كتبت أنديرا مطر في صحيفة “القبس” الكويتية:
قبل أيام ـــ وكعادته ـــ أطل أمين عام “حزب الله”، في خطبة متلفزة، بمناسبة ذكرى قادة حزبه (الشهداء)، مهدداً إسرائيل بالدمار. هذه المرة توّعد الإسرائيليين بــ “مفاجآت يخفيها “حزب الله”، وتغيّر مسار حربه الدائمة والمزعومة على تل أبيب التي دعاها إلى “تفكيك مفاعل ديمونا” النووي، على اعتبار أن “حزب الله” قادر على قصفه وإفناء إسرائيل، فضلا عن قدرته على خنقها بالغازات السامة في حال قصفه خزانات غاز الأمونيا في ميناء حيفا.
الجهاز الإعلامي للحزب أطلق حملة مهللة ومبجلة لكلام زعيمه، لدرجة أن مُشاهد النشرة الإخبارية لتلفزيون “المنار” التابع للحزب ظن أن خزانات الأمونيا انفجرت فعلاً في حيفا.
وعلى الرغم من أن نصر الله أدرج تهويل إسرائيل بحرب ثالثة على لبنان في دائرة الحرب النفسية، فإنه نبّه إلى أن “المطلوب من ميليشيات حزبه أن تبني على أسوأ الاحتمالات وأن تبقى متيقظة، ويدها على الزناد”.
في هذا السياق، وبناء على هذه المعطيات، توجّهت القبس بسؤال إلى مجموعة من الإعلاميين والمحللين اللبنانيين حول ما إذا كانوا يتوقّعون حصول حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان أم أن الأمر لا يعدو كونه حرباً إعلامية لها غاياتها ومبرراتها.
قاسم قصير: استغلال ولاية ترامب
الإعلامي قاسم قصير الخبير في شؤون “حزب الله” قال إنه ضمن الظروف الموضوعية لا يبدو أن هناك حرباً وشيكة، ولكن لا شيء مستبعد في النهاية، مشيراً إلى أن هناك استعدادات من قبل المقاومة ومن قبل الإسرائيليين، ولكن ليس بالضرورة أن تقع الحرب. خطاب نصر الله بالأمس كان إشارة للإسرائيليين لأنه يمتلك معلومات عن استعدادهم لها، مستغلين وصول ترامب إلى البيت الأبيض. في الأفق المنظور لا يبدو أن ثمة حرباً، ولكن مع الإسرائيلي قد يتوقع الإنسان أي شيء.
نوفل ضو: لبنان صندوق البريد الساخن
بدوره، اعتبر عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار نوفل ضو أن خطاب نصر الله يتزامن مع عودة المواجهة الأميركية ـــ الإيرانية حول الملف النووي في ضوء اتجاه إدارة دونالد ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي. من هنا، فإن ما ورد في خطاب نصر الله لا يرتبط بالجبهة اللبنانية ـــ الإسرائيلية، بقدر ما يرتبط برسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة، وفق ضو، فنصر الله عبّر في خطابه عن معادلة جديدة، تسعى إيران إلى التلويح بها، وهي المفاعلات النووية الإيرانية في مقابل المفاعلات النووية الإسرائيلية. وبمعزل عن حسابات موازين القوى والحرب الإعلامية المتبادلة، فإن خطاب نصر الله لا يضع لبنان في مواجهة محتملة مع إسرائيل وحسب، وإنما يجعله ورقة تفاوضية وصندوق بريد ساخناً. لذلك، فإن خطاب نصر الله يشكّل فصلاً جديداً من فصول توظيف المصلحة اللبنانية في خدمة إيران وسياساتها الإقليمية.
خليل الحلو: تهديدات غير واقعية.. لكنها تؤذي لبنان
العميد المتقاعد خليل الحلو ألمح من جهته، إلى أن ما قاله نصر الله إنه قادر على قصف مفاعل ديمونا النووي وخزانات الأمونيا قد يرتد وبالا على لبنان. فهذه التهديدات وإن كانت غير واقعية، لكون خزانات حيفا ستفرغ ولكون قصف “ديمونا” يشكل تهديداً خطيراً لقطاع غزة والضفة الغربية والأردن ومصر، يمكن أن تستعملها إسرائيل ذريعة لشن حرب تدمّر البنى التحتية اللبنانية التي سلمت في حرب 2006 بفضل الجهود الدبلوماسية اللبنانية والعربية وضغوط المجتمع الدولي آنذاك.
أما التهديدات الجدية التي تقلق إسرائيل، وفق الحلو، فهي صواريخ الفاتح 110 المتطورة وصواريخ “ياخونت” المضادة للسفن التي تقول إن “حزب الله” يمتلكها، والتي إذا أطلقت من شمال لبنان يمكنها أن تصيب أهدافاً حيوية برية وبحرية في إسرائيل خلال دقائق، على الرغم من المنظومات الإسرائيلية المضادة للصواريخ، إضافة إلى الخبرة القتالية الكلاسيكية العالية التي كسبها حزب الله في حرب سوريا. هذه العوامل هي التي تزيد بالفعل من جدية مخاطر قيام إسرائيل بحرب استباقية على لبنان، وليس متوقعاً أن يقوم المجتمع الدولي بأي جهد لردعها في هذه الحال، ولن تتحرّك الدول العربية التي تعتبر إيران وحزب الله عدوّيها، مع الإشارة إلى أنه لم تتحرك أي عاصمة دولية بجدية حيال تدمير أحياء مدينة حلب وتهجير أهلها.
وسام سعادة: لبنان ساحة التناقضات
وفي السياق عينه، اعتبر الصحافي وسام سعادة أن حرب تموز 2006 عُلّقت من قبل الإسرائيليين ولم تنته، وأن إسرائيل استهدفت غير مرة حزب الله في سوريا (ضرب مواقع له واغتيال عدد من قادته) وكان حزب الله يلتزم بعدم الرد، في حين كان يلجأ سابقا إلى الرد بأشكال مختلفة لم تؤدِّ إلى نشوب حرب، كإطلاقه طائرة “أيوب” الاستطلاعية، واتهامه بتفجير حافلة سياح إسرائيليين قرب مطار بورغاس في بلغاريا.
اما المتغير اليوم، بحسب سعادة، فهو وجود إدارة أميركية جديدة وتصاعد التوتر الأميركي ـــ الإيراني، إضافة إلى ما تعيشه المنطقة من تناقضات، ما يحتّم أخذ هذا التهديد بالحرب على محمل الجد، سواء كان من الجانب الإسرائيلي أو من جانب حزب الله، من دون إغفال أن تركيبة الحكم اللبناني السياسية بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية تزيد من خطورة هذا التهديد.
واعتبر سعادة أنه ليس بالضروري أن تكون الحرب هذه المرة على شاكلة الحروب السابقة، غير أن التحرشات الإسرائيلية التي قد تستهدف حزب الله في الفترة المقبلة سوف تفقد قدرة حزب الله على الاحتفاظ بحق الرد. وعن اختيار جبهة جنوب لبنان، يقول سعادة إن لبنان في نهاية المطاف هو الساحة الوحيدة للتناقض الإيراني ـــ الأميركي، كما للتناقض الإسرائيلي ـــ الإيراني الذي قد ينفجر بمواجهة نوعية، أو بحرب مواقع حقيقية.