كتبت كاتيا توا في “المستقبل”:
ثلاثة أطباء نفسيين شخّصوا الحالة النفسية للمتهم طارق يتيم قاتل جورج الريف، هم أجمعوا على انه “رجل مضطرب” و”سريع الانفعال”، وحده الطبيب النفسي أحمد عياش ”تميّز“عن زميليه الطبيبين رامي بو خليل الذي عاين المتهم قبل ايام من الحادثة وايلي كرم الذي كشف عليه بعدها، فـ”أشعل” اجواء جلسة المحاكمة التي انعقدت امام محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية اسكندر.
فبعد ان اكد الطبيبان بو خليل وكرم ان يتيم ”يتمتع بكامل قواه ومدرك لأفعاله”، جاء الطبيب عياش ليناقض زميليه ويعتبر ان المتهم “شخصية غير متزنة وردات فعله محبطة بسبب طفولته المعذّبة وبالتالي فان ردات فعله تكون مفرطة ولا يقيم وزنا لافعاله ما يدفعه الى الاقدام على خطوات معينة”.
وما كاد عياش ينهي كلامه حتى اعلن وكيل الادعاء المحامي زياد بيطار بانه سيدعي على الشاهد بالادلاء بإفادة كاذبة واصفا اياه بأنه “شاهد مأجور”.
نقاش حاد دار بين جهتي الادعاء والدفاع الممثلة بالمحامي انطوان طوبيا استخدمت خلاله عبارات خرجت عن المألوف بين المحاميين ما استدعى تدخل الرئاسة، ودفع الشاهد عياش الى القول ان “ما تعرض له المتهم من احداث اليمة في طفولته لا تؤثر على وعيه وادراكه”.
وكان اعتراض من جهة الدفاع على إرجاء الجلسة للمرافعة التي رفعتها المحكمة الى الحادي عشر من نيسان المقبل، على اعتبار ان ثمة شهودا يطلب الدفاع الاستماع الى افاداتهم، لكن رئيسة المحكمة امهلته لتقديم لائحة بشهوده لعرضها على الفرقاء قبل بتها” وإرجاء الجلسة للمرافعة”.
وبعد احضار المتهم يتيم وحضور الظنينة لينا حيدر وزوجة المغدور المدعية رولا بوصالح، استمعت المحكمة في البدء الى افادة الطبيب النفسي بو خليل الذي افاد ان المتهم قصده في اوائل تموز من العام 2015 اي قبل الحادثة التي وقعت في 15 منه بأيام، لمعاينته بهدف مساعدته على خلو جسمه من المخدرات إذ كان يتعاطى الحشيشة وابلغه المتهم انه قد امتنع عن التعاطي قبل اربعة ايام من معاينته وكان يريد اجراء فحص مخبري لابرازه للسلطات، كما اعلمه المتهم انه منزعج جدا.
وبسؤال الشاهد عما اذا كان المتهم يعاني مرضا نفسيا قال ان اللقاء معه دام نحو ثلاثين دقيقة فقط ولم يعاينه سوى مرة واحدة لم يتبين خلالها انه لا يتمتع بقدراته العقلية ولم يتبين له انه يعاني انفصاما في الشخصية او امراضا نفسية انما كانت لديه اضطرابات في الشخصية.
وهل يؤثر ذلك في وعيه اجاب: “اذا كان بحالة كبيرة من التعصيب ومع تناوله مواد كالكحول او المخدرات او المنشطات، فان ذلك يؤثر في الدماغ ويؤدي تاليا الى مرحلة يفقد فيها ادراكه”.
واوضح الشاهد بانه وصف للمتهم نوعين من الادوية لتعديل مزاجه والتخفيف من فورة العصبية، ولم يتبين له انه عصبي اثناء معاينته له انما اخبره بانه كان يمر بلحظات يفقد فيها السيطرة على نفسه، وكان عليه ان يتابع علاجه باشراف طبيب انما هو اخبر السكرتيرة بانه سيعود ولم يفعل.
واكد الشاهد بانه طلب من المتهم ان يدخل الى المستشفى لمتابعة علاجه والتوقف عن تعاطي المخدرات لكنه لم يوافق وهذا امر طبيعي من شخص يقصد لاول مرة طبيبا نفسيا.كما اكد الشاهد بانه وصف للمتهم دواء اخر هو مضاد للاكتئاب ولتخفيف انفعالاته، موضحا ان المريض يستطيع تناول الدواءين معا “وانا طلبت منه الامتناع عن تناول الكحول”.
وما هي نتيجة تناول الدواءين والكحول معا اجاب الشاهد:”ان الكحول وحدها تفقد الوعي والادراك وبيولوجيا يختلف الامر من شخص الى اخر، وفي بعض الاوقات فان الكحول تخفف من مفعول الادوية وفي الاساس لا يجب مزج الدواء مع اي مواد اخرى”.
وفي رده على اسئلة جهة الادعاء قال الشاهد انه لا يمكن اعتبار ان مزج الكحول مع الادوية يزيد عداء الانسان انما من المعروف ان الكحول وحدها تفقد الانسان القدرة.
وردا على اسئلة جهة الدفاع قال الشاهد انه يصف الدواء عادة بعيارات خفيفة في البدء لمعرفة مدى تفاعل المريض معه، وان لدى الادوية ردود فعل انما لا يمكن ان تفقد متناولها الوعي والادراك. واضاف ان المتهم كان مكتئبا لانه كان قد امتنع عن تناول الحشيشة.
وعلّق المتهم على افادة الشاهد فقال إنه قصد الطبيب لانه كان يشكو اضطرابا عصبيا وللتخلص من عصبيته بعدما وصل الى مرحلة الذروة.
وعاد الشاهد ليقول بان المتهم لم يخبره عن اصابته بداء الصرع في طفولته انما اخبره عن”طفولته المعذّبة” كونه ترعرع بعيدا عن والديه، كما لم يخبره انه تعرض لعملية ذبح على يد السوريين اثناء وجودهم في لبنان.
ثم استمعت المحكمة الى افادة الطبيب النفسي ايلي كرم الذي عاين المتهم اثناء توقيفه على مدى ساعتين او اكثر، موضحا بانه كان واعيا ومدركا انما لم يكن واعيا لقتل المغدور كما قال له، لانه كان يريد إسكاته وليس قتله كما فعل في حالات مماثلة مع اشخاص اخرين.
واكد الشاهد ان المتهم اخبره بان الحشيشة تؤدي الى تهدئته وان الطبيب بو خليل اعطاه دواء ليحل محل الحشيشة ولتهدئته، موضحا بان الدواء هو لتهدئة الاعصاب فيما الدواء الاخر هو للاكتئاب او الوسواس وكان من المحتمل ان يصاب المتهم بذلك انما لم يره الطبيب بهذه الحال اثناء معاينته.
واعتبر الشاهد بان تناول الدواء مع الكحول يؤثر على الانفعالات وسأل المتهم عما اذا كان الدواء قد بدّل فيه شيئا فنفى ذلك، وابلغه بانه احتسى الكحول قبل الحادثة بكمية كبيرة وهذا قد يؤدي الى اصابة الشخص بالدوران. واضاف الشاهد انه في هذه الحالة فان القوة البيولوجية تخف حدتها او يقدم الشخص على رد فعل غير متوقع منه.
وافاد الشخص انه بسؤاله للمتهم اثناء المعاينة ابلغه بانه كان لديه هلوسات آنية انما لا يؤثر ذلك في قدرته الجسدية، وقد ذكر له انه عندما كان طفلا تعذب كثيرا. وتابع الشاهد يقول بان المتهم كان يدرك بان جورج الريف لا يشكل خطرا عليه ونزل من السيارة وهو اعزل فقرر ان يُسكته وليس قتله بعد ان اصطدم المغدور بالسيارة عدة مرات الامر الذي زاد انفعاله. وقال بان المتهم هو شخص سوي ويتمتع بكامل وعيه وادراكه كما بدا له من خلال المعاينة انما كان لديه طبع بسرعة الغضب والانفعال وكشخص مثله وبعد ان توقف عن تعاطي الحشيشة فان ذلك سوف يزيد من انفعاله، ويزداد اكثر اذا كان تناول زجاجتي فودكا كما اخبره. واعتبر الشاهد ان المتهم كان مدركا لضرب انسان وكان واعيا لذلك، موضحا بانه لم يلاحظ بان المتهم كان مكتئبا، كاشفا عن ان المتهم اخبره بانه لديه وشم ذئب على يده وهو رسمه لاعتقاده انه يحميه.
وعلق المتهم على افادة الشاهد فقال كيف يمكن لشخص اوقف بجريمة قتل الا يكون مكتئبا.
واخيرا استمعت المحكمة الى الطبيب عياش الذي كان يتحدث بالعموم فطلبت ممثلة النيابة العامة القاضية رندة يقظان ان يحصر الشاهد كلامه بحالة المتهم النفسية، فقال بانه عاينه بعد الحادثة حيث ظهر له بان المتهم يعاني من شخصية غير متزنة تعود لاسباب نفسية ولطفولته القاسية حيث ترعرع في دار للايتام ما جعله ناقما على المجتمع ما يدفعه الى ان تكون ردود فعله عند اي استهداف مفرطة انما هو مدرك لوعيه، واشار الى ان ردود الفعل تختلف باختلاف الاشخاص وان المتهم هو من الاشخاص الذين يتلقون الانفعالات الخارجية بعدوانية. وقال ان المتهم اخبره انه كان يعاني الصرع، مشيرا الى ان تناول الادوية مع الكحول يرفع من مزاج الانسان وبالتالي لا يقيم وزنا لافعاله ويدفعه الى الاقدام على خطوات معينة ويصاب بانفعال شديد.
وفي تعليقه على افادة الشاهد قال المتهم ان كلام الطبيب صحيح “وانا وثقت به عندما كشف علي”.