بدأ في بيروت قرع ناقوس الخطر مغبة فشل مساعي ربع الساعة الأخير في التفاهم على قانون انتخاب جديد على النحو الذي يجنّب البلاد سيناريوات غامضة قد تكون أولى ضحاياها التسوية السياسية التي لم يبلغ عمرها المئة يوم، وأفضت في حينه الى انتخاب حليف «حزب الله» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة الخصم الأبرز للحزب الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة عبر تفاهماتٍ داخلية حظيت بتأييد من ايران والسعودية على حد سواء.
وتعاظمتْ المخاوف في بيروت من اي هزة داخلية قد تصيب التسوية السياسية في لحظةِ تزايُد مظاهر المواجهة الأميركية – الايرانية في المنطقة في ضوء توجهات ادارة الرئيس دونالد ترامب العلنية والصارمة ضد طهران التي اختارت تحدي سيد البيت الابيض وتهديداته بإجراءاتٍ تشي بأن ساحات المواجهة في المنطقة، من العراق الى لبنان مروراً بسورية تتجه نحو منازلات بالواسطة، وهو الأمر الذي يضاعف خطر اي خطوات ناقصة في بيروت.
وتتجه الأنظار في حمأة التشنج السياسي – الطائفي الذي يحوط بالخيارات المطروحة في شأن قانون الانتخاب، الى موقف عون، الذي كان رفع سقف التحدي في وجه المعترضين على صيغ تم تداولها، حين توعّد بعدم إمرار الإجراءات القانونية لإتمام العملية الانتخابية في موعدها ما لم يتم التوصل الى قانون انتخاب جديد، مفضلاً ذهاب السلطة التشريعية الى الفراغ، ما أطلق موجة من التشنجات.
واذا كان من المتوقع ان تعاود اللجنة الرباعية (تضم ممثلين عن التيار الوطني الحر (حزب عون) وتيار المستقبل (حزب الحريري) وحركة «امل» (حزب رئيس البرلمان نبيه بري، و»حزب الله») اجتماعاتها الماراثونية أملاً في التوصل الى تفاهم حول صيغة مقبولة لقانون الانتخاب قبل الموعد الحاسم لدعوة الهيئات الناخبة في 21 الجاري، فان «القتال بالاقتراحات» ما زال يدور على أشده بين القوى السياسية الرئيسية وسط «حوار طرشان».
وفي الوقت الذي اعتُبر الاسبوع الجاري حاسماً في تصاعد الدخان الابيض او الذهاب نحو الانتكاسة الخطرة، فان خريطة المواقف من قانون الانتخاب وقطبه السياسية المخفية توزعت على النحو الاتي:
– دفع عون ملف قانون الانتخاب برمّته نحو المأزق من خلال رفضه اجراء الانتخابات وفق القانون الحالي النافذ ورفض التمديد (الثالث) للبرلمان، وإصراره على اعتماد قانون يعتمد نظام الاقتراع النسبي، وسط تصريحات حادة جعلت منه طرفاً في مواجهة آخرين.
– عدم ممانعة الرئيس الحريري السير بقانون انتخاب مختلط (نسبي واكثري) وفق صيغة متوازنة كمخرج يتيح إجراء الانتخابات في موعدها، رغم ما يشاع عن ان «تيار المستقبل» أكثر رغبة بالبقاء على القانون الحالي معدَّلاً نظراً للوقت الداهم وأخذاً بموقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في الاعتبار.
– الـ «لا» الحاسمة والكبيرة التي رفعها النائب جنبلاط في وجه اي شكل من أشكال النسبية ومطالبته بالإبقاء على القانون الحالي ولو معدَّلاً وإلا الذهاب الى تنفيذ اتفاق الطائف (تشكيل مجلس شيوخ وانتخاب برلمان خارج القيد الطائفي).
– الثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) الذي يرفض وعلى نحو حاسم الابقاء على القانون الحالي، ويصرّ على صيغة المختلط التي تؤمّن له امكان التحكم باختيار النواب المسيحيين.
– الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة امل) الذي يتدرّج موقفه من الدعوة الى «النسبية الكاملة» وعدم الممانعة في المختلط (أكثري ونسبي) الى الدعوة لاخذ هواجس الاخرين (جنبلاط) في الاعتبار.
وفي ضوء هذه الخريطة «الملغومة» باقتراحاتٍ متقابلة و«متناحرة»، فان اوساطاً واسعة الاطلاع لا تستبعد الذهاب في نهاية المطاف الى قانون انتخاب جديد يعتمد النظام الاكثري الاقل تعقيداً وسط عامل الوقت الضاغط (اي القانون الحالي معدَّلاً)، تجنباً للقفز في المجهول في لحظةٍ تستدعي تحصين الاستقرار الداخلي، السياسي والأمني، نظراً لتعاظم التصعيد في المنطقة.
وفي حين برز استقبال الحريري ليل الأحد رئيس «القوات» سمير جعجع حيث جرى بحث قانون الانتخاب، كان لافتاً ما أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق من «أن رئيس الجمهورية مكتمل الزعامة وليس مضطراً لاتخاذ مواقف لكسب الشعبية»، داعياً اياه «لأن يكون رئيس كل الخيارات اللبنانية».
واعتبر «ان الاستقرار السياسي قائم على حد أدنى من التوافق الوطني الداخلي، وإذا تعرض هذا التوافق الى هزة جدية أكثر مما يحدث الآن، هذا يعني ان وضع العهد والحكومة ورئيسها سيصبح صعباً»، مذكراً بأن «رئيس الجمهورية تكلم مرتين عن إجراء الانتخابات في موعدها بعدما أتت رسائل دولية واضحة بأن الكلام الآخر هو انقلاب على الاستقرار السياسي وعلى التسوية».