لا زالت المثلية الجنسية في لبنان من القضايا الشائكة التي تشكل مادة دسمة للسجال والجدل حولها بين مؤيد ومعارض. فالمثليون يعانون من نظرة بعض المجتمع اللبناني الا ان هذه النظرة تتغير نسبياً نحو احترام حقوق الفرد بغض النظر عن ميوله الجنسية. وفي هذا الاطار ضج لبنان بخبر اصدار القاضي المنفرد الجزائي في المتن ربيع معلوف حكما قضى بإبطال التعقبات بحق مثليين ومتحولين جنسيا أدعي عليهم سندا للمادة 534 من قانون العقوبات وهي المادة التي تستخدم لملاحقة المثليين.
هذا الحكم الفريد من نوعه شكل اهمية كبرى لدى المثليين خصوصا أن القاضي استند الى المادة 183 من قانون العقوبات، حيث اعتبر أن الأفعال المدعى بها تشكل ممارسة لحقوق أساسية من دون تجاوز.
وإعتبر القرار أن مبدأ المساواة بين البشر هو أحد أهم ركائز المجتمع الديمقراطي والذي على أساسه لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، مشيرا الى أن هذه الحقوق هي ملتصقة بشخص الإنسان لكونه انساناً، فلا حاجة لأن يكتسبها ولو كان ذلك مرفوضاً من قبل غالبية المجتمع.
بالاضافة الى ذلك، كرّس هذا الحكم حق مثليي الجنس بإقامة علاقات إنسانية أو حميمة مع من يريدونه من الناس، من دون أيّ تمييز لجهة ميولهم، إذ أن ذلك من أبسط الحقوق الطبيعية اللصيقة لهم كبشر.
فما أهميّة هذا الحكم وماذا تقول الجمعيات التي تعنى بالدفاع عن حقوق المثليين؟ وماذا عن القانون؟
حكم جريء من القاضي معلوف
تكشف المديرة التنفيذية لجمعية “حلم” احدى أقدم الجمعيات في لبنان التي تأسست لتأمين الحماية والدعم لمجتمع المثليين والمثليات والمتحولين والمحتولات جنسيا غنوى سمحات لـIMlebanon أن “هذا الحكم خطوة متقدمة جدا على الصعيد القضائي خصوصا ان هذا رابع اجتهاد قضائي يحصل ويتعلق بهذا الموضوع ولكنه الأول من نوعه لانه لم يعتمد فقط على تبرأت الموقوفين بل تحدث عن الخصوصية الشخصية لكل فرد وهذا الامر لم نسمعه من قبل في كل الاجتهادات القضائية، بالاضافة الى العودة الى المادة 183 من قانون العقوبات والتي تنص على عدم ادانة اي شخص لم يقم بأي جرم، ما يؤكد ان القاضي اعتبر ان المثلية ليست جرما، وهذه المقاربة متقدمة ومتطورة جدا”.
من جهته، يرى مدير جمعية Proud Lebanon التي تعنى في أمور المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات جنسيا “LGBT” في لبنان برتو مقصو في حديث لـIMLebanon أن “المشوار طويل جدا وبدأ في العام 2009 مع أول قرار صدر من قبل القاضي منير سليمان في البترون والذي اعتبر ان المثلية ليست مخالفة للطبيعة ولكن بالنسبة للقرار الجديد الذي صدر هو لم يعتبر فقط ان المثلية ليست خارجة عن الطبيعة انما قام باجتهاد قانوني مستندا الى المادة 183 من قانون العقوبات والتي تعبر ان المثلية حق شرعي طالما لا يتم التعدي على حقوق الآخرين، وهذا الامر المميز في هذا الحكم”.
ويرى ان “في القانون ليس هناك جرأة بل هناك عدل وتطبيق قانون واجتهادات، والقاضي معلوف قاض منفتح ومطلع على الحيثيات العلمية للموضوع والقرار، وهو حكم بقانون مدني لذلك اثار بعض الاطراف، ولكن حكمه بالتأكيد جريء خصوصا انه اعتمد فكرة انه يجب النظر للشخص كشخص وليس كشيء خارج عن الطبيعة او مريض”.
هل تغيرت النظرة الى المثليين؟
وعن امكان تغير نظرة مجتمعية معينة تجاه المثليين، تؤكد سمحات ان “حلم تعمل على عدة مستويات واحداها هي توعية المجتمع على موضوع الميول الجنسية والهوية الجندرية بمشاركة ومساعدة جمعيات اخرى، ولكن لا نضمن حصول اي تغيير لانه اولا هناك شرخ كبير في المجتمع اللبناني فهناك اشخاص لا يؤيدون المثلييين ولكن بالوقت نفسه لا يعتبرون انه يجب سجنهم وضربهم، فيما هناك اشخاص يعتبرون ان المثليين مكانهم خلف القضبان وان المثلية الجنسية آفة خطيرة على المجتمع وتشكل خطرا على أخلاقيات المجتمع، وهنا فئة أخرى تؤيد المثليين وتحارب معهم من اجل ضمان حقوقهم، لذلك لا يمكننا ان نضمن اي تغييرات في المستقبل القريب”.
وتعترف أن “هناك تغيرا واضحا في الآراء منذ انطلاقنا في العمل منذ 15 سنة حتى اليوم وهذا الامر يتعلق بالاطلاع والتطور والثقافة، فالمجتمع اللبناني نوعا ما بدأ يغيّر رأيه في هذا الموضوع، ولكن امامنا مسيرة طويلة لكي نصل الى الأهداف المرجوة وعدم رؤية أشخاص يتهجمون على المثليين ويتدخلون في حياتهم الخاصة والشخصية”.
الحكم ليس انتصارا على احد ولا للاستفزاز
اما مقصو يوضح انه “حتى لا نواجه مشاكل مثلما يحصل اليوم، عملنا في Proud Lebanon توعية المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات جنسيا لمعرفة حقوقهم وواجباتهم تجاه المجتمع الذين يعيشون فيه، وبالوقت نفسه عملنا هو توعية المجتمع على الاختلاف ليتقبل هكذا قرارات تصدر بالاضافة الى تقبّل هؤلاء الاشخاص وكل شخص مختلف من دون أن ننسى أن الثقافة هي الأداة الأهم التي تساهم وتساعد المجتمع على التغير”.
ويشدد مقصو على أن “الأشخاص الذين يتابعون تلك القضية ووسائل الاعلام هم الذين استفزوا كل شخص او جهة انتفضت ضد هذا الحكم القضائي لانهم لم يتناولوا الموضوع بالطريقة الصحيحة وبطريقة تظهر سلمية هؤلاء الاشخاص، بل صوروا الحكم كانتصار، لذلك هناك من شعر بالتحدي فانتفض. الموضوع ليس تحديا لأحد بل فقط احترام الآخر، فالجوهر هو حقوق الانسان والحقوق هي سلّة كاملة، فلا يجوز اعطاء حقوق المرأة وننسى حقوق الطفل او المهجر او اللاجئ او المريض أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وعندما نريد ان نعطي حقوق الانسان فيجب اعطاؤها للجميع من دون استثناء”.
وفي ما يخص إلغاء المادة 534، تشير سمحات الى أن “إلغاء اي مادة من الدستور لا يتعلق بالقضاء بل يجب ان يتم عبر التصويت في مجلس النواب مثلما حصل بقانون حماية المرأة من العنف او زواج القاصرين، فقدر ما هناك نواب منفتحين ويتقبلون المثليين فهنا يمكننا الوصول الى حلّ جذري وشامل للمشكلة بالاضافة الى إلغاء المادة، ولكن لحين إلغائها نحاول تأمين الحماية للاشخاص الذين يتم توقيفهم ونطلب من القوى الامنية عدم توقيف احد، لانه فعليا التوقيفات تحصل بطريقة عشوائية على الطرقات وهذا الامر غير مقبول”.
ماذا يقول القانون؟
المحاميان رشيد خليل والياس عقل متوافقان على أن الحكم الصادر من قبل القاضي خاطئ وغير صحيح لان المثليين يتم معاقبتهم على قيامه بمجامعة خلافا للطبيعة وهذا ما تنص عليه الماد 534 من قانون العقوبات وكان يجب محاكمتهم.
محامي الاستئناف خليل يضيف: “صحيح ان هناك حرية شخصية وإنما هناك مجامعة خلافا للطبيعة والنص واضح ولا يجوز الاجتهاد وتغيير هذا الموضوع، ولكن الذي يساعد على الاجتهاد هي نظرة المجتمع للمثليين التي بدأت تتغير بحيث أصبح المجتمع يتقبلهم، لذلك هناك تساهل في الاحاكم ويتم تهريب المثليين من تطبيق النص القانوني، ولكن في المطلق فهذا الامر خاطئ”.
بفعل تقبل المجتمع نشهد بعض الاجتهادات
من الناحية الاجتماعية، يؤكد خليل أنه “منذ القدم ومنذ آلاف السنين المثلية الجنسية موجودة ولا شيء يمكن منع هذه الظاهرة، فهناك اسباب نفسية وجسدية تؤدي الى ذلك، وبالتالي حتى لو لم يتم تطبيق النص وهناك حالات موجودة وتحصل ولكن ليس في العلن فهؤلاء لن يطبق عليهم القانون لان لا احد سيعرف بوجودهم، ولكن في حال تم إلقاء القبض عليهم بالجرم المشهود وممارسة المثلية الجنسية علنا فهنا يجب محاسبة ومعاقبة الفاعلين وتطبيق المادة 534، وإنما بفعل تطور المجتمع وتقبله لهذه الحالات في لبنان ومختلف انحاء العالم بدأنا نرى ان بعض القضاة يجنبون المثليين من تطبيق هذا القانون خصوصا ان هذا الحكم هو الرابع من نوعه في لبنان”.
ويوضح خليل أن “هذا الحكم لا يشجع على المثلية الجنسية وإنما يساعد المثليين ليظهروا في المجتمع، فهذه الظاهرة يجب ألا تكون في العلن كي لا تؤثر على المجتمع وكي لا تتم ملاحقة المثليين”.
لهذا السبب تم توقيفهم
من جهته يقول المحامي عقل أن “هذا الموضوع يجب تناوله من عدة جوانب، فمن الناحية الاجتماعية المجتمع اللبناني محافظ وشرقي ويرفض المثلية الجنسية واعطاء الحرية للمثليين، اما من ناحية القانون فالامر الذي قام به القاضي صعب جدا خصوصا أن التهمة واضحة بحق هؤلاء المثليين”.
ويكشف عن أن “المثليين الذين تم تبرأتهم كانوا يعملون في حمام تركي وفي هذا الحمام كانت تتم فيه مجامعة خلافا للطبيعة بين أكثر من عشرين شخصا وعلى هذا الاساس تم توقيفهم”.
“القاضي الذي يصدر الحكم يتمتع بطريقة استنسابية بتطبيق القانون وما يجده مناسبا يقوم به، فالقاضي يأخذ الظرف والاشخاص وطريقة ارتكابهم للجرم، وعلى هذا الاساس يصدر الحكم”، يشرح عقل.
الاجتهاد يشرّع المثلية؟
ويتابع: “نحن مع الحريات الشخصيات ولكن طريقة تطبيق القاضي معلوف لهذا الحكم يكون قد شرع وفتح الباب للمثلية الجنسية والتي هي استثناء على المبادئ الحياتية للانسان، والقواعد القانونية مستمدة من تفكير المجتمع وتطوره لذلك إلغاؤها يتم عبر طرق اخرى، وذلك من خلال حصول بحث وتعمق بالجرائم التي ترتكب ومدى خطورتها على المجتمع، لذلك هذه الجريمة ستوصلنا الى تشريع المثلية الجنسية وهذا الاجتهاد يفتح الباب لاجتهادات اخرى تحت غطاء ان المجامعة خلافا للطبيعة هي امر فردي وشخصي، ولكن هذا الامر مخالف للنظم الاجتماعية التي نتمتع بها ويناقض حق الفرد بطريقة احترام الآخرين وتصرفه بنفسه”.
ويوضح أن “الحكم الصادر يمكن ان يتم استئنافه من قبل النيابة العامة الاستئنافية لانها طرف في هذا الحكم وإعادة محاكمة المتهمين بظل الادلة الدامغة الموجودة بحقهم، وهذا القرار نابع عن تفكير فردي للقاضي معلوف لا يتخطى حدود المحكمة وانما يكرس سابقة اجتماعية”.