تحقيق IMLebanon: ظاهرة الخطف مزدهرة في لبنان وهي نتيجة طبيعية لضعف المؤسسات خصوصاً في بعض المحميات الامنية وشبه غياب لسلطة القانون والدولة. هذا الواقع لا يخفى على العالم، ففي آخر احصاء عالمي عام 2014 عن الخطف في مختلف الدول نشر عبر موقع The Global Economy مصدره مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم والمخدرات، بلغ عدد عمليات الخطف في لبنان 18.4 عمليات خطف لكل 100 ألف مواطن، وبهذا الرقم يكون لبنان قد حقق رقما قياسيا في عدد عمليات الخطف بالنسبة للدول التي تقدم احصاءاتها للامم المتحدة!
ربما يعتبر البعض ان الرقم مبالغ به وقد يشمل مثلا حالات الزواج بالإكراه او ما يعرف بـ”الخطيفة” لكن المسلّم به إن الخطف في لبنان يحصل من قبل عصابات ومجموعات تعتبر نفسها فوقق سلطة القانون. فما هي العوامل الفعلية التي تجعل وطننا مرتعاً لهذه الافعال المسيئة لصورة الدولة والمنظومة الامنية والمجتمعية لدينا؟
1 على 500 ألف… أم 18 على 100 ألف؟!
يشكك مصدر أمني مسؤول في قوى الأمن الداخلي في تلك الأرقام ويعتبر ان هذا المعدل كبير جدا، ويطرح أسئلة عما إذا كانت الدراسة تشمل عمليات الخطف التي تحصل لقاء فدية او زواج. ويرى انه في حال كانت الاحصاءات تشمل الامرين فهذا الامر لا يجوز، معتبراً ان “ثمة تقاليد موجودة في لبنان غير موجودة في دول اجنبية اخرى في ما خص الزواج، والحقيقة ان الارقام غير صحيحة والعدد ليس مرتفعا لهذا الحد، وقد تكون 1 على مليون او 1 على 500 ألف، وليس 18 على 100 ألف”.
ويشدد المصدر على أن “معظم عصابات الخطف لقاء فدية تم توقيفها، لكن ما زال هناك فارين من العدالة، وهناك بعض العصابات التي تتشكل حديثا نتيجة الربح السريع ونجاح بعض العمليات السابقة، ولكن في النهاية يتم توقيفها في ما بعد”.
ويكشف عن عمليات امنية تقوم بها قوى الامن توقف من خلالها المجرمين خلال عملية الخطف او حتى خلال التحضير لها وقبل حصولها، وعدد كبير من العمليات نجحنا باتمامها من دون لقاء اي فدية.
قوى الامن: مستمرون في ملاحقة قضية خطف سعد ريشا
وعما إذا كانت القوى الامنية تدخل الى جميع المناطق من دون استثناء، يؤكد المصدر الامني أن “القوى الامنية تدخل الى جميع المناطق وتقوم بالمداهمات وتتمتع بسهولة المناورة والتدخل، لكن في بعض المناطق البقاعية الشمالية تتحصل بعض الاستثناءات لان المنطقة واسعة وهناك اماكن يسهل الاختباء فيها خصوصا بعد الازمة السورية ما يتيح سهولة التنقل والهروب باتجاه الاراضي السورية، ولكن العمل مستمر في هذا الشأن.
وعن العملية الاخيرة التي حصلت في زحلة وتمثلت بخطف المواطن سعد ريشا، يشدد المصدر على ان “المتابعة مستمرة من اجل توقيف الفاعلين، ولا احد يمكنه الهروب من العدالة والقانون ومهما طال الزمن فالعدالة ستتحقق”.
ويؤكد المصدر ان “التنسيق دائم وضروري بين كل الاجهزة الامنية التي تتعاون مع بعضها في المعلومات”، معترفا انه “نتيجة التقصير في بعض الاماكن ونتيجة الاهمال الطويل وعدم وجود خدمات وتنمية تحولت بعض المناطق لتزدهر المخالفات فيها هذا الامر ليس مبررا ولكنه احد الاسباب التي تُطرح ونحن نقوم بكل ما بوسعنا من اجل ضبط الامر والسيطرة على الامن”.
هذا ما يجب فعله لدى التعرض للخطف!
عالم النفس والاجرام والقانون الدكتور مارسيل عبدالله يعتبر أنه “يجب التمييز بين عملية خطف تتم بقوة السلاح وعملية خطف تحصل عبر استدراج الشخص المخطوف من دون استخدام السلاح، فإذا عملية الخطف تحصل بالسلاح، الخضوع اصبح الزاميا لان حياة الانسان بخطرولا يمكنه ان يقاوم بسهولة، ولكن إذا كانت عملية الخطف قد حصلت من دون استخدام السلاح وعبر اعتماد القوة البدنية والجسدية، فمن المستحسن احداث ضجيج وصراخ لهدفين، الهدف الاول، من اجل لفت انظار وانتباه الاشخاص المحتمل وجودهم بالقرب من مسرح الجريمة، أما الهدف الثاني، فهو عندما يصرخ الانسان يرفع مستوى الادرنالين في جسمه وبالتالي تزداد قوته الجسدية الامر الذي قد يساعده على الافلات من قبضة الخاطف”.
ويكشف عن أن “عددا كبيرا من المختصين الذين يدربون المواطنين على كيفية حماية انفسهم من عملية الخطف ينصحون الضحية المحتملة، سواء اكان يواجه خاطف مسلح، او غير مسلح، التظاهر بالإغماء والسقوط على الارض لان هذا الامر سيعطل عملية الخطف عبر اعاقة عملية النقل”.
هذا هو السبب وراء عمليات الخطف
الدكتور عبدالله يرى ان “عمليات الخطف في لبنان عادة تكون بنسبتها الاكبر لاسباب مالية وبالتالي المطالبة بفدية، وهذا الامر يقوم به من يتمتع بسلوك اجرامي ويعتمد على الكسب المالي عن طريق الجرائم”.
ويشدد على أن “الدين لا علاقة له اطلاقا بالخطف، أما الثقافة والبيئة الجغرافية لها حكما علاقة بعمليات الخطف، كما ان تفلت السلاح وتواجد اماكن لا تدخل اليها الدولة عادة تساهم بزرع ثقافة ان تلك المناطق محمية والدولة غير قادرة على ضبطها وهذا يسمح للمجرمين بالتماهي باعمالهم الاجرامية لا سيما الخطف والقتل والمخدرات وغيرها من الامور، وهذا الامر يساهم بانتشار الجرائم اكثر”.
ويرى ان “الثقافة تساعد على تنامي الاجرام لان الناس يتماهون مع بعضهم البعض خصوصا المراهقين والشباب الذين يعتبرون رئيس العصابة مثالا أعلى لهم فيحاولون تقليده، وبعض الاطفال والاولاد يتماهون بوالدهم إذا كان يقتل او يخطف او يتحكم بالشارع، وكلما رأى هذا الشخص انه يحقق مكاسب والناس تخاف منه بسبب سطوته وقدرته على فرض آرائه على الآخرين كلما تماهى الشباب معه واعتبروه قدوة، فالولد يقلد والده المجرم وخاله المجرم والعشيرة التي ينتمي اليها لذلك هناك ثقافة تلعب دورا بنشر الجرائم ومن بينها الخطف”.
كيف يمكننا منع تزايدها؟
يوضح الدكتور عبدالله ان “الحد من الاجرام بشكل عام وبالتحديد جرائم الخطف تعتمد اولا على سياسة تربوية والتي تقوم على نشر مفاهيم القانون واحترام شخصية الآخر وحقوقه الانسانية، لانه كلما علمنا الشخص على حب الانسان واحترام حق الآخر بالحياة كلما نسمح اكثر بتخفيف جرائم الخطف”.
ويعتبر ان “سياسية الردع والعقاب مهمة واساسية جدا، وهذا الامر لا يطبق فقط من قبل القوى الامنية، بل يجب اعتماد هذه الطريقة مع الاولاد منذ الصغر واعتماد مبدأين الثواب والعقاب، المكافأة والعقاب، فهذا اساس التعلم وهذا الامر نفسه يطبق بالقانون وفي المجتمعات، خصوصا انه كلما ضعفت الدولة كلما انتشرت الجرائم اكثر وسمحت للمجرمين بالتماهي مع اجرامهم”.
ويبقى الاساس ان تحزم الدولة امرها وتبسط سلطتها في كل المناطق من دون استثناء عبر رفع الغطاء السياسي عن عصابات الخطف.