كتبت هيام القصيفي في صحيفة “ألأخبار”:
من ينكسر لمن؟ رئيس الجمهورية الذي بدأ عهده برفع شعار لا للتمديد ولا للستين ونعم لقانون انتخاب جديد ويؤيد النسبية المطلقة والأرثوذكسي؟ أم رئيس الحكومة العائد إلى السرايا وفق تفاهم مع رئيس الجمهورية ويرفض النسبية الكاملة ويفضل ضمناً الستين؟
السؤال يطرحه سياسيون في دائرة الأول، ولا ينفيه من في الدائرة الثاني، لأن لبّ المشكلة، بحسب سياسيين مستقلين، بات يكمن في هذا التقاطع بين مرجعيتين، في فترة سياسية حرجة لكليهما، وفق ما يقرأ كل منهما في كتاب الطائف والعلاقات الإقليمية المستجدة والقديمة.
لا يمكن تشبيه العلاقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري بالعلاقة التي كانت قائمة بين الرئيس اميل لحود والرئيس الراحل رفيق الحريري، لأن في ذلك ظلماً للرجلين اللذين صاغا اتفاقاً مرّ في عدد من العواصم المعنية، من باريس الى طهران والرياض وبيروت، حتى أُبرم بالصيغة التي رسا عليها نهائياً. حتى الحواجز التي كانت قائمة بينهما شخصياً انكسرت وبات يحكمها ود ظاهر.
لكن هذا لا يعني أن رئيسي الجمهورية والحكومة بدّلا تموضعهما او تحالفاتهما وحتى رؤيتهما لقانون الانتخاب، ولادارة الحكم، وللطائف الذي جاء عون ليتصرف، ظاهرياً، بوحيه وباطناً باستخدامه لكسره حينما تدعو الحاجة. لذا يصبح الكلام عن صلاحيات الرئيس وتعديلات الطائف وتصرف عون وكأنه رئيس ما قبل الطائف، كلاماً متداولاً في الاوساط التي تراقب عن كثب أداءه في اشهر ولايته الاولى. ولا تختصر هذه المراقبة بالوسط المحلي، إنما يضاً بخارج الحدود، حيث يخضع أداء رئيس الجمهورية للمعاينة في الاستحقاق الثاني بعد تأليف الحكومة، أي قانون الانتخاب.
يتحدث سياسي مطلع عن مرحلة 2005 التي تشبه مرحلة اليوم، حيث اضطر جميع الأفرقاء إلى الانضواء تحت سقف قانون 2000 رغم تقدم قانون الستين حينها ومطالبة القوى المسيحية به. فالضغط الدولي آنذاك حتّم إجراء الانتخابات بأي ثمن، وهكذا كان. اليوم يتكرر سعي المجتمع الدولي مرة أخرى إلى إجراء الانتخابات مهما كلف الأمر، ما دفع بعض القوى السياسية إلى إعادة الاعتبار إلى قانون الستين، تحت ستار الضغط الدولي.
لكن ما حصل، أنّ رئيس الجمهورية رفع سقف رفض الستين في شكل لم يعد سهلاً التراجع عنه، رغم أن هناك من تمنى عليه عدم التصعيد المباشر وإبقاء هامش المناورة مفتوحاً. فيما يرى عون أن الفرصة الحقيقية المتوافرة الآن، من خلال توليه رئاسة الجمهورية لن تتكرر مرة أخرى ، ما يعني ضرورة الإفادة منها والضغط في اتجاه إقرار قانون جديد للانتخاب.
لكن رئيس الجمهورية الذي لم يمشِ بين النقاط، بل عبّر بوضوح عن موقفه المؤيد لصيغ يرفضها رئيس الحكومة، سيضع العهد في موقع حرج، داخلياً وخارجياً، لأن أي انتكاسة تتعلق بقانون الانتخاب لن تكون ارتداداتها محصورة بالقوى السياسية التي ترغب في الستين فحسب، بل ستطاول العهد لأن هذا القانون هو أول استحقاق فعلي لحكومة قال عنها إنها جاءت لتعد الانتخابات. وأي ردّ فعل تصاعدي منه تجاه الحريري، في الانحياز إلى قانون لا يزال الأخير يرفضه كالنسبية الكاملة، بعدما لاقت صيغة المختلط التي قدمها التيار الوطني اعتراض الجميع تقريباً، يعني أنه يخلق أزمة مع رئيس حكومة عهده الأولى ويعيد إحياء الهواجس التي سبق أن سادت حين توترت العلاقة بينه وبين الحريري. ومفاعيل ذلك لا تقتصر على الداخل المحلي، فما بعد زيارة السعودية غير ما قبلها. أي إن الرياض التي وضعت العهد في اختبار النوايا، تنظر بارتياب إلى كل ما من شأنه إعادة عقارب الساعة الى الوراء في ما يتعلق بالانتخابات وبوضع الحريري، وستكون خشيتها كبيرة أيضاً إذا رجحت كفة الميزن لقانون لا يؤيده الحريري.
تبعاً لذلك، ما هي مصلحة عون والحريري في عدم إنضاج قانون الانتخاب بما يكفل لهما عهداً وحكومة ثانية مريحة لكليهما؟
حتى الآن، لا تزال مواقف الطرفين كما كانت عليه منذ شهور وسنوات متناقضة حتى العظم. لكن بقدر ما يملك عون حق التوقيع في مجلس الوزراء، بات مقيداً بحدين لا ثالث لهما: النسبية الكاملة والأرثوذكسي. أما الحريري، فمخرجه الوحيد يكمن في عودته إلى مشروع القانون الذي تقدم به مع القوات والاشتراكي، مع بعض التعديلات التي تتلاءم مع مشروع الرئيس نبيه بري. ولأن الاشتراكي والحريري يرفضان حكماً النسبية الكاملة التي يلوح بها عون، فإن تراجعهما خطوة إلى الوراء بالعودة إلى المشروع الثلاثي بالتنسيق مع القوات لاقناع الاشتراكي، ستتيح للأطراف الثلاثة إمساك العصا من نصفها. لأن القوات والتيار يرفضان قانون الستين، والقوات إذا خيرت بين النسبية الكاملة والستين ستختار حكماً النسبية الكاملة (ولو أيدها حزب الله) التي رفضتها من أجل حليفها المستقبل. فيما ستكون في حل من أي تعهد برفض النسبية الكاملة إذا سار المستقبل والاشتراكي بالستين. ومن مصلحة الاشتراكي والمستقبل حينها وضع الماء في نبيذ المختلط، وإلا فإن سيف النسبية الكاملة لن يكون بمنأى عنهما.
إذاً، العودة إلى النقطة الصفر بقانون الانتخابات لن تكون من دون ارتدادات، لأن مفاعيل الأيام الماضية وما جرى تداوله في الاجتماعات، لن يكون بلا آثار على العلاقات التي نضجت إيجاباً في الشهور الأخيرة. فمشهد التحالفات السياسية يرتسم مجدداً بين معراب وبيت الوسط والمختارة. من دون أن يضمن أي منهم أن التيار الوطني الحر، سيعيد البحث في مشروعهم المشترك بعدما رُفض مشروعه وعاد إلى التمسك بالنسبية الكاملة والأرثوذكسي، وأن رئيس الجمهورية سيقبل تنازلات في أول عهده.