دخل فيلم “إسمعي” (Listen) للمخرج فيليب عرقتنجي بقوة الى دور السينما اللبنانية، فهذا الفيلم هو الرابع للمخرج بعد “البوسطة”، “تحت القصف”، و”ميراث”، إلا أنّ هذا الفيلم يختلف عن كل ما سبق وأخرجه، إذ تطرق هذه المرة الى قصة حب تدخل اليها عوامل عدة ليعيش المشاهد لحظات رومانسية ودرامية في الوقت نفسه.
يتمحوَر فيلم “اسمعي” عن قصة حبّ تتحول الى أقوى مقاومة للبقاء على قيد الحياة، من خلال رحلة عبر عالَم الصوت وأهميّة الاستماع، إذ يتناول قصة عاطفية مؤثرة عن مهندِس صوت شاب، تتعرض حبيبته لحادث يوقعها في غيبوبة عميقة، فيواظب على إرسال تسجيلات إليها تتضمن أصواتاً من صميم الحياة، تعبّر عن الفرح والتفاؤل، على أمل أن تدفعها إلى الاستيقاظ من غيبوبتها، لكنّ الإنتظار طويل وبلا أفقٍ، مما يجعل القدرة على الوفاء عرضة لتجربة الإغراء.
وفي بعض تفاصيل القصة، جود (هادي بو عياش) المغرم برنا (ربى زعرور) يتلقى ضربة موجعة عندما تتعرض حبيبته لحادث يُدخلها في غيبوبة.
حبه لها دفعه الى القيام بالمستحيل من أجلها رافضا الاستسلام على الرغم من أن ذوي رنا (لمى لوند، وجوزيف بو نصار) رفضا أن يتدخل جود في حياة إبنتهما، فقامبإبتكاروسيلة تبقيه على تواصل مع حبيبته لعله يستطيع ان يشفيها او على الأقل ان تقوم بأي حركة لتقول له أنها لا تزال على قيد الحياة.
فعمد جود إلى تسجيل أصوات كل ما يدور من حوله في الشارع والبيت وميدان سباق الخيل والحدائق، لينقل اليها أجواء الحياة.
ولكن هذا الحب يقع ضحية الإغراء، فمروى (يارا بو نصار) شقيقة رنا تدخل الى سياق الأحداث، كيف لا وهي التي كانت تنقل دائما كل ما سجّله جود من أصوات الى شقيقتها.
مروى أحبت شاباً أجنبياً وتزوجت منه لكنهما إنفصلا، وعندما التقت بجود تبين أنهما تلامسا فأعلنا حبهما المتبادل وفي اللحظة نفسها تحركت رنا في سريرها للمرة الأولى.
هذا الفيلم الجميل يستحق المشاهدة، مع العلم أن بعض مشاهده العاطفية الحارة أجبرت الرقابة على وضع عبارة “ممنوع لمن هم دون الثامنة عشر من العمر”.
ولكن ما الذي دفع عرقتنجي الى حذف مشهد من الفيلم؟ وهل يحمل أن يصنف لمن هم فوق الـ18 عاما؟
فيلم يأخذنا الى عالم جديد
مخرج الفيلم فيليب عرقتنجي يؤكد لـIMLebanon أن “فيلمه الجديد لا يطلعنا عن قصة حبّ فقط وإنما قصة فيها بداية ونهاية وتساعد المشاهد على السفر الى غير عالم وتدخله بعالم جديد وتحديدا عالم الأصوات، لذلك فيلم “اسمعي” يختلف كليا عن مختلف الافلام اللبنانية التي يتم تصويرها وعرضها في صالات السينما”.
ويضيف: “ليكون الفيلم ناجحا يجب ان يتضمن أمرين، أولا، ان يطلعنا على قصة لان المشاهد يلحق القصة، وثانيا، إدخال المشاهد الى عالم جديد لم يره من قبل، وأنا ادخلت المشاهد في عالم الأصوات يعني عالم الصمت وعالم الاصغاء، وهذا الأمر يختلف تماما عن كل الافلام اللبنانية التي يتم عرضها لان فيلم “اسمعني” يسعد المشاهد بطريقة جديدة ومختلفة وفريدة من نوعها”.
لهذا السبب صنّف 18+
وفي ما يخص تصنيف الفيلم لمن هم فوق الـ18 عاما، يشرح عرقتنجي: “أنا ضد الرقابة وآمل ان نصل في يوم من الأيام وننتهي من الرقابة ولكن لا اظن ان هذا الامر ممكنا والسبب يعود لوجود عدة مجتمعات في لبنان، فبلدنا ليس مؤلفا من مجتمع واحد بل علينا احترام خصوصية كل طائفة وكل مجتمع، ولكن حسب رأيي، اعتقد ان هذا الفيلم يمكن لمراهقين يبلغون من العمر 14 عاما وما فوق مشاهدته، ولكن الأمن العام اعتبر ان هذا الامر لا يجوز لان هناك مجتمعات في لبنان قد تنزعج من هذا الأمر، ولكن الأهم هو انهم لم يقوموا بقطع أي مشهد من الفيلم، واكتفوا بتصنيفه لمن هم فوق الـ18 فقط، وأنا امتثلت للقرار والقانون ولم اعترض”.
من جهته، يؤكد الصحافي عماد موسى في حديث لـIMLebanon أن وضع عبارة “ممنوع لمن هم دون الثامنة عشر من العمر”أمر طبيعي، وليس من المستحب ان يشاهد ولد يبلغ من العمر 10 سنوات مشهد غرام وحب لانه لن يستوعبه او يفهم أبعاده”.
وفي ما يخص الرقابة على الأفلام السينمائية والمسرحيات وغيرها من الامور الفنية وعن كيفية تخفيف الرقابة عنها، يشدد موسى على ان “هذا الامر يتطلب تغيير القانون، فعندما يكون هناك دائرة لمراقبة المصنفات الفنية في الأمن العام قبل عرضها وضرورة نيل موافقة مسبقة، فلا يمكننا فعل أي شيء سوى تغيير القانون، مع العلم ان الامن العام غير متشدد في عملية الرقابة ولاحظنا الأمر في السنوات الأخيرة بحيث أن الرقابة كانت نادرة، واليوم تقنيا هناك لغة سينمائية جديدة ونهضة سينمائية يجب ان نوفر لها كل اسباب الدعم والنجاح”.
صورة سوداء لمدة 25 ثانية… وأكثر من مليون دولار
ولكن ماذا عن قصة “الشادر الأسود” في الفيلم؟ يكشف عرقتنجي أن “عددا من الأشخاص من الطائفة الدرزية علموا بأن صورتهم مرّت في الفيلم، والفيلم يتضمن مشهد حميم لذلك طالبوا بإزالة المشهد الذي يظهر صورتهم، ولكن المشكلة هي أنه إذا حذفت مشهدا سيتغير المعنى والأمر تقنيا ليس سهلا ابدا، والامن العام لا مشكلة لديه بالامر وإنما طائفة لديها مشكلة بالموضوع، وأنا التقيت بتلك الطائفة وقلت لهم أنني صورت فيلما عن السمع، وقلت لهم انني سأجد لهم حلا، فعلى التلفاز يمكننا ازالة هذا المشهد ولكن في السينما لا يمكنني حذف المشهد وأنا لست بوارد استفزاز اي احد، ومن هنا قررت وضع رقعة سوداء لمدة 25 ثانية لهذا المشهد الذي خلق بلبلة”.
ويضيف: “السبب وراء تصوير هذا المشهد هو لإظهار البيئة التي ينتمي إليها الشاب او الممثل الذي يلعب دور البطولة على ان طائفته مختلفة عن طائفة الفتاة، لذلك إزالة المشهد يشوه الفيلم ويغير المعنى”.
ويكشف عن أن “تكلفة الفيلم هي تقريبا مليون دولار والسعر يعد مرتفعا جدا بحسب السوق اللبناني، وادعو جميع المواطنين على تشجيع الصناعة السينمائية اللبنانية والتوجه الى صالات السينما لمشاهدة الفيلم وابداء رأيهم به، وعدم الاكتفاء فقط بمشاهدة الافلام الاجنبية والاميركية”.
المواطن له الحقّ بحذف صورته
من جهته، يشرح موسى عن سبب حذف مشهد من فيلم “اسمعي”، ويشير، بحسب المتداول، أن “الشخص المعني هو احد رجال الدين الدروز الذي يحق له عملياً أن يطلب حذف صورته من الفيلم، ومن هذا المنطلق فإن أي مواطن تظهر صورته في أي فيلم من دون علمه له الحق بالاعتراض والمطالبة بإزالة صورته وهذا الامر فهمه المخرج عرقتنجي لذلك وضع رقعة سوداء على المشهد المشكو منه، فالاعتراض جاء من الشخص المعني وأُبلغ بواسطة أحد المراجع الدينية، بناء على ذلك يحق لأي شخص بمعزل اذا كان رجل دين او مواطن عادي الاعتراض على ظهوره في اي فيلم إن لم يكن موافقا على الأمر”.
“أنا ضد الرقابة بالمطلق ولكن ما حصل مع فيلم عرقتنجي من الحالات النادرة المبررة، ولكن لو كان هذا الشخص من طاقم الممثلين وشارك في الفيلم وجاء الاعتراض الديني فأنا هنا بالتأكيد ضد حذف المشهد”، يوضح موسى.
وعن إمكان إعادة تصوير المشهد المعترض عليه، يكشف موسى عن أن “هناك صعوبة تقنية لاعادة تصويره مع العلم أن المشهد هامشي لا يؤثر على سياق الفيلم ولكن عملية حذفه معقدة جدا خصوصا أنه جاء في سياق تحديد بيئة او هوية بطل الفيلم للايحاء بان الشاب هو من الطائفة الدرزية، لذلك فإن الشخص المعني رفض ان تظهر صورته في هذا المشهد، وهنا يجب ان نتفهم اعتراضه ليس من منطلق ديني وانما من منطلق مواطن رفض ان يظهر في فيلم من دون علمه، لأنه عادة كل الأشخاص الذين يظهرون في الأفلام هم من الممثلين الثانويين ( أو الكومبارس) الذين يتم وضعهم في خلفية المشهد او الصورة”.
ويبقى السؤال هل من المقبول ان تكون الرقابة مشددة لهذه الدرجة وفرض سنّا معينا لمشاهدة هذا الفيلم؟ فيما ان ابواب الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة أمام المراهقين؟ من دون أن ننسى الملاهي والحانات الليلية التي يدخل اليها عدد كبير من الشبان الذين لم يبلغوا سن الـ18؟ فلما الرقابة تكون دائما مشددة على الأمور الفنية فيما متساهلة في أمور أخرى؟ ومتى سيخرج مجتمعنا من وراء الغطاء الذي يختبئ خلفه بحجة تنوع المجتمعات والأديان والطوائف؟ ومتى ستتوقف الطوائف عن التدخل في الأعمال الفنية؟ وما هي المرجعية التي يجب العودة إليها؟ فإذا الأمن العام وافق على عرض الفيلم، بينما هناك 18 طائفة يمكنها معارضة الأعمال فنية وهنا سنقع في دوامة لا متناهية من الأخذ والردّ.