كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم الحذر في الجزم بموعد تَصاعُد “الدخان الأبيض” إيذاناً بولادة قانون الانتخاب الجديد في لبنان، فان الدوائر المراقبة في بيروت تأخذ الكلام عن إمكان التوصل الى اتفاق بين القوى السياسية قبل نهاية الشهر الجاري على محمل الجدّ.
وفي تقدير هذه الدوائر ان ثمة عوامل ضاغطة محلية وخارجية من شأنها اقتياد الجميع الى “بيت الطاعة” لإبرام اتفاقِ الضرورة حيال قانون الانتخاب العتيد تَجنُّباً لما هو أسوأ في حال فشل المساعي في هذا الاتجاه.
ورأت الدوائر عيْنها ان المعطيات الضاغطة التي من شأنها دفْع الجميع الى تضييق الهوة بين الصيغ المتناقضة للقوى السياسية، يمكن اختصارها على النحو الآتي:
سعي “حزب الله” الى “الفوز” بقانون انتخابٍ يناسبه في اللحظة الراهنة وتَوازُناتها، في عمليةٍ استباقية لما قد تتّجه اليه الأوضاع في المنطقة اذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترجمة أقواله الى أفعال حيال إيران ونفوذها في الساحات العربية.
حرْص “قاطرة” التسوية السياسية، المتمثّلة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على حمايةِ تلك التسوية وتحصينها، وهو الأمر الذي يستدعي توفير نصابٍ سياسي – طائفي لقانون انتخابٍ جديد وإجراء الانتخابات في مدى زمني معقول.
المساعي لتفادي المأزق الدستوري – السياسي الذي قد ينجم عن جعْل البرلمان معلَّقاً في حال لم يتم الاتفاق على قانونٍ جديد يتيح إجراء الانتخابات بعدما كان الرئيس عون قال “لا” حاسمة للقانون الحالي و”لا” مماثلة للتمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 حزيران المقبل.
“الخط الأحمر” المالي الذي لا يمكن تَجاوُزه في أيّ خطوة سياسية، وهو ما اكتشفه الرئيس عون في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حين علّق على أرقامِ ماليةِ الدولة بـ “ان البلد فقير”، في تعبيرٍ عن حساسية الواقع المالي – الاقتصادي.
هذه المعطيات مجتمعة من شأنها تفسير ما تَردّد عن ان الرئيسيْن عون والحريري حرصا على القول ان قانون الانتخاب الجديد سيولد قبل نهاية الشهر الجاري، وان المشاورات في شأنه بلغت الـ100 متر الأخيرة، بحسب ما كان قال رئيس الحكومة قبل أيام.
إلا انه ورغم هذا المناخ، فإن مصادر سياسية ما زالت تحاذر الإفراط في التفاؤل، مذكّرة بأنه غالباً ما تكون “الأمتار الأخيرة” هي الأصعب ولا سيما في ظلّ عدم وضوح الرؤية حيال كيفية القفز فوق “فيتوات” حاسمة من بعض الأطراف وتمتْرس آخرين حول خيارات لا رجوع عنها.
وفي هذا السياق تلفت المصادر الى ان عودة “حزب الله” رسمياً قبل خمسة أيام الى خيار النسبية الكاملة إما ضمن لبنان دائرة واحدة او المحافظات او من ضمن قانون مركّب يقوم على التأهيل على القضاء وفق الأكثري والانتخاب على المحافظة بالنسبي، شكّل عملياً “ضربة على رأس” مبدأ القانون المختلط الذي يمزج بين نظاميْ الاقتراع الأكثري والنسبي والذي أريد له في “فلسفته” أن يشكّل حلاً وسطاً بين مطلب “حزب الله” ورئيس البرلمان نبيه بري بالنسبية الكاملة، وبين تحبيذ تيار “المستقبل” (الرئيس سعد الحريري) الأكثرية في ظلّ وجود سلاح “حزب الله” واعتبار النائب وليد جنبلاط “الأكثري” حامياً لوجود المكوّن الدرزي وضامِن لزعامته التاريخية.
وحسب هذه المصادر، فإن كل المعلومات عن صيغةٍ ما للمختلط ما تزال قيد البحث تصطدم حكماً بالموقف الثابث لـ “حزب الله” بالإصرار على النسبية الكاملة، وهو ما يفترض ان يجاهر به امينه العام السيد حسن نصر الله في كلمته المرتقبة غداً، في حين يبقى الكلام عن مرونة أبداها الحريري حيال امكان السير بالنسبية الكاملة وفق المشروع الذي كانت أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اي مع تقسيم لبنان 13 دائرة (وإمكان زيادة هذه الدوائر) دونه عقبة اساسية تتصل بموقف النائب جنبلاط الثابت على رفض النسبية بالمطلق، جزئياً او كلياً، وذلك بعدما تَراجع عن قبوله بمبدأ المختلط الذي كان أقرّ به حين سار بصيغةٍ تعتمده مع كل من حزب “القوات اللبنانية” و”المستقبل” لمصلحة الدعوة الى اعتماد النظام الأكثري وفق قانون الستين النافذ حالياً معدَّلاً او تطبيق اتفاق الطائف لجهة إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس شيوخ.
علماً ان النائب عمار حوري (من كتلة الحريري) اعلن امس ان “الحديث عن صيغة قريبة من المختلط توصّل اليها تيار المستقبل ويسعى الى تسويقها، ليست سوى صيغة القانون المختلط الذي كان وضعه التيار مع “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي (جنبلاط)”، مشدداً على ان “مشروع الرئيس ميقاتي خارج النقاش بالنسبة للمستقبل، لانه يعتمد على النسبية الكاملة”، نافيا “علمه بما نقل من معلومات عن ابداء الرئيس الحريري استعداده لدرس النسبية المطلقة”.
وكان قانون الانتخاب محور الزيارة البارزة التي قام بها الرئيس الحريري لمنطقة بشري (الشمال) امس حيث قدّم التعازي لرئيس حزب “القوات” الدكتور سمير جعجع بوفاة والدته السيدة ماري وكانت مناسبة تخللها عرض آخر ما توصلت اليه النقاشات حول الصيغ الانتخابية. وقال الحريري بعد تقديم التعزية: “اننا سنتابع عملنا في الحكومة مع الرئيس ميشال عون”، موضحاً رداً على سؤال حول المهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة التي تنتهي في 21 شباط: “لا شيء يدهمنا والمهم ان نقر قانون انتخاب جديداً، وانشالله سنقرّ هذا القانون”.
وفي موازاة ذلك، توقفت دوائر متابِعة عند ارتفاع منسوب المعاينة الخارجية للواقع اللبناني من زاوية قانون الانتخاب وهو ما عبّرت عنه زيارة سفراء الاتحاد الاوروبي لوزير الداخلية نهاد المشنوق أخيراً حيث أكدوا ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، معربين عن التفهم لأن التوافق على قانون انتخاب جديد يمكن ان يؤدي الى “تأجيل تقني للانتخابات، ونتطلع ان يكون تقنياً وقصير الامد”، وصولاً الى إشارتهم الى “ان قانون انتخاب جديداً او معدَّلاً سيوفر فرصة جيدة لادخال اصلاحات على المسار الانتخابي مثل الاوراق المطبوعة سلفا وكوتا النساء”.