كتب وسام سعادة في صحيفة “المستقبل”:
منسوب “الجفاء” إلى تصاعد بين روسيا و”حزب الله”، والأسابيع الماضية كانت كفيلة بتحويل وضع “حزب الله” في الأراضي السورية إلى نقطة خلافية جدية بين موسكو وطهران.
في هذا الوقت، تتشكّل الإدارة الأميركية الجديدة، وهي في السياسة الخارجية، ستسعى للتوفيق بين منظارين: المنظار الذي عبّر عنه ترامب خلال الحملة الانتخابية بشكل أو بآخر، والمنظار الذي يعبّر عنه المناخ الأكثري بين سيناتورات ونواب الحزب الجمهوري. يتشارك المنظاران منذ البدء بمقاربة جد سلبية تجاه سياسات باراك أوباما في الداخل والخارج، ويختلفان في ما بينهما حول أمور كثيرة، لكن الإدارة الجديدة، والديبلوماسية الأميركية الجديدة، لن تكون في حلّ من التوفيق بين المنظارين. سلبية الموقف من الاتفاق النووي بين إيران والغرب هي القاعدة المشتركة للمنظارين. اختلاف الموقف من موسكو هو نقطة افتراق أساسية بينهما. وفي ما يتعلق بحروب أميركا بعد 11 أيلول، يتميز ترامب بأنّه لم يكن من دعاة التدخل الأميركي في العراق، لكنه كان من جملة الجمهوريين الذين اعتبروا الانسحاب الأوبامي منه في توقيته وفي شكله كارثياً. مناخ الحزب الجمهوري كان مؤاتياً، على العكس من ذلك، لقرار إدارة بوش الابن التدخل في العراق، ويعود فيتفق مع ترامب في اعتبار الانسحاب الأوبامي منه كارثياً، وأنّ الانسحاب أنتج “داعش” – من دون استعداد لاستيعاب أنّ الاحتلال الأميركي الذي سهّل الاستباحة الإيرانية أيضاً للعراق، هو الذي مهّد لهذا الإنتاج.
أما بالنسبة لسوريا و”حزب الله” فثمة افتراق بين ترامب وباقي الجمهوريين. لكن للافتراق حدوده أيضاً، وجزء منها حدود معرفة ترامب نفسه.
لا يعني هذا أن ترامب “جاهل” بالعالم الخارج عن بلاده، ولا بالشرق الأوسط. بالعكس، أعماله في العالم، وفي الشرق الأوسط، أتاحت له سفرات عديدة، واختلاطاً كبيراً، إذا ما قيس بعدد من الرؤساء السابقين، والعالم والسياسة الخارجية حضرت في حملته الانتخابية بشكل أكثر كثافة من الانتخابات السابقة. أيضاً، ظاهرته، وطبيعة عصرنا هذا، جعلت من الانتخابات الأميركية الأخيرة انتخابات تستأثر بالعواطف المتضادة في العالم، وقسم كبير منها وجّه ضد ترامب على مواقفه، لكن كل هذا بالمحصلة جاء يعني أننا حيال رئيس يدعو من جهة كي تأخذ أميركا مسافة من العالم الخارجي، ويجعل من الحدث الداخلي الأميركي حدثاً يشارك بصخبه كل الكوكب، بحيث أن رؤساء دول وحكومات من أوروبا الى روسيا الى المكسيك الى العالم العربي عبروا عن مواقف مباشرة من وصول ترامب، بشكل لم يحدث من قبل.
واذا كان ترامب خلال حملته الانتخابية أظهر سلبية عارمة تجاه كل من إيران والصين، وإيجابية مثيرة تجاه روسيا، فإن كلامه تجاه نظام بشار الأسد بدا إشكالياً للغاية. يفتح النافذة على علاقة أميركية جديدة مع هذا النظام، ويشرطها في الوقت نفسه، بالكفاح ضد “داعش”، من دون أن يقارب مفارقة أن “داعش” كما هي موجودة في الواقع شيء، و”داعش” التي يبرر نظام آل الأسد استمرار وجوده بالكفاح ضدها شيء مختلف تماماً.
لكن، حتى أيلول من العام الماضي، كان ترامب لا يعرف الإجابة عن سؤال طُرح عليه، بأن يسمي زعماء منظمتي “حزب الله” و”حماس”، وحين سئل عن الفرق بينهما لم يعرف أيضاً الإجابة، ثم تحدى سائله، بأنه حين يصير هناك لزوم لمعرفة هذا الموضوع فإنه سيتقفى تفاصيله ويلمّ فيه أكثر من الجميع. وهذا رغم تعيين ترامب لوليد فارس في فريق حملته الى البيت الأبيض.
اليوم، ترامب رئيس. و”حزب الله”، ليس مفاوضاً على الطاولة في مباحثات آستانة. صحيح أنه لا يجري التفاوض عليه أيضاً، لكن كواليس آستانة تطرق إشكاليته بشكل واضح، وهناك تفاوت واضح بين عدم الاهتمام اللبناني، الإعلامي والسياسي، بمتابعة هذا الموضوع، وبين الحجم الذي يأخذه في الدوائر المتابعة للمباحثات. بالنسبة الى فلاديمير بوتين وفريقه، دور “حزب الله” في سوريا انتهى. بالنسبة الى إيران، لم ينتهِ، والتعجيل في إنهائه ليس في صالح لا الحزب ولا إيران، خصوصاً عشية إعادة احتساب واشنطن لموقفها من المسار التفاوضي والرقابي مع إيران.
أن يتحول موضوع إخراج “حزب الله” من سوريا الى نقطة نادرة لتركيب إجماع حولها بين عواصم مختلفة في قسم غير يسير من مصالحها وسياساتها حول العالم، فهذا احتمال قوي. من جهة روسيا، باتت هذه قناعة يعبر عنها الجانب الروسي بأشكال مختلفة، جزء منها في إطار ما نضج قبل أسابيع من اتفاق مع الأتراك. ومن جهة أميركا، لم يكن موضوع “حزب الله” في سوريا “مرئياً” عند الإدارة السابقة، لكن من الصعب أن يبقى “غير مرئي” الآن، مع مجيء فريق يشكل الموقف السلبي لديه من الاتفاق مع إيران مشتركاً عاماً داخله. صحيح أن ترامب بوغت قبل أشهر بأسئلة حول حزب قلما سمع عنه، ويدعى “حزب الله”، لكن إذا كانت قناعة روسيا بإخراج هذا الحزب من سوريا قد تشكلت وباتت واضحة ومثار ضيق عند الإيرانيين، فلا يفترض توقع ما دون ذلك لدى الأميركيين، خصوصاً في فترة بعد أوباما.