يكاد يجمع المحللون والمعلقون الاقتصاديون، والمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية كبيرها وصغيرها، على أن “الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي هذا العام يأتي من سياسات الحمائية التجارية التي وعد بها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب”.
إلا أن هناك أصواتا ضعيفة نادرة ترى في ذلك الاستنتاج تهويلا مبالغا فيه، لا يقل عن التضخيم الذي يستعمله المروجون لأمر ما على طريقة “الفزاعة”.
والحمائية التجارية، هي إجراءات فرض ضرائب ورسوم على الواردات من السلع والخدمات كحماية للمنتجين والموردين الوطنيين.
بداية، ليس الأمر بجديد خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الأميركي وسياسات الحماية للصناعات والمنتجات الأميركية.
ولا نعني هنا فقط سياسات الحماية وإجراءات فرض الرسوم والضرائب على الواردات للسوق الأميركية من منتجات وخدمات اقتصادات أخرى، التي كان أهمها في نهاية القرن الثامن عشر وآخرها في ثمانينات القرن الماضي.
وإنما يتناسى كثيرون أن منحى العولمة يشهد ردة فعل سلبية منذ سنوات، وكثرت في الأعوام الخمسة الأخيرة المقالات والدراسات التي تناقش آثارها السلبية ليس فقط على الشعوب “غير المحظوظة اقتصاديا” وإنما على الاقتصاد العالمي ككل.
وبالتالي، يصعب تحميل دعوات ترامب لاتخاذ إجراءات حمائية لتشجيع الصناعات الوطنية، مسؤولية التردي المتوقع في التجارة العالمية أو الاقتصاد العالمي.
ولنتذكر أن السياسات الأميركية في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان وما بعده، وآخرها فرض رسوم إغراق على واردات الصلب من الخارج، لا تختلف كثيرا عما يدعو إليه ترامب.
ولم تؤد تلك السياسات إلى انهيار الاقتصاد الأميركي أو ركود الاقتصاد العالمي، كما كان البعض “يخوف” العالم وقتها من فزاعة الحمائية.
ربما تكون مقترحات ترامب مغالية بعض الشيء، بمعنى فرض رسوم تصل إلى 45 في المئة على السلع والخدمات الأجنبية، و30 في المئة على ما تنتجه شركات أميركية خارج الولايات المتحدة وتسوقه فيها، لكن ذلك في الأغلب كان من باب “الترهيب” ولن تكون السياسات الفعلية كذلك.
وعلى الأرجح لن تتجاوز ما فرضه أول وزير خزانة أميركي، ألكسندر هاميلتون، قبل 200 عام وكان في حدود 10 في المئة.
وإذا أخذنا في الاعتبار هدف تنشيط الاقتصاد عبر زيادة الانفاق الاستهلاكي ومشروعات البنية الأساسية الضخمة، فإن ذلك كفيل بتحسين نسب النمو في الاقتصاد الأميركي، الذي قد يعود إلى قاطرة لنمو الاقتصاد العالمي حتى في ظل سياسات حماية تجارية.