كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
اللقاء الذي انعقد قبل أيام بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والنائب سليمان فرنجية هو الثاني خلال عام. اللقاء الأول حصل بعد انكشاف مشروع فرنجية الرئاسي واتفاقه الباريسي مع الرئيس سعد الحريري الذي اعتقد أن فرنجية «يمون» على حزب الله وينسق معه خطواته، وأن الحزب لا يمكن أن يرفض عرضا رئاسيا كهذا.
وقتها شرح فرنجية كل الظروف التي أحاطت بدعم الحريري لترشيحه والاتفاق الذي حصل بينهما، ولكنه لم ينل بركة وتأييد السيد نصرالله الذي ظل متمسكا بالعماد ميشال عون كمرشح أول ووحيد لحزب الله الى رئاسة الجمهورية.
ولكن فرنجية لم يلتزم هذا التوجه، معتبرا أن عون بعد نحو سنتين من الشغور الرئاسي لا يمتلك إمكانية الوصول الى قصر بعبدا، وأن فريق 8 آذار من الطبيعي أن يدعم في هذا السباق الرئاسي «الحصان الرابح».
ولكن فرنجية الذي نسق معركته مع الرئيس نبيه بري الرافض بما أوتي من قوة لانتخاب عون رئيسا للجمهورية، والذي شكا من أخلاقيات حزب الله الزائدة في التزامه بعون، لم يقطع خيط العلاقة مع الحزب بأن التزم عدم حضور جلسات انتخاب الرئيس حتى لو كانت ستؤدي الى انتخابه طالما حزب الله يقاطع ويستخدم سلاح النصاب وتعطيله.
انتخب العماد عون رئيسا للجمهورية وخرج فرنجية خاسرا من هذه المعركة. لم يخسر فقط رئاسة الجمهورية بعدما عاش لأسابيع رئيسا و«وصلت اللقمة الى فمه»، كما يقال، وإنما خسر أيضا على المستوى المسيحي بعدما سقط تحالفه مع عون لمصلحة تحالف عون مع د.سمير جعجع.
فقد أدى تحالف عون جعجع الرئاسي الى خلط الأوراق ونشوء مشهد سياسي جديد وثنائية مسيحية أسهمت في فتح طريق بعبدا أمام الرئيس عون وترجمت عمليا في المعادلة الحكومية، وربما تنسحب على الانتخابات النيابية المقبلة.
قاطع فرنجية عون وقصر بعبدا. لم يزر القصر لا لتهنئة الرئيس ولا للمشاركة في استشارات التكليف، ولكنه لم يقاطع الحريري واشترك في استشارات التأليف وأوحى أن العلاقة بينهما لم تصبح من الماضي وإنما هي علاقة للمستقبل، ورغم خسارته في معركة الرئاسة، نجح فرنجية في حفظ موقعه الحكومي بخلاف ما حصل مع حزب الكتائب الذي لم يجد من يدافع عنه ويقف الى جانبه.
وما كان فرنجية ليتمكن من البقاء داخل الحكومة لولا الثنائي الشيعي، وخصوصا حزب الله الذي أراد تعويض فرنجية خسارته الرئاسية بجائزة ترضية حكومية، وأوصل الى الرئيس عون رسالة بأنه لا يريد ولا يقبل أن ينكسر فرنجية سياسيا، وأنه مع رد الاعتبار له.
بعد تشكيل الحكومة زار وفد من حزب الله (حسين خليل ووفيق صفا) بنشعي والتقيا مطولا فرنجية للبحث في موقفه من قانون الانتخاب وعلاقته مع الرئيس عون ومرحلة ما بعد الرئاسة والحكومة.
وأفاض فرنجية في حديث امتزجت فيه عبارات التوضيح والتبرير والعتب والانزعاج. فقد بدا أن فرنجية لم يخرج بعد من الخسارة الرئاسية ولم يستوعب ما حصل ولم «يتقبل» موقف حزب الله، ولكنه أكد ثباته في تحالفه الاستراتيجي مع الحزب والسيد حسن نصرالله.
أدرك الموفدان القياديان أن الأمر يتطلب لقاء مباشرا بين فرنجية ونصرالله، ومن دون هذا اللقاء سيكون صعبا تصفية رواسب وذيول المرحلة السابقة.
وبالفعل انعقد هذا اللقاء بحضور خليل وصفا والوزير يوسف فنيانوس المكلف ملف العلاقة بين «المردة» وحزب الله ويعد كاتم أسرار هذه العلاقة.
لم يتسرب عن اللقاء الكثير، وإنما أحيطت أبحاثه بتكتم شديد. ولكن استنادا الى أجواء مستقاة من مصادر سياسية قريبة من الطرفين، فإن هذا اللقاء توزع على أربعة محاور:
1 ـ طي صفحة المرحلة السابقة، مرحلة ما قبل انتخاب عون رئيسا للجمهورية، بعدما جرت مراجعة تقييمية عامة لكل ما جرى تميزت بـ «مصارحة ومكاشفة».
2 ـ علاقة فرنجية عون التي لا يرغب الحزب في استمرارها على هذا النحو من التوتر والانقطاع، وإنما يرغب في مصالحة الطرفين وفي تأمين ظروف زيارة فرنجية الى قصر بعبدا.
3 ـ قانون الانتخابات الجديد، حيث يبدو موقف فرنجية قريبا من موقف جنبلاط في تحفظه على النسبية وفي تحبيذه لقانون الستين، وفي طلب ضمانات تحفظ مصالحه وموقعه في أي قانون انتخابات جديد.
4 ـ الانتخابات النيابية المقبلة التي يواجه فيها فرنجية ضغوط الثنائية المسيحية الجديدة واحتمال حصول تحالف انتخابي بين التيار والقوات وميشال معوض في زغرتا. ومن الطبيعي أن حزب الله الذي لم يقبل انكسارا حكوميا لفرنجية لا يقبل بانكسار نيابي له، وسيبحث عن وسائل حماية فرنجية وتحييد زغرتا، وذلك بالتنسيق مع الرئيس عون.
أما ما قيل عن تعهد أو التزام من جانب قيادة حزب الله للنائب فرنجية بدعمه في رئاسة الجمهورية مستقبلا وبأن يكون هو خيار الحزب الرئاسي بعد عون، فإن هذا الأمر لم يكن مادة بحث في اللقاء ولا تعلق عليه مصادر الطرفين لا نفيا ولا تأكيدا.