كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: قانون الانتخابات يكتنفه غموض محير والمشهد الانتخابي يلفه ضباب كثيف.
وبقدر ما تبدو الانتخابات النيابية مدخلا الى مرحلة استقرار سياسي لسنوات والى تكريس انطلاقة جيدة ومتوازنة للعهد الجديد، فإنها يمكن أن تكون مدخلا الى أزمة سياسية كبيرة والى فراغ جديد ليس رئاسيا ولا حكوميا هذه المرة، وإنما “فراغ مجلسي” للمرة الأولى.. هذا الواقع الشائك والمعقد يمكن تفكيكه على النحو التالي:
1 ـ الصيغ الانتخابية المتبقية للقانون الجديد بعد استنفاد النقاشات وكشف الأوراق، والتي يدور البحث حولها، تنحصر في مشروعين أساسيين:
٭ مشروع القانون الذي أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (النسبية على أساس 13 دائرة)، مع إدخال تعديلات.تلحظ عدد الدوائر التي يمكن أن تصبح 15.
٭ مشروع القانون المختلط الذي كان اقترحه الرئيس نبيه بري (64 أكثري 64 نسبي)، مع تعديلات يمكن أن تطال دوائر ومقاعد.
2 ـ خارطة المواقف السياسية من قانون الانتخابات استقرت على النحو التالي:
٭ محور “الحريري ـ جنبلاط” الذي “ينام” على “ورقة الستين” ويلعب لعبة الوقت واستنفاد المهل القانونية ليصبح إجراء الانتخابات في موعدها وعلى أساس هذا القانون أمرا واقعا، مادام الاتفاق السياسي لم يحصل على قانون جديد، ومادام تأجيل الانتخابات غير ممكن إلا في حالة واحدة تبرره هي الاتفاق على قانون جديد ينص في إحدى مواده على التأجيل التقني ومدته.
الفارق بين وليد جنبلاط وسعد الحريري أن الأول واضح ومباشر في تمسكه بقانون الستين، فيما الحريري لا يجاهر بمثل هذا الموقف، بدليل أنه لم يقدم حتى الآن أي مشروع خاص ونهائي.
٭ محور “التيار ـ القوات” الذي يرفض حشره في زاوية الخيار بين انتخابات على أساس قانون الستين أو.. عدم إجراء الانتخابات والتمديد لمجلس النواب.
“الثنائي المسيحي” الذي اتفق في سياق “التفاهم الرئاسي” على الحكومة وعلى الذهاب الى الانتخابات بـ “تحالف ومع قانون جديد”، يضغط ويدفع في اتجاه الخيار الثالث، وهو الاتفاق على قانون جديد تجري الانتخابات على أساسه.
فهذا القانون ما زالت إمكانية الوصول إليه موجودة في حال توافرت الإرادة السياسية… أما ما يقال عن أن التيار والقوات متفقان على رفض قانون الستين ولكنهما غير متفقين على “القانون البديل” ما يشكل نقطة ضعف أساسية لهما في معركة قانون الانتخابات، فإن الطرفين يؤكدان أنهما ذاهبان الى اتفاق ثنائي حول القانون يمكن أن يكون القانون المختلط أو أي قانون آخر يتوافر له التوافق الوطني.
٭ محور “بري ـ حزب الله” الذي يضغط في اتجاه مشروع “النسبية والدوائر الموسعة” وسط ظروف ومواقف داخلية غير مساعدة، ولكن ثمة فارقا بين الطرفين: حزب الله منحاز الى موقف الرئيس ميشال عون الساعي الى قانون جديد يقوم على “النسبية”، والرئيس بري منحاز الى موقف “الحريري ـ جنبلاط” وخطتهما التي تمضي قدما نحو هدفها تحت عنوان “حتمية إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين”.
3 ـ المهلة الفاصلة عن موعد دعوة الهيئات الناخبة (21 فبراير المقبل) بموجب القانون النافذ حاليا (أي قانون الـ 60) هي مهلة الحسم في تقرير مصير القانون والانتخابات على حد سواء. وهناك احتمالان:
٭ إما أن يصار في خلال هذه الفترة المتبقية الى توافق حول قانون جديد (وهذا أمر صعب جدا لأن ما تعذر الاتفاق عليه في سنوات وأشهر لن يكون ممكنا في أسابيع وأيام)، وفي هذه الحال تتأجل الانتخابات لدواع “تقنية” فترة أشهر محدودة وحتى نهاية الصيف.
٭ إما أن يتعذر مثل هذا الاتفاق وتجري الانتخابات على أساس قانون الستين في موعدها.
ولكن أضيف احتمال ثالث وهو “لا انتخابات.. ولا تمديد” وفقدان المجلس الحالي شرعيته الدستورية والقانونية مع انتهاء ولايته “الممددة أصلا” (مع أن هناك من يعتبر أن المجلس يستمر بقوة الأمر الواقع وفق نظرية “استمرار المرفق العام”).
4 ـ هذا الاحتمال الثالث “المهيب” يستند الى موقف الرئيس ميشال عون وأجواء منسوبة إليه تفيد بأنه لن يقبل بخيار أو نظرية الذهاب الحتمي الى إجراء الانتخابات بقانون الـ 60 على أنه أمر واقع وبذريعة أن أولوية إجراء الانتخابات تتقدم التوافق على قانون جديد لا يزال متعذرا ومستعصيا، وأن الرئيس عون سيدفع في اتجاه تقديم صيغة بديلة عن القانون الحالي ويحمل ورقة ضاغطة لم يتحسب لها المتمسكون بقانون الستين والداعون الى التمديد ولا يستطيعون تحمل تبعاتها.
فالرئيس أبلغ أكثر من جهة أنه لن يوقع أي مرسوم يتصل بانتخابات تجري على أساس قانون الستين، كما لن يوقع بطبيعة الحال أي قانون يمدد لمجلس النواب.
الرئيس عون يلجأ اذن الى أول استخدام لموقعه الدستوري ولسلاح عدم التوقيع على مرسوم الانتخابات، مع ما يعنيه ذلك من عدم إجراء الانتخابات وفراغ على مستوى السلطة التشريعية وأزمة سياسية ووطنية تقود الى طرح نظام الطائف برمته وإعادة مشروع المؤتمر التأسيسي الى التداول، فهل تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري مستعدان لخوض مثل هذه المعركة في هذا الظرف وتحمل تبعاتها التي تبدأ بانهيار العلاقة الطرية العود مع رئيس الجمهورية، وتصل الى تهديد اتفاق الطائف؟ أم أن الحريري سينخرط في عملية التوافق على القانون الجديد وتسريع الخطى في اتجاهه لتفادي الأسوأ؟! وهل الرئيس ميشال عون قادر على تحمل تبعات مثل هذا القرار والذهاب بموقفه الى النهاية ليبدأ عهده بأزمة تبدأ بمواجهة مع جنبلاط والحريري وبري، وتصل الى تعريض علاقاته الجديدة مع السعودية التي تنتظر الانتخابات النيابية وما إذا كان الحريري سيفوز فيها وسيبقى رئيسا للحكومة؟!
تيار المستقبل لا يبدو أنه يأخذ موقف الرئيس عون وتهديده على مجمل الجد، لأنه سيكون كمن يطلق النار على رجليه ولا يحتمل في بداية عهده انتكاسة من هذا النوع وهذا الحجم، لأن عدم إجراء الانتخابات مخالف للدستور ولرغبة المجتمع الدولي وسيكون مصدر تهديد للاستقرار الداخلي.
فأولوية إجراء الانتخابات تتقدم على ما عداها، وما يهم المجتمع الدولي هو الانتخابات وليس القانون، وأن تجري الانتخابات في موعدها لتكتمل عملية إعادة بناء السلطة، بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة.
أوساط جنبلاط أيضا تشكك في إمكان ذهاب عون بعيدا في معارضة قانون الـ 60، وفي تقديرها أن الرئيس عون يمكن أن يكتفي بموقف معارض قوي من قانون الستين، وأن يذهب الى انتخابات بالقانون النافذ تجنبا لتعطيل الحياة السياسية وإدخال البلاد في دوامة توتر سياسي مؤذ للعهد ككل، خصوصا أن قانون الـ 60 يناسبه في ظل تحالفه مع القوات اللبنانية ويؤمن له وصول كتلة نيابية كبيرة الى مجلس النواب، ولا تسقط هذه الأوساط من حسابها احتمال أن يكون عون يقوم بمناورة كبيرة في سياق خطة هادفة الى انتزاع المقاعد المسيحية التي تضع قوى سياسية أولها المستقبل والاشتراكي يدها عليها، ومطلوب منها إعادة هذه المقاعد الى أصحابها، أي الى الثنائية المسيحية الجديدة.
ما لا يأخذه المستقبل والاشتراكي في الحسبان أن عون ليس مثل الرؤساء الذين سبقوه، وأنه يستمر، قبل الرئاسة وبعدها، رجل المفاجآت والمغامرات، رجل الموقف والقرار.. في معركة رئاسة الجمهورية، صمد العماد ميشال عون في لعبة الفراغ الرئاسي سنتين مستخدما مع حزب الله سلاح تعطيل نصاب جلسات الانتخاب.. ماذا عن معركة الانتخابات النيابية، هل يلجأ الى لعبة الفراغ والتعطيل؟! وهل يجيز له موقعه الرسمي، لا السياسي، اللجوء الى هذا الإجراء؟! وهل تكون لديه قدرة الفصل بين مصلحته (الفريق الذي يمثل) والمصلحة المسيحية (الطائفة التي تمثل في الحكم) والمصلحة الوطنية، أم تكون له قدرة التوفيق بين هذه المصالح؟!