم يؤد إلى غرقها في المستنقع السوري كما توقع عدد من التحليلات، إلا أن الأفكار التي تقول بأن روسيا ستزيح دور الولايات المتحدة في المنطقة مبالغ فيها ولا تصف الواقع الجيوسياسي للمنطقة بشكل دقيق.
المراوغة الروسية
قال التقرير إن بوتين نجح في خطته التي كانت ترمي إلى جعل الولايات المتحدة في مظهر العملاق المثير للشفقة، والذي لا يملك أي قوة في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب الظهور في مظهر الرجل المهيمن الذي لم يقبل بسقوط سورية التي تعتبر آخر بوابة له إلى المنطقة، وعدم تكرار سيناريوهات ليبيا والعراق، مبينا أن دور روسيا خارج سورية يعتبر محدودا جدا، ولا تملك أي ورقة نفوذ تمكنها من الهيمنة على المنطقة بشكل عام.
وأرجع التقرير أسباب ضعف الهيمنة إلى رغبة موسكو في عدم تحمل مسؤوليات ومشاكل المنطقة المكلفة، وتريد التركيز على بيع أسلحتها لدرجة التلهف لعقد صفقات تسلح عاجلة من أجل دفع العجلة الاقتصادية التي أنهكتها العقوبات الدولية المفروضة عليها، مؤكدا أن الشرق الأوسط يأتي في الاهتمامات الثانوية لها بعد منطقة آسيا- المحيط الهادئ.
الطموح القاصر
أوضح التقرير أنه حتى لوكان لروسيا طموحات للتوسع في المنطقة، فإن قدراتها المحدودة ستحد من ذلك الطموح، حيث إن الفساد ينهش في وضعها الاقتصادي، بالإضافة لاعتمادها كليا على مصادر النفط الذي بات يسجل انخفاضات حادة في أسعاره، إلى جانب العقوبات العالمية المفروضة عليها وبيئة الأعمال المثبطة لجلب الاستثمارات الأجنبية. وأضاف التقرير “روسيا لا تملك قوة بحرية تمكنها من التربع على عروش الهيمنة في مياه الخليج العربي بدلا من الأسطول الخامس الأميركي، باستثناء القاعدة البحرية القديمة في مدينة طرطوس الساحلية، وقاعدتها الجوية في اللاذقية، اللتين تملكهما منذ عهد الاتحاد السوفييتي سابقا. وأشار التقرير إلى أن القوة البحرية الروسية يمكنها إزعاج القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أنها لن تتمكن من تحدي النفوذ الأميركي في المنطقة، طالما أن تركيا ما زالت عضوا مهما في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ويواصل أسطولها السادس العمل من خلال بعض المنشآت في المنطقة.
أخطاء التحالفات
قال التقرير إن سياسة روسيا في التعامل مع الدول لا ترقى إلا لعقد الصفقات التجارية الآنية، الأمر الذي يحد من قدرتها على إقامة شراكات دائمة مع الدول وممارسة نفوذها عليها، وهذا ما يفسر سقوط ليبيا والعراق من يديها، لافتا إلى أن التأثير الروسي على دول الخليج العربي سيكون ضعيفا بسبب علاقاتها مع نظام الأسد وإيران، فضلا عن الشراكات المتميزة التي تقيمها هذه الدول مع الولايات المتحدة منذ عقود، مؤكدا وجود عداء ضمني بين موسكو وطهران في القريب العاجل بسبب التباعد بين مصالحهما في سورية وآسيا الوسطى، فضلا عن التنافس الشديد في قطاع الطاقة.
كما تطرق التقرير إلى أن موسكو ستواصل بيع أسلحتها لمصر إلا أن ذلك لن يؤثر على علاقة الأخيرة بواشنطن، بالإضافة إلى تحسن علاقتها مع أنقرة في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك لن يمنع تركيا من إقامة علاقة متوازنة بين موسكو من جهة، وحلف الناتو وواشنطن من جهة أخرى. وخلص التقرير إلى أن النزاع السوري سيتواصل، وأن استراتيجية الروس للخروج من الأزمة السورية تحتاج إلى درجة معينة من التسوية السياسية، مستبعدا أن تقوم الأمم المتحدة أو حلفاء الأسد بتحمل تكاليف إعادة الأعمار الباهظة الثمن، بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها تلك الدول، فيما يتعين على إدارة ترمب الجديدة أن تعالج الأخطاء التي وقع فيها سلفه أوباما.