ذكرت صحيفة “الراي” الكويتية انه يبرز بوضوح وجود محاولة داخلية وخصوصاً من القوى المسيحية الوازنة للاستفادة من زخم التسوية التي أفضت الى إنهاء الفراغ الرئاسي ومن الاحتضان العربي والدولي لها لاستيلاد قانون جديد للانتخاب تعتبره هذه القوى “مصحِّحاً للتمثيل” (الطائفي) ومن مفاتيح تصويب قواعد الشراكة الوطنية واحترام الميثاقية “الفعلية”، في وقتٍ يبدو الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط أكثر المتوجّسين من قانونٍ يصعب ان يمرّ ما لم يتم إدخال نظام الاقتراع النسبي اليه ولو جزئياً، وهو ما يرى انه في المبدأ يمكن ان يساهم في وضع زعامته التاريخية والمكوّن الدرزي أمام خطر “الذوبان”، وخصوصاً بعدما أنهى المسار الذي أفضى الى انتخاب عون الاصطفاف السياسي الذي كان قائماً بين فريقيْ 8 و 14 آذار وفتح الباب امام تحالفاتٍ جديدة خسر معها جنبلاط دور “بيضة القبان” الذي لطالما شكّل “ورقة القوة” في موقعه “الذي لا يُستغنى عنه” داخلياً.
أما “حزب الله” والرئيس نبيه بري، فيعتمدان سياسة “دفْع المركب من الخلف”، فإذا أفضت النقاشات الى قانون جديد على أساس النسبية الجزئية يكون هذا الثنائي حقّق واحدة من أهدافه الرامية الى “الأكل من صحن” الرئيس الحريري، وإذا بقي الوضع على حاله فهو حدّد كما شريكه في الثنائية الشيعية أولوية إجراء الانتخابات في موعدها وفق القانون النافذ (الستين) على ايّ تمديد ثالث للبرلمان (من خارج قانون جديد)، وهو ما يساهم في مراعاة مقتضيات التبريد الداخلي وخصوصاً مع “المستقبل” في لحظة مساعي ايران لمعاودة تطبيع العلاقات مع الرياض ودول الخليج.
وتحت سقف هذه “الثوابت”، تَفاعل تهديد الرئيس ميشال عون قبل ثلاثة أيام بالفراغ في السلطة التشريعية ما لم يتمّ إقرار قانون جديد للانتخاب وتلويحه بممارسة صلاحياته “التوقيعية” لقطع الطريق على اي انتخابات وفق القانون النافذ كما على اي تمديد لمجلس النواب، وهو الأمر الذي أثار لدى أكثر من فريق سياسي غير مسيحي انزعاجاً أثيرت معه مسألة صلاحيات الرئاسة واين تقف في حدود تعاطيها مع السلطة الإجرائية التي تتشكّل، وفق اتفاق الطائف، من الحكومة ورئيسها.
واذ نُقل عن مصادر سياسية مشارِكة في الحكومة ان تلويح رئيس جمهورية بالفراغ “أمر لا يجوز من رأس الدولة المؤتمن على الدستور وتداول السلطة”، لمّحت تقارير الى ان مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديريكا موغريني خلال محادثاتها مع عون استكشفت خلفيات كلامه والمناقشات حول قانون الانتخاب، مؤكدة أهمية الحفاظ على الاستقرار المؤسساتي كما الأمني.
وفي حين انعقد اجتماع ثان لممثلين لكل من الرئيس الحريري والرئيس بري و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، فإن معلومات اشارت الى ان النقاشات التي كانت تركّز على خيار التأهيل على مستوى القضاء مع الاقتراع بالأكثري والانتخاب على اساس المحافظة بالنسبي، باتت تتمحور حول صيغة لقانون مختلط يقوم على انتخاب 64 نائباً على اساس الأكثري و 64 وفق النسبي (وهو ما كان اقترحه الرئيس بري سابقاً) مع توزيع لنسب كل من نظاميْ الاقتراع على تسع محافظات تضمّ الاقضية الـ 26 التي كانت اعتُمدت في انتخابات 2009 (قانون الستين) ومع جمْع قضائيْ الشوف وعاليه في محافظة واحدة جديدة وفق ما يطالب به النائب جنبلاط باعتبارهما منطقة نفوذه.
ويُلاحظ من هذه الصيغة التي ما زالت قيد النقاش المكثّف ان الشوف وعاليه اللتين تتمثلان بـ 13 نائباً بينهم 4 دروز اختير لها 11 نائباً يُنتخبون بالنسبي و2 بالأكثري (درزيان)، وهو الأمر الذي يفترض ان لا يقبل به جنبلاط الذي عبّ أكثر من مرة عن رفْضه الكبير للنسبية باعتبارها استهدافاً لوجود طائفته، كما ان ثمة تفاصيل في هذه الصيغة تبقى عرضة لتجاذبات ذات صلة بأكثر من دائرة وأي مقاعد تُنتخب بالأكثري وأيا بالنسبي، الى جانب “وحدة المعايير” على هذا الصعيد مناطقياً.