كتبت صحيفة “العرب” للندنية: شهد لبنان خلال الشهور الثلاثة الماضية حراكا دبلوماسيا حمل إلى بيروت عددا من الوزراء والموفدين العرب والأجانب منذ الإعلان عن التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
واستقبل لبنان منذ انتخاب عون رئيسا مسؤولين عربا وأجانب أبرزهم الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبوالغيط، وممثلة السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والمصري سامح شكري، والعراقي إبراهيم الجعفري، والقطري محمد بن عبدالرحمن، والفرنسي جان مارك أيرولت، والإيراني محمد جواد ظريف، والألماني فرانك فالتر شتاينماير.
كما توافد على بيروت الأمير خالد الفيصل موفد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون السياسة العسكرية تينا كيداناو.
واستهل عون أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسا إلى السعودية حيث فتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السعودية بعد توتر دام قرابة السنة، وانتقل بعدها إلى قطر.
ولتفسير المشهد السياسي اعتبرت قراءات سياسية أن لبنان عاد إلى الخريطة الدولية والعربية بعد إنهاء الفراغ الرئاسي، وتقاطر الوفود العربية والدولية إلى بيروت وزيارات الرئيس الخارجية إلى السعودية وقطر، وتلقيه دعوات إلى زيارة العديد من الدول الوازنة.
وكان المشهد الرسمي للوفود وزيارات الرئيس دليلا على نضوج واقع سياسي واستثماري وسياحي إيجابي في لبنان، في حين أنه لم يتبلور حتى الساعة أي اتجاه فعلي عربي ودولي، يصب في خدمة إنماء السياحة والاقتصاد في لبنان.
كانت التوقعات تشير إلى أن زيارة الرئيس ميشال عون إلى السعودية ستدفعها مباشرة إلى الإفراج عن هبتها المجمدة إلى القوى الأمنية اللبنانية ولكن ذلك لم يحدث، بل تم الحديث عن قبول السعودية بفتح مسار يهدف إلى إعادة تفعيل العمل بها، يشترط هذا المسار توفر ظروف أمنية وسياسية ولم يظهر لبنان القدرة على الإيفاء بها وخصوصا في ما يخص حزب الله الذي يعزز حضوره بالسلاح وبدعم إيراني باعتباره أذرع طهران في المنطقة، وما يجسد هذا الدعم من خطر على الأمن القومي العربي عامة. وكانت السعودية خيبت توقعات حزب الله بعدم تجديد الهبة المالية التي تمنحها للبنان، وأعطت فرصة مشروطة للرئيس اللبناني ميشال عون لإثبات حسن النوايا خلال زيارة وصفها مراقبون بإحياء العلاقات بين البلدين.
وبعودة الوفود إلى لبنان تستكشف الأوضاع فيه عن قرب، وجل هذه الزيارات لم تخرج عن الإطار البروتوكولي الرسمي ودواعي التهنئة، فلم تحمل الوفود مشاريع جدية في ما يخص القضايا الكبرى.
كذلك لا يزال البلد عاجزا عن إنتاج بيئة صالحة للاستثمار أو لعودة السياحة إذ لا تزال أزمة النفايات دون حلول، كما تهدد أزمة طيور النورس سلامة الطيران في مطار بيروت، ما يجعل لبنان وجهة غير آمنة للسواح ورجال الأعمال.
ربما يقول البعض إن لبنان فك عزلته. قد يكون الأمر صحيحا على الصعيد الرسمي، ولكن يبدو أن هذه العزلة تعمقت مع سيطرة “حزب الله” الواضحة على المشهد السياسي في البلد من خلال الرئيس المحسوب عليه.
تضاف إلى ذلك سيطرة الحزب على المشهد الحكومي، وإعاقته إقرار قانون انتخابي جديد في مجلس النواب ما لم يكن متناسبا مع مصالحه، ما يعني أن مرحلة ما بعد الفراغ ربما تكون استكمالا للفراغ بأشكال أخرى.