IMLebanon

لن ينجح “حزب الله” حيث فشل في 2009

 

كتب خيرالله خيرالله في صحيفة “المستقبل”:

ثابت أن الوضع الأمني في لبنان ممسوك الى حدّ كبير. يساعد في ذلك وجود رئيس للجمهورية، هو العماد ميشال عون يعمل، على طريقته، من أجل المحافظة على التوازنات الداخلية واستعادة العرب ثقتهم بلبنان.

هناك، في موازاة ذلك، حكومة تمثل فئات واسعة من الطبقة السياسية برئاسة سعد الحريري الساعي يومياً الى إعادة الحياة الى مؤسسات الدولة من جهة وتحريك العجلة الاقتصادية من جهة أخرى. فضلاً عن ذلك، هناك قسم من الحكومة، هو القسم المقاوم، يعي تماماً ماذا يعني الخطر الإيراني ويعمل على مواجهة هذا الخطر الذي في أساسه مشروع توسّعي مكشوف. إنّه مشروع قائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية في كلّ دولة عربية واستخدام جزء من اللبنانيين في خدمة هذا المشروع. إنّه أيضاً مشروع يستهدف كلّ مجتمع من المجتمعات العربية. مؤسف أن هناك لبنانيين لم يستوعبوا ذلك في الماضي ولم يستوعبوه في الحاضر.

يعود الإمساك بالوضع الأمني، كما ظهر من خلال إحباط العملية الانتحارية في مقهى “كوستا” في شارع الحمراء، الى التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة. يتم ذلك في ظلّ وجود وزير للداخلية اسمه نهاد المشنوق يعتبر نفسه وزيراً لكلّ لبنان واللبنايين. الأهمّ من ذلك كلّه، وربّما في أساسه، أن لا مصلحة لـ”حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني في إرباك الوضع اللبناني، أقلّه في هذه المرحلة. يفترض في مثل هذا التصرّف، الذي ينمّ عن رغبة في إبقاء لبنان في مأمن عن الحريق السوري، أن لا يغيّب الخطر الذي يمثلّه السلاح غير الشرعي الذي في يد ميليشيا مذهبية قرارها في طهران. لا يمكن إلا أن تكون هناك نتائج في غاية السلبية على مستقبل البلد بسبب وجود سلاح غير شرعي ومناطق تحت سيطرة ميليشيا مذهبية قررت عدم الاعتراف بوجود حدود دولية للجمهورية اللبنانية من جهة، والتدخل الى جانب النظام السوري في الحرب التي يشنّها على شعبه من جهة أخرى.

ثمّة ما يؤكّد وجود بقايا مؤسسات لدولة لبنانية. يمكن البناء على بقايا المؤسسات. لا يمنع ذلك التخوف من أن أحداثاً يمكن أن تحصل مستقبلاً، لكن الثابت أنّ على البلد إعداد نفسه للمرحلة المقبلة، مرحلة الانتخابات النيابية. هذه الانتخابات اللبنانية ستثبت أن لبنان قادر على استكمال عملية استعادة مؤسساته.

تمثّل هذه الانتخابات التي يُفترض أن تحصل في أيار المقبل، في حال لم يكن هناك تأجيل ذو طابع تقني، منعطفاً على الصعيد اللبناني. ستثبت الانتخابات أن هناك محاولة جدّية لإعادة بناء البلد في ظلّ ظروف إقليمية أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها معقّدة.

من هذا المنطلق، يمكن أن تكون الانتخابات سيفاً ذا حدّين. يمكن أن تساعد لبنان في تحصين نفسه ويمكن أن تساهم في تكريس لبنان مستعمرة إيرانية. وهذا ما ترفضه أكثرية لبنانية تعي تماماً ماذا يعني أن يكون قانون الانتخابات على قياس “حزب الله” الطامح الى قلب المعادلة داخل مجلس النوّاب. يستند الحزب في ذلك الى أنّه يعتبر نفسه قادراً على السيطرة بشكل شبه كامل على الطائفة الشيعية، فيما يستطيع تحييد المسيحيين الى حدّ ما… مع شق السنّة والدروز الى حدّ كبير وانتزاع مقاعد لموالين له ولما يمثّله من هاتين الطائفتين. بكلام أوضح، يعتقد “حزب الله” أن في استطاعته إلغاء العلاقة العضوية بين “تيّار المستقبل” وأهل السنّة، كما في استطاعته إيجاد طريقة لتقليص الحجم الدرزي لوليد جنبلاط لمصلحة بعض الواهمين الذين يعتقدون أنّ لديهم وجوداً داخل هذه الطائفة. صحيح أن الطائفة الدرزية طائفة صغيرة. لكنّ الصحيح أيضاً أنّها طائفة مؤسسة في لبنان ليس هناك من يستطيع إلغاءها لأسباب عدة.

ليس طبيعياً أن يذهب لبنان الى قانون انتخابي يسمح لـ”حزب الله” بتحقيق ما عجز عنه في انتخابات العام 2009. وقتذاك، لعب سعد الحريري دوراً محورياً في التصدي للتوجّه الإيراني ومنع الحزب من السيطرة على لبنان، عن طريق صناديق الاقتراع. ربح رهانه على الرغم من أنّ كثيرين كانوا يعتقدون أنّه لن يتمكن من ذلك وأن لبنان ورقة خاسرة. ليس ما يدعو الى العودة الى ما قدّمه سعد الحريري في تلك المرحلة والى تضحياته، على كلّ صعيد، من أجل تحقيق انتصار في الانتخابات. وضع الرجل عائقاً يستهدف منع الحزب الإيراني من السيطرة على الجمهورية اللبنانية عبر أكثرية تابعة له في مجلس النوّاب. ليس سرّاً أن الانتصار الذي تحقّق في 2009 لم تكن له ترجمة على الأرض بعدما رفع “حزب اللّه” سلاحه ومنع مجلس النواب من الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014.

قبل ذلك، في العامين 2010 و 2011، لم تكن من ترجمة لهذا الانتصار، وهو انتصار للشعب اللباني أوّلاً، عندما أسقطت ميليشيا “حزب الله”، بقمصانها السود، حكومة سعد الحريري بسحب “الوزير الملك” منها تمهيداً لتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي.

ما الذي سيحصل الآن؟ قانون الستين مرفوض. هل يبني “حزب اللّه” على هذا الرفض من أجل تحقيق ما عجز عن تحقيقه في 2009؟

ثمّة واقع، لم يعد في الإمكان تجاهله، خصوصاً في ظلّ تورط “حزب اللّه” في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هذا الواقع يفرض على لبنان متابعة المقاومة. المقاومة الحقيقية هي مقاومة الهيمنة الإيرانية التي يسعى الحزب الى فرضها على لبنان. لا بدّ من قانون انتخابي عادل يأخذ في الاعتبار حقوق كلّ اللبنانيين ومصالحهم تجري على أساسه الانتخابات المقبلة. لا بدّ من منع “حزب الله” في 2017 من تحقيق ما عجز عنه في 2009.