كتبت رولا حداد
ماذا يجري في لبنان؟ هل هو حقاً صراع حول قانون الانتخابات؟ أم أن النقاش حول قانون الانتخابات يخفي ما يخفيه؟ وهل يُعقل أن يؤدي النقاش حول هذا القانون إلى اشتعال البلد طائفياً بنقاش عقيم سيرتد سلباً على الجميع؟
هذه الأسئلة مشروعة في ظل عدم قدرة بعض الأطراف السياسية على الفصل بين ضرورة أن يعكس القانون العتيد صحة التمثيل ووحدة المعايير، وبين أن ننجر إلى مربعات طائفية لم يُشفَ لبنان بعد من ندوبها الظاهرة، رغم العلاجات التي كان يُفترض أن تكون أرستها تجربتي 14 آذار و8 آذار، والتي كانت كما يبدو أقل من موضعية.
وفي تلمّس لما يجري، يتضح أن أكثر من إشكالية تتخلل النقاش الدائر. فمن جهة يصرّ الثنائي المسيحي على قانون للانتخاب يؤمّن وصول النواب المسيحيين بأصوات الناخبين المسيحيين، إلى حد يكاد يعيد البلد الى اصطفافات مذهبية حادة، ومن الجهة المقابلة يرفض الأطراف المسلمون هذا المنطق إلى حد التلويح بإعادة قراءة لمبدأ المناصفة الذي أقرّه اتفاق الطائف الذي يطالبون بتطبيقه!
في المعسكرين ثمة أكثر من نقطة تحتاج إلى مراجعة في العمق، انطلاقاً من أن الهدف الأساس لأي نقاش يجب أن يتمحور حول كيفية الحفاظ على التنوّع اللبناني في إطار تفاعلي وليس انغلاقيا، في موازاة أن يتأكد للجميع تأمين التمثيل الصحيح من دون هيمنة طائفية أو مذهبية كان كرّسها نظام الوصاية السورية طوال مرحلة ما بعد “الطائف” بموجب قوانين انتخابية مطرّزة على قياس البعض وليس على قياس الوطن.
فمن جهة المسيحيين من غير المقبول رفع شعار رفض أن يأتي أي نائب مسيحي بأصوات غير المسيحيين، وذلك في المطلق، لأن التفاعل بين اللبنانيين يتطلب العكس، من دون أن يصبح هذا التفاعل باباً للهيمنة على مقاعد المسيحيين في المجلس.
وفي المقابل، لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال ببعض النظريات التي باتت تخرج إلى العلن وتتحدث عن إعادة النظر بالمناصفة على قاعدة التوازنات الديمغرافية المستجدة، لأن أصحاب هذه النظريات يغفلون أكثر من حقيقة، وأهمها:
ـ أولا: إن أعداد المسيحيين المسجلين في لبنان على لوائح الشطب تفوق الـ45 في المئة، وبالتالي إن أي حديث عن أن المسيحيين في لبنان باتوا 35 في المئة إنما هو محاولة استقواء سخيفة تعتمد على محاولة شطب المسيحيين المسجلين والموجودين حاليا في الخارج لأكثر من سبب، مع أن أي قانون انتخابي يفترض أن يلحظ حقهم في الاقتراع من حيث هم، إضافة إلى حقهم الطبيعي في العودة الى لبنان ساعة يشاؤون وممارسة حقهم الديمقراطي.
ـ ثانيا: إن المنادين بهذا المنطق العددي، هم في قسم كبير منهم من الرافضين لطرح “المثالثة” الذي كان تسرّب إلى العلن منذ حوارات “سان كلو” الفرنسية. وبالتالي يقعون هنا في ازدواجية ما بين محاولة التهويل عدديا على المسيحيين وما بين رفض المثالثة، مع الإشارة إلى أن أي مثالثة تعني حكماً التقليص من صلاحيات الطائفة السنية التي نالت حصة الأسد في اتفاق الطائف.
ـ ثالثاً: إن المنطق العددي البسيط يعني ضرب ما آمن به وأعلنه الرئيس الشهيد رفيق الحريري بضرورة “وقف العدّ”، انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على الهوية المميزة للبنان في هذه المنطقة. ومن البديهي الاعتراف بأن العودة الى منطق الاستقواء الديمغرافي سيقود الى أمرين: محاولة استهداف النموذج التعددي الذي يمثله لبنان لجعله شبيهاً بالدول العربية الأخرى، وأيضا والأخطر هو فتح الباب عريضاً لمواجهة ديمغرافية- سياسية- مذهبية بين السنّة والشيعة في لبنان… فهل هذا هو المطلوب؟!
المطلوب من الجميع وبكل اختصار، العودة الى العقلانية السياسية، والابتعاد عن حفلات المزايدات السخيفة، لأن الهيكل متى وقع، سيقع على رؤوس الجميع ولن يرحم أحدا!