كتبت صحيفة “العرب اللندنية”: نقلت الصحافة اللبنانية أنباء عن توافد ثلاثة مسؤولين أميركيين إلى بيروت لاستطلاع شؤون لبنان بعد انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية وبدء دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض.
وتقول الأنباء إنّ “لوبي” لبنانيًا يعمل في واشنطن على حث الإدارة الأميركية الجديدة للاهتمام بشؤون لبنان والتعامل بشكل خاص مع خصوصية هذا البلد وتركيبته الاجتماعية الجغراسياسية.
لم يصدر عن إدارة ترامب حتى الآن أي تدبير أو إجراء أو مبادرة تتعلق بالشؤون اللبنانية إلا تلك المتعلقة بالعقوبات الجديدة ضد إيران ردا على تجربتها الصاروخية الأخيرة والتي طالت شخصيات وشركات لبنانية. غير أن سهام إدارة ترامب الموجهة إلى إيران والتي طالت لبنان ولبنانيين، لا تختلف عن سلسلة العقوبات السابقة التي مارستها الإدارات الأميركية السابقة، ولا سيما إدارة باراك أوباما، ضد حزب الله وبيئته الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
ميّزت إدارة أوباما بين إيران والميليشيات التابعة لإيران واعتبرت أن المفاعيل الإيجابية التي قد تستفيد منها طهران لا تنسحب بالضرورة على الجماعات السياسية التي تأتمر بإرادة الحاكم في طهران.
وميّزت واشنطن كذلك بين الميليشيات التابعة لإيران في الخارج بين مفيد وسيء وفق ما تتطلبه الأجندة الأميركية في العالم. فقد لجأت إلى وضع حزب الله، ولا سيما جناحه العسكري، على لائحة الإرهاب وشنّت حربا بحزمة من العقوبات على شبكته المالية بما أربك وأرعب النظام المصرفي اللبناني برمته، فيما لم تعامل الميليشيات التابعة لإيران في العراق مثلا بنفس المعاملة بعذر انخراط هذه الميليشيات في الحرب ضد داعش.
وإن عبرت واشنطن عن رفضها مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي التي تخضع عمليا لأجندة طهران في الدخول إلى مناطق ذات حساسية مذهبية كالموصل مؤخرا، إلا أنها غضت الطرف عن أنشطتها الأخرى من ضمن الجهد العسكري ضد تنظيم داعش في العراق.
المهم في هذه الآلية أنّ واشنطن كانت تعتبر أنّ “حزب الله” إرهابيًا وجب التصدي له ومقاطعته ومحاصرته. في المقابل فإنّ بيروت سعت في هذا السجال إلى إيجاد نقطة توازن تقي لبنان لهيب العقوبات الأميركية، وربما نجحت وفودها الحكومية والبرلمانية إلى واشنطن ومؤسستي البنك وصندوق النقد الدوليتين إلى تصويب العقوبات والتخفيف من عشوائيتها ووقعها على الاقتصاد اللبناني وسمعة لبنان المصرفية والمالية في العالم.
النظام المصرفي اللبناني
سبب السلوك الحكومي الرسمي اللبناني أزمة بين “حزب الله” والنظام المصرفي اللبناني. أخذ هذا السجال أشكالا علنية من خلال اتهام الحزب لمحافظ البنك المركزي اللبناني بالمبالغة في التقيّد بقواعد العقوبات الأميركية التي تلاحق أي حسابات وحتى أي بنوك تتعامل مع الحزب بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما عبّرت عبوة ناسفة ضد “بلوم بنك” في قلب العاصمة اللبنانية عن مدى الغضب الذي يعتري “حزب الله” من جراء نأي البنوك بنفسها عن مالية الحزب وتعاملاته البنكية.
واللافت أن المصرف المركزي اللبناني هو الذي أصدر التعليمات الناظمة لكيفية تعامل البنوك اللبنانية مع حسابات حزب الله أو الأشخاص والشركات المشتبه بأنها واجهات مالية للحزب، على الرغم من أن الحزب هو جزء من الحكومة اللبنانية وجزء من البرلمان اللبناني، وبالتالي جزء من تركيبة النظام السياسي اللبناني الذي يعترف به العالم ويتعامل معه.
وما هو تقليدي في تعامل الولايات المتحدة مع “حزب الله” بات يأخذ آفاقا جديدة مع إدارة دونالد ترامب. فالعقوبات التي كانت تطال الحزب قبل ذلك كانت تجري ضمن استراتيجية لفصل مسار طهران عن مسار الحزب، في حين أن الاستراتيجية التي تعتمدها إدارة ترامب تعتبر استهداف الحزب جزءا منطقيا متكاملا مع استهداف إيران، وأن ما يطال وسيطال “حزب الله” سيطال ميليشيات عراقية وأفغانية وجماعة الحوثيين في اليمن لكونها تمثل قوى طهران الضاربة في الخارج. لكن التخوّف اللبناني يأتي من أن أي رد فعل إيراني على السياسات الأميركية الجديدة المتشددة ضد إيران قد تضطر إيران لاستخدام كافة أذرعها، بما في ذلك تلك الخارجية، ولا سيما “حزب الله” في لبنان.
ترى أوساط لبنانية متابعة أن “حزب الله” يراقب بقلق تطور الوضع الدبلوماسي في سوريا، كما تطور العلاقة بين موسكو وواشنطن، وهو يستشعر اقتراب توليفات للوضع السوري عمادها الأول خروج كافة الميليشيات الأجنبية من سوريا، وهو ما يعني الاستغناء عن خدماته الميدانية إلى جانب النظام السوري مقابل تسويات ميدانية قد تفضي إلى حالة تساكن عسكري بين النظام والمعارضة بانتظار نضج تسوية دولية إقليمية لإيجاد مخرج نهائي للنزاع السوري.
ويرى مقرّبون من الحزب أن إثارة ترامب لمسألة إنشاء مناطق آمنة في سوريا سيؤدي إلى تدويل المسألة السورية ويتطلب إشراف دول بعينها على تلك المناطق، وهو إشراف لا يتعايش مع منطق الميليشيات التي يمثلها الحزب وبقية الجماعات المسلحة غير السورية التابعة لإيران.
ورغم أن إيران ستسعى إلى الدفاع عن نفوذها في سوريا سواء في الراهن الميداني أو المستقبل التسووي، إلا أن فتح واشنطن معركة واسعة ضد طهران سيجبر إيران على التنازل عن مكتسبات لصالح الحليف الروسي بانتظار هدوء العاصفة التي ينفخ بها الرئيس الأميركي وإدارته ضد إيران ونفوذها في المنطقة. كما أن إشراك إيران، بعد اتساقها مع المزاج الدولي المتأثر بقرارات ترامب، بأي تسويات في سوريا سيكون مشروطا بخروج ميليشياتها، مقابل إجماع دولي إقليمي على محاربة تنظيمي النصرة و”داعش”.
يتصرف “حزب الله” في سوريا وكأنه سيبقى إلى الأبد، لكنه يتحضر أيضا لتوطيد موقعه اللبناني وكأنه عائد غدا. يأتي تسهيل انتخاب ميشال عون رئيسا ضمن هذه الفلسفة، كما أن قبوله بعودة سعد الحريري رئيسا للحكومة يعكس توقا إلى الاستنجاد بالشراكة الداخلية اتّقاء من شرور الخارج.
“حزب الله” والمتغيرات الإقليمية
يلاحظ المراقبون أن إعلان الوزير السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان عن عزم الرياض تعيين سفير سعودي جديد في لبنان ورفع عدد رحلات الطيران المدني بين مطارات المملكة وبيروت لرفع أعداد السياح السعوديين إلى لبنان لم يجر إلا بناء على ضمانات قدمها حزب الله بالتعاطي الإيجابي مع المصالح السعودية بصفتها مصلحة عليا للبنان واللبنانيين.
ويلاحظ هؤلاء أن سلوك “حزب الله” ينسجم مع ما أعلن عنه وزير الخارجية الإيراني من أن اتفاقا بين السعودية وإيران هو الذي يقف وراء الطبخة الرئاسية، كما يتّسق مع تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني ومسؤولين إيرانيين آخرين عن ضرورات التقارب والتعاون والوفاق بين طهران والرياض. ومع ذلك تتساءل أوساط سياسية لبنانية عمّا يمكن أن يذهب إليه حزب الله في الدفاع عن إيران ضد الضغوط الأميركية الجديدة، وعن سلوكه العسكري إزاء أي احتكاك عسكري إيراني محتمل.
وتبدي هذه الأوساط قلقها من تهديدات صدرت من إيران مؤخرا عن قصف تل أبيب بالصواريخ في حال تعرضت إيران لأي اعتداء أميركي، ومن الدور الصاروخي الذي قد يكلف به حزب الله في هذا الشأن.
وتتخوف بيروت من التكتيكات التي قد تستخدمها طهران في سياق ردها على الولايات المتحدة، والتي قد تلجأ إلى تجنب أي تورط إيراني رسمي مباشر في أي احتكاك أمني وعسكري ضد المصالح الأميركية والغربية، تاركة أمر ذلك لجماعاتها المنتشرة في المنطقة والتي لا تربطها معها بأي علاقات قانونية رسمية، بما قد يحررها من أي مسؤولية كتلك التي تتحملها المؤسسات العسكرية والأمنية الإيرانية مباشرة.
وتذكر المصادر أن “حزب الله” كان ذراع إيران الضاربة خلال عمليات الاختطاف التي طالت غربيين في لبنان، وأن الحزب دائم الجاهزية لممارسة أي دور دفاعا عن دولة الولي الفقيه، وفق تصريحات أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، بما قد يعيد لبنان إلى مربع استهداف إسرائيلي دولي كان قد خرج منه بعد مخاض عسير.