كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
تعيش المخيمات الفلسطينية في لبنان حالة من القلق مع بروز تطورات لافتة تتمثل في تقديم قائد القوى الأمنية الفلسطينية المشتركة منير المقدح استقالته، وإعلان حركة فتح تعليق مشاركتها في القوة، وهو موقف استتبع مواقف مشابهة من قبل جبهة التحرير الفلسطينية وحزب الشعب الفلسطيني.
وتعود الخلفية المعلنة لهذا التوتر إلى إقدام مخابرات الجيش على اعتقال الضابط في القوة الأمنية الفلسطينية أحمد المقدح، خلال تلقيه العلاج في أحد مستشفيات صيدا (جنوب لبنان)، على الرغم من وجود تعهدات بعدم اعتقال أي شخص من القوى الأمنية حتى مع وجود مذكرات توقيف بحقه.
ويضاف إلى ذلك الشروع في استكمال عمليات بناء الجدار العازل حول مخيم عين الحلوة، على الرغم من تلقي الجهات الفلسطينية تعهدات من مخابرات الجيش ومن عدة جهات لبنانية تؤكد أنه تم إلغاء العمل بهذا المشروع بشكل تام ونهائي.
وقال قائد القوة الأمنية المستقيل لصحيفة “العرب” اللندنية “إن إعادة العمل في بناء السور، وإلقاء القبض على أشخاص على الرغم من وجود تعهدات بعدم المس بهم، هذه التطورات تسببت في قطع العلاقة مع مخابرات الجيش”.
ولفت المقدح إلى “واقع اللجنة الأمنية العليا الذي تسود فيه اللامبالاة حول موضوع ترتيب القوى الأمنية داخل المخيم، ودعمها، وتنشيطها، وقد تسبب هذا الأمر بتعليق مشاركة فتح في أعمال اللجنة في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وحدة القوى الفلسطينية”.
وشدد على أن “انسحاب فتح من اللجنة الأمنية تطور خطير سينعكس بشكل كبير على توازن القوى الفلسطينية الداخلية، وعلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية، كما أن أثر المعالجات الأمنية يساهم في تقوية أطراف أخرى على حساب فتح”.
ولفت قائد القوة الأمنية المستقيل إلى أن الرأي العام الفلسطيني “واكب انطلاق العهد الجديد في لبنان بالكثير من التفاؤل، ولكن النظرة إلى المخيمات الفلسطينية عموما لا تزال محصورة في الجانب الأمني وحسب”.
وأضاف “السؤال الملح في هذه اللحظة يدور حول الأسباب التي دفعت بمخابرات الجيش إلى توتير العلاقة مع الفلسطينيين، والقيام باعتقال الضابط في القوى الأمنية الملقب بـ’فيليب’ من المستشفى بعد أن أعطي الأمان”.
ونبه إلى خطورة هذا التصعيد، مشددا على كونه تطورا لم يسبق له مثيل حتى في أيام الحرب الأهلية، كاشفا عن تلقي السفارة الفلسطينية رسائل من جهات عديدة تؤكد أنه سيتم إطلاق سراح الرائد أحمد المقدح والتوقف عن بناء السور، ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق.
وتنتشر قراءات عديدة تنظر إلى التصعيد في المخيمات الفلسطينية من زوايا بعيدة وتربطه بملفات لبنانية كبرى متصلة بالجوين الإقليمي والدولي.
وتشير بعض القراءات إلى وجود ارتباط بين ملف المخيمات وملف النفط اللبناني، والذي شكل التوافق على تقاسمه جزءا أساسيا من العناوين التي مهدت للتوافقات حول رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة.
وتذهب هذه القراءات بعيدا في ربط ملف المخيمات بملف النفط، حيث تؤكد أن الدول والشركات الكبرى لن توقع عقودا مع لبنان لاستخراج النفط في ظل وجود بؤر أمنية لا تحكم الدولة سيطرتها عليها، ما يستوجب وجود حل ما لمشكلة المخيمات الفلسطينية بغض النظر عن طبيعته.
وتؤكد مصادر خاصة لـ“العرب” عن شروط وضعتها الدول والشركات المستثمرة في مجال النفط اللبناني، ترتبط بالوضع الخاص للمخيمات الواقعة بين صور وصيدا والتي تسيطر عليها الدولة جميعا باستثناء مخيم عين الحلوة.
ولا تُخرج هذه المصادر المعالجة الأمنية المتمثلة في إقامة جدار عازل حول مخيم عين الحلوة من هذا الإطار.
وتعيد المصادر قرار فتح بالانسحاب من القوى الأمنية المشتركة إلى وجود خلافات بين فتح وبين الفصائل الإسلامية، والتنظيمات التي تدور في فلك النظام السوري حيث تقوم هذه الفصائل بتعطيل مفاعيل الاتفاقات الأمنية. وتلفت من ناحية أخرى إلى أن الجدار العازل ممول بشكل شبه كامل من إيران وأنه أصبح منجزا بشكل تام.
وتشير إلى اختلاف كبير في موقف حزب الله من فتح بعد تصعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران، فبعد أن كان الحزب يعمل على تقويض حضور فتح داخل المخيمات بات يسعى حاليا إلى ترطيب الأجواء معها.
ويعتمد الحزب حاليا منطقا ينظر إلى فتح بوصفها جهازا ضابطا، كما يحاول كذلك الاتصال بكل التنظيمات الفلسطينية حتى المتطرفة منها محاولا استباق أي تصعيد محتمل، لأنه يعلم أنه لا يستطيع السيطرة عليه مع تبدل المناخ الدولي لغير صالحه.
وتلفت مصادر “العرب” إلى سياق عام تم التحضير له إثر زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان، حيث طلب منه حزب الله بطرق غير مباشرة الامتناع عن طرح موضوع سحب السلاح الفلسطيني الذي كان على جدول أعماله، لأن الحزب يعلم أن طرح الأمر سيشرع الباب أمام المطالبة بسحب سلاحه، وهو موضوع لا يريد أن يفتح إطلاقا.