كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
يتأرجح البلد على حبل القوانين الإنتخابية التي يتم تدارسها سواء داخل الغرف المُغلقة ـ وفي العلن، أو بين اللجان “الرباعية” و”الثنائية” وفي ردهة الاحزاب والتيارات السياسية، لكن من دون الوصول حتّى الساعة، إلى رؤية موحّدة يُمكن الركون إليها واعتمادها ليُبصر على أساسها النور قانون جديد يُلبّي كل الإحتياجات والطموحات قبل إنتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 حزيران المقبل، وإلا فإن الإنتخابات ستجرى، وفقاً لقانون “الستين”.
يقترح الفرقاء في لبنان أكثر من 17 مشروع قانون للانتخابات تراكمت على مدى السنوات الماضية أمام لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب، أبرزها: “الستين” “النسبي”، “الأرثوذكسي” و”المُختلط” الذي يجمع بين نظامَي النسبي والأكثري، والذي يبدو أن الحظوظ بدأت تدور حوله خلال الأيّام القليلة الماضية بعد شيوع معلومات تحدثت عن أن مساحة الخلاف بين المكوّنات السياسية في البلد، بدأت تضيق لمصلحة هذه الصيغة. وفي السياق، يُذكر أن الإنتخابات الاخيرة التي حصلت في العام 1997، جرت وفقاً لقانون الستين، نسبة الى إقراره في العام 1960.
تيار “المستقبل” كان أبرز من تقدم منذ البدء، باقتراح يهدف إلى إجراء الإنتخابات على أساس “المُختلط”، لكن اصواتاً عدة خرجت لتعترض حينها على هذا الطرح، وهو في هذا الأمر، ترك الخيار مفتوحاً أمام الجميع بغية الوصول إلى رأي موحّد يكون أساسه إحترام إتفاق الطائف وتلبية هواجس مختلف الأطراف. وقد لاقى “المستقبل” استحسان البعض اليوم لجهة طرحه الأخير الذي يُعتبر الحل الوحيد لإجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري من دون اللجوء إلى المزيد من التمديد أو التأجيل. ومن هنا كانت “صرخة” رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو الكلام الحاسم الذي أطلقه في مجلس الوزراء حول تفضيله “الفراغ في مجلس النواب على قانون الستين”.
في السياق، يُشير عضو كتلة “المستقبل” النائب عمّار حوري إلى أن “موقفنا في الكتلة واضح، وهو يتألف من نقطتين أو مسلّمتين. الأولى: قانون جديد، ونحن متمسّكون بالطرح الذي طرحناه وهو المختلط والذي قدمناه كتيار مستقبل ولقاء ديموقراطي وقوّات لبنانية. والنقطة الثانية، ان تجري الانتخابات في موعدها. وخارج هاتين النقطتين، الأمور ليست عندنا بل عند الاخرين”، لافتاً إلى أنه “مع بداية العهد الجديد، ليس منطقيا أن نذهب في مكان ما الى تعطيل المؤسسات الدستورية والمجلس النيابي الذي هو رمز للسطلة التشريعية والرقابية ولا يجوز بأي حال من الاحوال تعطيله”.
وعن الخلاف الحاصل على الساحة السياسية بين مُختلف المكّونات حول القانون المنشود، يرى حوري أن “السبب هو ان قانون الإنتخاب قانون سياسي بامتياز، وهو يتقدم على أي قانون آخر لأنه يحكم مستقبل الحياة السياسية في البلد لسنوات طويلة، والخلاف هو في السياسية وليس تقنيّاً. بمعنى آخر، الفرقاء يحاولون تحسين ظروفهم ومواقعهم ومكاسبهم. وهذا هو المنطلق الذي يتم النقاش على أساسه”.
ويوضح أنه “عندما ذهبنا الى المختلط، كان ذلك بعد شيطنة قانون الدوحة من قبل كثيرين وذهبنا اليه قناعة بالذهاب الى تسوية سياسية، وحين نقول نحن قدمنا هذا المختلط فهذا لكونه معقولاً جداً ولا توجد فيه اضرار. وفي الحقيقة نحن نطمح إلى أن نصل يوماً الى النسبية الكاملة على كامل المجلس النيابي، لكن هذه النسبية بحاجة الى شرطين. الأوّل: ان تكون هناك الدولة والدولة فقط هي التي تحمي السيادة وتحمل السلاح على كامل اراضي الوطن، وأن لا يكون لها شريك. وهذا الآن ليس هو واقع الحال. أما الشرط الثاني، فأن تكون هناك احزاب سياسية غير طائفية على مستوى كامل الوطن، وهذا أيضا غير محقق الآن الا في اليسير من القوى وبالتالي شروط النسبية الكاملة حاليا غير متاحة”.
وحول ما اعتُبر أنه تهديد من الرئيس عون، يشدد حوري على “أننا قرأنا الرسالة في معرض الحث على انجاز قانون انتخاب جديد والضغط على كل القوى السياسية في سبيل هذا الامر خصوصاً وأن الفراغ هو أمر خطر. وللأسف فإن البعض يدعو للفراغ ويسوّق لمؤتمر تأسيسي”، مؤكداً أنه “من جانبنا، نحن نقدم كل ما هو ممكن لتسهيل انجاز قانون انتخاب جديد، والكرة في ملعب الآخرين”.
في موازاة البحث عن قانون إنتخاب جديد داخل اللجان النيابية، تدور نقاشات مُفصّلة بين لجان مؤلفة من مجموعة أحزاب يبدو أن أبرزها حتّى الساعة اللجنة “الرباعية” التي تضم تيّار “المستقبل” وحركة “أمل” و”حزب الله” و “التيّار الوطني الحر”، والتي يبدو أنها وصلت إلى مُقاربة مُهمّة قد يكون “المُختلط” أساسها. لكن هذا التواصل القائم داخل “الرباعية”، قد يكون عاملاً غير مريح لبعض الاحزاب التي لم تشملها النقاشات مثل الحزب التقدمي “الإشتراكي” بحيث يبدي عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب أكرم شهيّب عتبه على الأطراف داخل اللجنة الرباعية “الذين لم يضعونا في الأجواء ولم يُعلموننا حتّى الساعة إلى أين وصلوا في نقاشاتهم. كل ما نعرفه، يصل بالتواتر من بعض القيادات. فهل نحن صغار القوم؟”.
ويضيف: “نحن عبّرنا عن رأينا، إذا اردتم حلاً وطنياً، فلهذا الحل مستلزمات. تفضلوا. واذا اردتم حلاً عشائرياً، نحن عشيرة من هذه العشائر في البلد. العودة الى اتفاق الطائف هذا هو الحل الموجود، أما إذا ارادوا حلاً طائفياً، فنحن أيضا طائفة اساسية ولا يمكن تجاهلها او تخطيها”.
“حزب الله” خارج تغطية التصريحات حول قوانين الإنتخاب التي تتم مناقشتها، حتّى ولو كان مُشاركاً في إحدى “اللجان” المعنية بهذا الملف على عكس “التغيير والإصلاح” الذي لا يجد عبر نائبه آلان عون أي حرج في خوض مثل هذه المسائل التي يعتبرها “أساسيّة”. ويقول: “ما زالت النقاشات مكملة في إطار افكار لها علاقة بالمزج بين النسبي والأكثري، إلا أنه ليس هناك من موعد محدد لعقد اجتماع للجنة الرباعية كون المشاورات مستمرة، وعندما تستدعي الحاجة، فاللقاء سوف يتم”.
ويضيف “قطعنا مرحلة النقاش في العموميات لجهة القانون الأمثل لكل فريق، واليوم نبحث عن امكانية للوصول الى قانون نتقاطع عليه ككتل نيابية. كما وأننا اليوم اقرب من أي وقت مضى للوصول الى رؤية موحدة حول قانون انتخاب”، موضحاً أن كلام الرئيس عون حول الفراغ و”الستين”، هو من باب “الحث والضغط من أجل انتاج قانون جديد وهذه قناعة ايضا لكل اللبنانيين الذين لا يريد الرئيس أن يخذلهم بل على العكس هو يسير وفقا لقناعة الشعب اللبناني بتغيرر القانون الحالي”.
وإذ أعرب عن تخوّفه “في حال عدم تمكُّننا من الوصول الى قانون انتخاب ضمن المهلة المحددة، مع ترجّيح تأجيل موعد الانتخابات لأسباب تقنية”، شدد على “أننا قطعنا ثمانين في المئة من النقاش. كما أن اصرار اي فريق على التعديل في قانون الانتخابات الجديد على قياسه ينسف الحل، والعقدة تبقى بالتعديلات على القانون المقترح، ونسعى لتقليص حجم الفروقات، ومن قبل كنا نبحث في ثلاثة قوانين واليوم وصلنا إلى البحث في قانون واحد”.
“القوّات اللبنانية تخشى على البلد في حال عدم الوصول إلى قانون إنتخاب جديد”. هذا ما يؤكده عضو كتلتها النائب فادي كرم الذي يرى أن “هناك ازمة كبيرة سوف نواجهها جميعا في البلد في حال حصول هذا الامر. أزمة سياسية وطنية قد لا نعرف بعدها كيفية الخروج منها، وذلك من منطلق حاجة الجميع وكافة الافرقاء أن نصل الى قانون انتخابي جديد لا فيتو عليه من اي جهة”، مضيفاً: “بكل تأكيد نحن نتخوف من الفراغ الذي لا بد في حال حصوله لا سمح الله، أن ينعكس سلباً على الوضع الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، وبشكل أوضح، نكون وكأننا خطونا خطوة كبيرة في المجهول. لذلك لا نتمنى الوصول الى الفراغ”، معتبراً أن “المسؤولية تقع على عاتق كل الافرقاء المشاركين في جميع اللجان وليس فقط في اللجنة الرباعية التي هي في الأصل ليست لجنة تقريرية. هناك لجان كثيرة تجتمع وعليها أن تخلص للوصول الى استنتاج ورؤية وقرار واضح.
ويرى أن “القانون الأكثر إمكانية للوصول الى اتفاق حوله، هو القانون المختلط الأخير ومعياره هو التالي: عندما تكون طائفة أكثرية في قضاء أو دائرة معينة، يكون مرشحوها على الأكثري. اما الأقلية فتكون على قانون النسبي. أتوقع حصول نتيجة ايجابية في هذا الموضوع قبل فوات الأوان”، موضحاً أن “الاشتراكي” و”القوّات” هما غير مشاركين في اللجنة الرباعية، لكنهما حزبان أساسيان ومكونيان مهمان في البلد ومن غير الممكن عقد اتفاقات او صفقات أو اي امر آخر، من دون مشاورتهما على اقل تقدير، أو حتّى مشاورة أي فريق أو حزب آخر”.