Site icon IMLebanon

تعديل مرسوم التنظيم المدني: تشريع “الباطون”!

 

 

كتب فراس الشوفي في صحيفة “الأخبار”:

لم يكن ينقص لبنان، وسط كل التهديدات الوجودية التي تعصف به، من خطر الإرهاب والأطماع الإسرائيلية الدائمة والأزمات السياسية المستمرة، إلى الأخطار البيئية والاقتصادية والاجتماعية والمدّ العمراني، سوى أن يُقرَّ مجلس النوّاب قانوناً يطيح ما بقي من الأمن الغذائي اللبناني، ويهدّد السهول الزراعية في البقاع والشمال والساحل بموجة جنونية من الاسمنت.

برفع الأيدي، قرّر جزء من نوّاب البرلمان اللبناني إضافة «سطرين» لا أكثر، إلى المادة 30 من المرسوم الاشتراعي رقم 69 المتعلّق بالتنظيم المدني في جلسة مجلس النّواب ما قبل الأخيرة، مشرِّعين الباب أمام تحويل ما بقي من مساحات مخصّصة للزراعة في سهول البقاع والخيام وعكّار وعلى طول الساحل، إلى أماكن سكنية، تزيد من عجز المخططات التوجيهية و«مخطّط ترتيب الأراضي الشامل» في الحفاظ على المساحات الخضراء والزراعية.

في عام 2014، تقدّم النائب جمال الجراح (وزير الاتصالات الحالي) باقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة 30 من المرسوم الاشتراعي 69 تاريخ 9 أيلول 1983، وإضافة السطرين الآتيين إلى نص المادة: «وعند إعادة تنظيمها، بموجب مرسوم مصدّق، تخضع العقارات الواقعة ضمن المنطقة للنظام الجديد، بما في ذلك الأراضي التي جرى تقسيمها لأغراضٍ زراعية على أن تخضع لكافة شروط الضمّ والفرز». وتستهدف الإضافة تعديل الجزء الأخير من المادة 30، التي تنصّ على أنه «إذا كان طلب الإفراز يرمي إلى تقسيم العقار لغايات زراعية ويقع في منطقة غير منظمة، لا تفرض عليه المساهمة بتقديم الأراضي مجاناً إلا لموقع المنشآت اللازمة للاستثمار الزراعي كالطرق الزراعية وأقنية الري وخنادق التصريف، شرط ألا تقل مساحة القطعة الواحدة الناتجة من الإفراز عن 10000 متر مربع، حتى وإن كانت الغاية منه إزالة شيوع. يذكر صراحة في قرار الإجازة أن القطع الناتجة عن الإفراز مخصصة للاستثمار الزراعي ولا يجوز أن تشاد فيها سوى الأبنية اللازمة للاستثمار الزراعي وللسكن الخاص العائدة لمالك العقار ولأولاده وضمن معدل استثمار عام لا يزيد عن خمسة بالمئة (5%)».

سلك الاقتراح مساره في اللجان النيابية، وحطّ في جلسة مجلس النّواب ما قبل الأخيرة ليقرّ بأكثرية نصاب النوّاب الحاضرين جلسة 17 كانون الثاني. غير أن المفارقة تكمن في خطورة القانون، في مقابل ما تبيّن لـ «الأخبار» عن أن عدداً كبيراً من النّواب لم يفهم التعديل جيّداً، أو لم يطّلع كاملاً على النّص وعلى مفاعيله، حتى أن القانون لم يأخذ النقاش الكافي في جلسة مجلس النّواب. ففي لحظة طرح القانون على التصويت، لم يكن حاضراً في الجلسة سوى ستّة نوّابٍ من تكتل التغيير والإصلاح واثنين من حزب الكتائب وأربعة من حزب القوات اللبنانية و3 من الحزب التقدمي الاشتراكي وواحد من المردة وبعض نوّاب حزب الله وحركة أمل، بينما النّواب الباقون، إمّا غادروا الجلسة نهائيّاً، أو تركوا القاعة العامة للتدخين وشرب القهوة والتسامر مع الصحافيين وفي ما بينهم في الخارج! فيما كانت كتلة المستقبل النيابية شبه حاضرة بكامل نوّابها، بعد أن ضمنت النائبة بهيّة الحريري تأكيد حضور غالبية الكتلة، للتصويت على قانون آخر لإضافة فقرة إلى المادة 61 من القانون رقم 583، والرامي إلى «إمكانية إفراز عقارات أنشئت عليها أبنية مخالفة»، والذي يستهدف إفراز مساحات من الأراضي في محيط عين الحلوة ومدينة صيدا القديمة ومنطقة المية وميّة العقارية.

الجرّاح: الاقتراح يرفع الظلم عن المواطنين

يوضح الجرّاح لـ«الأخبار» خلفيات اقتراحه، مؤكّداً أن هدفه الأول «رفع ظلمٍ عن عددٍ كبير من المواطنين». يقول نائب البقاع الغربي إن «القانون بشكله الحالي يسبب أزمة إذا أراد مالكو عقارٍ معيّن وفق التصنيفات القديمة على أساس تصنيف زراعي، فرز العقار وتقسيمه». ويعطي مثلاً على ذلك أنه «في حال وفاة رجل وأراد أولاده الأربعة وراثة الـ 100 دونم التي يمتلكها، تقوم الدولة بأخذ 25% من مساحة الأرض كما يرد في القانون لأغراض عامّة وتعاملها كأنها أرض مصنّفة غير زراعية، ولكن عندما يريد الفارز استثمارها تعامله على أساس أنها أرض زراعية ولا يمكن البناء فيها بما يزيد على 5%، بصرف النظر عن المخطّط التوجيهي للمنطقة». ويضيف أن «هذا الأمر يجب أن يتغيّر لأن مساحات كبيرة من الأراضي صُنِّفَت في الماضي زراعية بطلب من مالكيها، وتلك لا يمكن تغيير تصنيفها حتى لو تغيّر تصنيف المنطقة في مخططات توجيهية جديدة، والبلديات أصلاً تقوم بتوسيع النطاق العمراني البلدي بشعاع 800 متر كل فترة نسبة للزيادة السكانية».

ويؤكّد وزير الاتصالات أن ظلماً يقع على عددٍ كبيرٍ من أهالي البقاع وعكّار، ولا سيّما أهالي منطقة بر الياس والمرج، وأن الدولة بتركها هذا القانون من دون تعديل، تقول للمواطنين «ابنوا وخالفوا القانون». ويقرّ الجرّاح أن أحد أبرز المستفيدين من هذا القانون هو النائب نبيل دو فريج، الذي يملك أراضي شاسعة في منطقة طليا البقاعية، مؤكّداً أن هذا من حقّه، لأنه يملك مثل غيره مساحات واسعة ولا يستطيع الاستفادة منها. غير أن كلام وزير الاتصالات عن أن الدولة تدفع بالمواطنين إلى البناء ومخالفة القانون بتمسكها بهذا القانون، يتقاطع مع «التهديد» الذي لوّح به النائب خالد ضاهر في الجلسة، حين قال أمام زملائه إن «الأهالي في عكّار سيبنون ولتأتِ الدولة وتمنعهم». في المقابل، اعترض عددٌ من نوّاب التغيير والإصلاح على القانون داخل الجلسة، بالإضافة إلى النائب جورج عدوان ونائبي الكتائب، وانتقده النائب أكرم شهيّب، معتبراً أنه يهدّد البيئة والمساحات المزروعة، فيما شن وزير المال علي حسن خليل هجوماً عنيفاً على القانون، مؤكّداً أنه يشكّل تهديداً على سهول البقاع وعكّار وسهل الخيام على وجه الخصوص.

تباين في التنظيم المدني

التباين بين الكتل النيابية حول التعديل، يظهر أيضاً في وجهات نظر مسؤولين بارزين داخل التنظيم المدني. يقول مصدر بارز في التنظيم، إن «المشكلة نشأت عندما تبيّن أن تنظيم بعض المناطق يتضمن عقارات مفروزة زراعياً، فيما العقارات المحيطة بها تستفيد من عوامل استثمار أعلى، وبالتالي كان لا بد من مساواة العقارات بعضها ببعض، وهو أمر لا يمكن أن يتم بقرار إداري ولا بقرار من مجلس الوزراء، بل يتطلب قانوناً في مجلس النواب. وكان لا بد من أن تستعيد الدولة الحقوق العامة من العقارات المفروزة، ولذلك ربطت عملية تحرير العقارات من «الفرز الزراعي» بوجود مخطط تنظيمي للمنطقة». وأضاف أن «الاتهامات بأن هذا القانون يستفيد منه بعض المحظيين، قد يكون صحيحاً لناحية ملكيتهم بعض الحيازات الزراعية التي كانت مفروزة زراعياً، إلا أن هذا التعديل جاء أيضاً ليراعي مالكي الحيازات الصغيرة الذين يريدون الاستفادة من أراضيهم كما يستفيد جيرانهم. وللعلم، فإن الاستفادة قد تكون متاحة من دون وجود هذا القانون، إذ يمكن أي بلدية أن تقدم أي طلب لتنظيم المنطقة وإعادة تصنيفها، والتنظيم المدني يدرس هذا الأمر وفق الحاجات، فإذا كانت هناك ضغوط على التنظيم المدني للموافقة على حاجات غير حقيقة، فهو أمر يمكن أن يتم من دون الحاجة إلى هذا القانون، لا بل إن صدور هذا القانون يتطلب الآلية نفسها لإعادة تنظيم منطقة ما».

في المقابل، يعود مصدرٌ بارزٌ آخر في التنظيم المدني إلى قانون «إنشاء مجلس الإنماء والإعمار»، الذي لحظ ما يسمّى «مخطّط ترتيب الأراضي الشامل» في عام 1973، والذي صدر مرسوم العمل به في عام 1991. ويقول المصدر إنه لم يعمل بالقانون حتى بعد 2005، مع كثيرٍ من الإهمال والفساد والمحسوبيات، علماً بأن المخطّط أصلاً لم يراعِ التطوّرات وليس مبنيّاً على دراسة سليمة». وأضاف أن «المخططات التوجيهية والمخطط الشامل لم تنجح في الحفاظ على الأراضي الزراعية»، مؤكّداً أن «المادة 30 المراد تعديلها هي الضمانة الوحيدة الباقية للحفاظ على الأراضي الزراعية». ويشرح المصدر كيف أن التعديل في حدّ ذاته لا يغيّر شيئاً في الإجراءات الروتينية، لكنّه يفتح الباب واسعاً أمام تغيير وجهة استعمال الأراضي الزراعية، «التي من المفترض ببعضها أن تبقى زراعية إلى أبد الآبدين، بغضّ النظر عن المخططات التوجيهية، ولو كان هناك بعض الظلم يقع على عددٍ من المواطنين، لذلك يجب حصر بحث الأمر في هذه الزاوية». ويقول المصدر إن «تعديل المادة يسمح للبلديات والتنظيم المدني ومن ثمّ لمجلس الوزراء بالتهاون في مسألة تغيير وجهة استعمال الأراضي التي من واجب الدولة الحفاظ عليها زراعية»، مؤكّداً أن «التغيير في وجهة استعمال الأراضي والمخططات التوجيهية لا يحتاج الآن أكثر من رشوة معتبرة لتغيير أي شي، فكيف إذا عُدِّل القانون واختفت آخر الضمانات؟». ويضيف أن «تغيير التصنيف قد يصبح سبباً بحدّ ذاته ليس لأغراض البناء فحسب، بل سبباً لرفع قيمة الأراضي المادية، التي ارتفع سعر بعضها الآن ولو نظريّاً، بمجرّد إقرار التعديل في مجلس النّواب».

خطر بيئي/ غذائي أم «توطين»؟

ويذهب أكثر من نائب في حزب الكتائب والتيار الوطني الحرّ والحزب الاشتراكي أبعد من اعتبار القانون خطراً جديّاً على ما بقي من الأراضي المزروعة في البقاع والشمال والساحل، والتي توفّر جزءاً من حاجة لبنان الزراعية، فضلاً عن أنه يقضي على مساحة كبيرة من المساحات الخضراء. وتشير مصادر كتائبية بارزة وأخرى في التيار الوطني الحرّ إلى أن «الأرقام تؤكّد أن لا زيادات كبيرة في عدد السّكان في قرى البقاع إلى الحدّ الذي يتطلّب تغيير واقع الأراضي وفرض تصنيفات جديدة سكنية كبيرة، فضلاً عن أن المساحات الشاسعة المصنّفة سكنيّة لا تزال فارغة بمعظمها ويتركّز التجمّع السكّاني في بقعٍ معيّنة، ومستقبلاً إذا سرى التعديل سيكون على حساب الأراضي الزراعية بدل تلك المصنّفة سكانياً، خصوصاً في سهل البقاع». ويربط هؤلاء ونواب آخرون بين المعطيات السابقة ووجود مئات آلاف النازحين السوريين في سهلي عكّار والبقاع، مشيرين إلى أن المستفيد يمهّد لأي مشروع «توطين» للنازحين السوريين في البقاع وعكّار، حيث إن «هناك عدّة مشاريع سكنية يخطّط لبنائها في البقاع وإسكان النازحين السوريين فيها».

عون نحو ردّ القانون؟

لم يعد خافياً أن جهوداً كبيرة تبذل لإقناع رئيس الجمهورية ميشال عون، بعدم توقيع القانون، وإعادته إلى مجلس النّواب ضمن مهلة الشهر التي هي وفق صلاحيته الدستورية، والتي تبدأ من تاريخ وصول القانون إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، أي في 26 كانون الثاني الماضي وحتى 26 شباط الحالي.

وعلمت «الأخبار» أن رئيس الجمهورية طلب إعداد دراسة مفصّلة عن القانون قبل البتّ بأمره، إلّا أن مصادر معنية في القصر الجمهوري أكّدت أن «التوجّه هو لعدم توقيع القانون وإعادته مجدّداً للنقاش حوله، خصوصاً أنه يشكّل تهديداً جديّاً للمساحات المزروعة وأمن لبنان الغذائي، فضلاً عن المساحات الخضراء التي تتقلّص يوماً بعد يوم».