كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
لم يتلقف سياسيون تلويح رئيس الجمهورية بالفراغ إذا لم يجرِ التوصل إلى قانون انتخاب بترحيب، في ظل الخشية من مؤتمر حواري وتعديلات على الطائف في ظل وجود رئيس الجمهورية.
لا يذهب تلويح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالقبول بالفراغ في المجلس النيابي في اتجاه سليم لدى جميع الذين سمعوه من القوى السياسية، ولا سيما تلك التي لم تهضم مطلقاً استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف سنة.
فتلويح عون بالفراغ يبدو، في ظاهره، حرصاً على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وإصراراً على حتمية التوصل إلى قانون انتخاب جديد بدلاً من اعتماد قانون الدوحة أو التمديد للمجلس النيابي. وهذا، بطبيعة الحال، يصبّ في خانته إيجاباً، على قاعدة أن رئيس الجمهورية يستكمل ما بدأه في تكتل التغيير والإصلاح من معركة لاستعادة حقوق المسيحيين في النيابة والحكومة والإدارة.
لكن لا يمكن استعادة الكلام عن الفراغ في المجلس النيابي من عدم، لأن هذا التلويح سيف ذو حدّين، والضغط من أعلى مرجعية رئاسية بسيناريو يشبه سيناريوهات ما قبل استعادة المؤسسات الرسمية لعملها لا ينذر بكثير من التفاؤل ويدعو إلى الاستغراب، ولا سيما أن أسئلة بدأت تطرح عن الخلفية الحقيقية لهذا الإنذار، بما يتعدى فقط قانون الانتخاب.
حين اندلعت الأزمة الحكومية قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، بفعل مواقف التيار الوطني الحر الممثل في الحكومة آنذاك والاختلاف على عدم بتّ قانون الانتخاب، تردد في الوسط السياسي كلام عن التوجه إلى تمديد ثالث للمجلس، وهو ما رفضته القوى المسيحية، ولوّحت بالفراغ في المجلس النيابي، أي في الرئاسة الثانية. في حينه كان رد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عبر أوساط اطلعت على موقفه، أن لا فراغ في المجلس، وأنه باقٍ في منصبه مترئساً لهيئة مكتب المجلس التي تستمر في عملها. وهذا الأمر لا يزال ساري المفعول، حتى لو لم يُمدَّد حالياً ولم تجرِ انتخابات في أيار المقبل.
آنذاك، تبدلت الأوضاع في أسابيع قليلة، وجرت الانتخابات الرئاسية، ليعود الكلام اليوم عن الفراغ في المجلس النيابي، ومصدره هذه المرة القصر الرئاسي. وهو منبثق أيضاً من اجتماعات “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، التي لم تنأَ بنفسها عن القبول بالفراغ، في حال تعذُّر اتفاق جميع القوى السياسية على قانون جديد. وهنا يكمن بعض اللغط الذي أثار سياسيين يدافعون عن اتفاق الطائف، وهم على تماس مع الطرفين.
فالإطناب الكثيف الذي سُمع أخيراً على لسان التيار الوطني، تحديداً حول الطائف والتزامه، يثير هواجس حول احتمالات لا تصبّ في خانة تعزيز هذا الاتفاق وتنفيذه. فالطائف، بحسب تطبيقاته العملانية، يُظهر يوماً بعد آخر بعض العقبات والعثرات في تنفيذه، وهو ما تجلى في تأليف الحكومة وقانون الانتخاب وإدارة الحكم عموماً، ولا سيما مع استعارة كل فريق ما يحلو له من الطائف للمطالبة بتنفيذه حين يتلاءم ذلك مع مصلحته السياسية. لكن الكلام عن عيوب تشوب التطبيق بدأ يتزايد ويأخذ منحىً جدياً كلما ظهرت معضلة تنفيذية تعترض سير عمل المؤسسات وتمثيل القوى السياسية. وهو يترافق مع إعادة التذكير، كما حدث أيضاً في مرحلة الذهاب إلى الطائف وما بعده، بأن غياب رئيس الجمهورية في نهاية الثمانينيات في أول شغور رئاسي، أدى إلى هذه الصيغة من الاتفاق، وإلى التنازلات التي قدمها الأفرقاء المسيحيون في سبيل التوصل إلى اتفاق الطائف.
اليوم، مع وجود رئيس للجمهورية يمثل أكبر كتلة مسيحية، ووصوله إلى بعبدا بصفته الضامن لحقوق المسيحيين، تطرح تساؤلات سياسية عن الهدف من التلويح بالفراغ النيابي، إذا تعذّر التوصل إلى اتفاق على قانون ترضى عنه جميع الفئات. وهو أمر سيكون أشبه بالمعجزة في أيام قليلة بعد خلاف لا يقلّ عن ثماني سنوات. والدخول في مغامرة من هذا النوع، مع بداية العهد، وفي ظل حكومة يفترض أن تكون ظرفية، وليست طويلة العمر، يفتح الباب أمام طرح أسئلة محورية، لا بد منها: هل الفراغ مطلوب من أجل أن تؤخذ أزمة النظام التي حُلّت مرحلياً بفعل توافق خارجي، إلى حدّها الأقصى؟ وهل يمكن أن يكون هدف طرح “خطير”، كالفراغ النيابي، إعادة طرح أي تعديلات على هذا الاتفاق، خلال وجود رئيس للجمهورية في سدة الحكم، واسمه ميشال عون الذي سبق أن طالب بتعديلات عليه؟ وهل يمكن أن يكون الهدف أبعد من إنذار الكتل السياسية، والضغط عليها لإقرار قانون جديد، ليصبح الخيار الوحيد الذهاب إلى حوار جامع أو مؤتمر ما “تأسيسي” أو غير تأسيسي، يترأسه رئيس الجمهورية نفسه، فلا يعود هناك مجال للخوف لأنه يشكل هو الضمانة بعدم التفريط بأي حقوق لم تُراعَ قبل أكثر من ربع قرن، لإعادة طرح الهواجس وتعديل ما يمكن تعديله. وهل يمكن الرئيس نبيه بري و”حزب الله” أن يؤيدا هذه الدعوة، ما دام لا فراغ عملياً في المجلس، فيجدا ما يلائمهما في إعادة البحث في بنود ومواضيع لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ العملاني في الطائف، أو الذهاب إلى اقتراحات جديدة تعيد بناء النظام في شكل يتلاءم مع المتغيرات التي دخلت إلى التركيبة السياسية الداخلية. كلها أسئلة مشروعة مفتوحة للنقاش السياسي في وسط لا يسلّم بأن كلاماً من هذا الوزن قد يكون جرس إنذار للدفع نحو قانون انتخاب فقط.