يمضي لبنان قدما على الطريق الطويل نحو استخراج النفط والغاز من مياهه. فبعد اقرار مجلس الوزراء في 4 كانون الثاني الماضي، مشروعي مرسومين يتعلقان أولا بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية الى مناطق على شكل رقع، وثانيا بدفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والانتاج، يستعجل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “إنهاء التدابير والاجراءات المتصلة بدورة التراخيص الأولى للمياه البحرية ولاسيما منها تأهيل الشركات بشفافية وعدالة، من الجهة التقنية او التسويقية والتواصل مع الشركات المؤهلة او الراغبة في التأهل والمشاركة فيها”، وهو ما أكده لهيئة ادارة قطاع البترول ووزير الطاقة سيزار أبي خليل اللذين زاراه الخميس في قصر بعبدا.
اما وزير المال علي حسن خليل، فأعلن ان “الوزارة أحالت مشروع قانون الاجراءات الضريبية للموارد البترولية في المياه البرية الى مجلس الوزراء ومن المتوقع ان يقره في جلسته المقبلة”، مشيرا الى ان “علينا الالتزام بالجدول الزمني لاطلاق المزايدة لاستخراج الغاز استباقا لأي محاولة من العدو للاعتداء على ثروتنا”.
غير ان هذه الورشة المحلية التي من شأنها اذا بلغت خواتيمها السعيدة، أن تجعل لبنان عضوا في نادي الدول المستخرجة للنفط وأن تنعش اقتصاد البلد الصغير الذي يتخبط في المديونية والعجز، لن تبقى، وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية لـ”المركزية”، اقتصادية الطابع صرفا، اذ يرتقب ان تنجم عنها ارتدادات سياسية اقليمية – دولية، ستبدأ تباشيرها بالظهور تباعا على الساحة اللبنانية. كيف ولماذا؟
المصادر تشرح أن وضعَ قطار التنقيب عن النفط على السكة في لبنان في الاسابيع الماضية، ترافق مع مخاوف غربية عموما وأميركية في شكل خاص، من احتمال أن يضع “حزب الله”، صاحب النفوذ السياسي والعسكري الواسع في لبنان، يدَه على البلوكات البترولية الجنوبية، أو أقله على جزء منها، في شكل مباشر أو غير مباشر، فتتحول شريانا حيويا يمده بالاوكسيجين “المالي” و”المعنوي”. وتشير في هذا المجال الى سيطرة داعش على حقول نفطية في سوريا والعراق حيث باتت تشكل له موردا ماليا مهما. وتعتبر ان في ضوء ما يمثّله “الحزب” من امتداد ايراني، فان البلوكات التي قد يتحكم بها، ستوضع استطرادا تحت سيطرة طهران، وهو الامر المرفوض بقوة دوليا، وأبرز تجليات هذا الرفض تظهر في سوريا، حيث مُنعت ايران باجماع أميركي – أوروبي – روسي، من التقدم نحو الشاطئ السوري وسط اعتراض هذه القوى على اي وجود ايراني على “المتوسط”، دائما حسب المصادر.
وعليه، لا تستبعد المصادر ان تشهد المرحلة المقبلة، تشددا أميركيا – أوروبيا- أمميا إضافيا تجاه “الحزب”، قد تكون طلائعه بدأت بالظهور إن في تركيز مجلس الامن الدولي منذ أيام على ضرورة التزام لبنان بالقرارات الدولية لا سيما منها الـ1559 والـ1701 لجهة حصرية السلاح في يد القوى الشرعية، أو في الموقف الاخير للخارجية الاميركية حيث نبهت في متن تحذير أصدرته لرعاياها من زيارة لبنان، من تطرف “حزب الله”.
أما الهدف من هذه الحملة التي قد تتوسع تباعا، عبر اجراءات اقتصادية ومالية وربما عسكرية، فهو وفق المصادر، تضييق الخناق أكثر فأكثر على “الحزب” وإضعاف قوته الى الحدود الدنيا، قبيل تحول لبنان دولة نفطية.
وسط هذه الاجواء، لا تسقط المصادر من حسابها امكانية ان تعود الاستراتيجية الدفاعية الى الواجهة بقوة في المرحلة السياسية المقبلة، كمدخل الى حل مسألة سلاح “حزب الله”.