كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
ما الذي أتى بوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى بيروت؟ سؤال ما انفك يُطرح، قبل أن يخرُج كلام دبلوماسي تمويهي يتحدّث عن إبلاغ المسؤول السعودي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «تعيين سفير جديد للسعودية وعودة السعوديين لتمضية العطلات وزيادة رحلات شركات الطيران السعودية إلى لبنان». في بعبدا، قال السبهان كلاماً عمومياً.
أبلغ عون بقرار رفع الحظر عن سفر مواطنيه إلى لبنان، مؤكداً أن بلاده مستعدة للوقوف إلى جانب رئيس الجمهورية، وأن توجيهات الملك تقضي بتنفيذ نتائج زيارة عون للسعودية. وعن قانون الانتخابات، قال إن بلاده تؤيد كل ما يقرره اللبنانيون.
هذه الرسالة «البسيطة» كان يُمكن أن تحمّلها الرياض إلى أي موفد آخر. أما شخص بحجم السبهان ودوره في المنطقة، فلا بدّ وأن ما يخبّئه في جعبته أكبر من ذلك بكثير! يُخطئ من ينظر إلى الزيارة في هذا التوقيت بالذات على أنها «سطحية» إلى هذا الحدّ. فالرجل الذي تُسجّل له زيارة ثانية للبنان في أقل من أربعة أشهر، لا بدّ وأن يأتي بسلّة مثقلة بالتنبيهات، على عتبة تحديات تنتظرها المنطقة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
هي «أبعد من زيارة ودّية» تقول مصادر سياسية مقربة من الدوائر الأميركية. ما سمعته هذه المصادر على لسان مسؤولين أميركيين يؤكد أن عنوان هذه الزيارة كان «إقليمياً بامتياز». لو كان ما حُكي عن السبهان دقيقاً، لاكتفى بزيارة عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. أما وأن يعمَد إلى لقاء مسؤولين لبنانيين آخرين، فهذا يعني أنه «تقصّد نقل ما هو أهم لكل المعنيين». بحسب المصادر، كان أبرز ما نقله الموفد السعودي إلى المسؤولين اللبنانيين التأكيد أن «شهر العسل بين إيران والولايات المتحدة قد انتهى، وأن الصراع بينهما سيستأنف، وأن على اللبنانيين أن يكونوا حاضرين لمرحلة جديدة من المواجهة». لا شكّ في أن السبهان كان مرتاحاً وهو ينقل رسالته هذه، تقول المصادر، «فالخليجيون هم أكثر المستفيدين من أي صراع إيراني – أميركي».
قبل الدخول إلى معنى هذا الكلام وتأثيره في لبنان، تطرقت المصادر إلى حديث المسؤولين الأميركيين عن السياسة الجديدة في عهد ترامب، حيث يرى الأخير أن «الحكم في زمن باراك أوباما كسر الولايات المتحدة، بسبب تنازل الرئيس السابق عن الكثير من الأمور لمصلحة إيران في المنطقة وإرضائها، وأحد هذه التنازلات عدم التعرض للنظام السوري، وتقديم الأموال لطهران»، وأن «المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي استغل ضعف أوباما، وسعيه إلى تحقيق أهدافه في السياسة الخارجية، ما سمح لإيران بأن تصور نفسها عبر رئيسها حسن روحاني ووزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنها بلد معتدل، واستطاعت أن تنتزع من الولايات المتحدة أسوأ اتفاق على الإطلاق».
المخيف بحسب المصادر، ما سمعته أيضاً عن الفريق المحيط بالرئيس الأميركي الجديد، حيث إن أغلب عناصره هم من الذين شاركوا في حرب العراق، ويتصرفون وكأن لديهم ثأراً شخصياً مع الجمهورية الإسلامية «نتيجة ما فعله الحرس الثوري الإيراني بهم في العراق، وهم وصلوا إلى الحكم مع ترامب بخلفية أن الحرب لم تنته في هذا البلد بعد، والحساب مع هذا الحرس لم يُصَفَّ، وفي مقدمتهم الجنرالان المتقاعدان مايكل فلين وجيمس ماتيس». وأشارت المصادر إلى «ارتياح خليجي كبير للسياسة الترامبية، خصوصاً أن أكثر ما يهمّ العرب هو موقف الولايات المتحدة من ايران». برأيها، «عانت المملكة العربية السعودية من سياسة أوباما التي فضّلت أن يتقاسم العرب النفوذ مع ايران في العراق وسوريا ولبنان»، وهي اليوم «ستكون أكثر المستفيدين من رفض ترامب هذه السياسة، وتأمل تقلص النفوذ الإيراني في هذه الدول الثلاث». بناءً على هذه المعطيات، تقول المصادر إن «لبنان لن يكون بمنأى عن السياسة الأميركية الجديدة، التي يدخل فيها السعوديون كشريك مستفيد».
حتى الآن لا يُمكن التنبؤ بالمشهد السياسي الداخلي في لبنان، لكن لا بد من التذكير بأن «لبنان لطالما كان خطّ تماس بين الإيرانيين والأميركيين»، بحسب المصادر، التي عادت إلى «حوادث استهداف الأميركيين في لبنان وخطفهم، وأهمها عملية تفجير مبنى المارينز في بيروت التي أدت الى مقتل 241 من جنود أميركا». وهذا التذكير ليس بالضرورة كما تقول المصادر، أن «يكون تهويلاً بنبش الماضي بين البلدين على الأراضي اللبنانية، لكنه سيدفع الولايات المتحدة إلى التركيز على بعض الأمور التي غضت إدارة أوباما الطرف عنها، ولا سيما تلك المتعلقة بحزب الله». وفي هذا الإطار كشفت المصادر عن «قانون مالي جديد يعدّه عضو الكونغرس الجمهوري إيد رويس ضد حزب الله». ومع أن هذا الإجراء ليس الأول من نوعه، إلا أنه بحسب المصادر «سيكون له تأثير أكبر في عهد ترامب». سابقاً «سعى البيت الأبيض إلى الحدّ من تأثير مثل هذه القرارات لسبيين». الأول «العلاقة المستقرة مع إيران»، والثاني «حرص إدارة أوباما على عدم ضرب النظام المالي اللبناني». غير أن الظروف تبدلت الآن، «فسياسة ترامب المعادية لإيران والحزب تتخطى بأشواط العداء الذي يكنّه مسؤولون في الكونغرس». كذلك إن «عدم معرفة توجهات من سيخلف المسؤول عن القضايا المالية في الخزانة الأميركية دانيال غرايزر، الذي تولى ملف مراقبة تمويل الإرهاب والقوانين الخاصة بحزب الله، يفتح الباب على ألف سؤال».