كتب خالد موسى في صحيفة “المستقبل”:
ثمة إجماع لدى أهالي العسكرين المخطوفين بأن أمراً تغيّر في التعاطي مع ملفهم عمّا كان عليه في السابق، وأنه أصبح على السكة الصحيحة وقيد المتابعة الحثيثة من قبل الدولة اللبنانية بشخص رئيسَي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري، منذ انقطاع أخبار أبنائهم العسكريين المخطوفين لدى تنظيم” داعش” منذ سنتين ونصف السنة. فبعد أيام على زيارة الأهالي للرئيس الحريري في السراي الحكومي، وشعورهم بالإطمئنان والإرتياح بعدها، أصدر مجلس الوزراء بعد جلسته أول من أمس في السراي برئاسة الرئيس الحريري قراراً قضى بتخصيص مكافأة قدرها 250 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى “داعش”، بناءً على اقتراح من الرئيسين عون والحريري وبالتنسيق مع قيادة الجيش.
هذا الخبر نزل برداً وسلاماً على قلوب الأهالي المشتاقين لسماع أي خبر عن مصير أبنائهم، بحسب ما أكدوا في حديث الى “المستقبل” أمس. ويشير حسين يوسف، والد العسكري المخطوف لدى “داعش” محمد يوسف الى أن “هذا الخبر كان له وقع إيجابي نفسي علينا، خصوصاً وأننا شعرنا أن هناك إهتماماً بالملف بعد مضي سنتين وسبعة أشهر عليه، ولمسنا هذا الأمر بعد زيارة الرئيس الحريري الذي أبدى خلال الإجتماع إهتمامه وتعاطفه مع الملف، وما القرار الحكومي أمس الأول سوى خير دليل على ذلك”، مشدداً على أن “هذا الأمر، عكس لدينا أجواء إيجابية ومريحة الى حد ما نفسياً على الأقل بعد الكثير من إهمال الملف في الفترة الماضية”.
ويلفت الى “أننا كأهالي وضعنا هذا الملف بأيدٍ أمينة وأصبح بعهدة رئيس الحكومة الذي أصبح المسؤول بشكل مباشر عنه، كون هؤلاء العسكريين يمثلون هذه الحكومة وهذا العهد وضمير وكرامة هذا البلد”، مشيراً الى أن “ الرئيس الحريري أبدى خلال الإجتماع معه، تفاؤله واهتمامه الزائد لحل الملف، وهذا ما عكس أجواء إرتياح وإطمئنان لدينا بأنه أصبح بأيدٍ أمينة بمساعدة فخامة رئيس الجمهورية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم”.
ويشدد يوسف على أن “هذا الأمر يؤكد بلا أدنى شك متابعة الحكومة للملف عن كثب، ويؤكد وفاء الرئيس الحريري بالوعد الذي قطعه لنا وتحمله لمسؤوليته تجاه ملف العسكريين”، مؤكداً أن “الأهالي أصبح لديهم جرعة تفاؤل أكبر بعد لقائهم رئيسي الجمهورية والحكومة وسيكون لنا في الأيام المقبلة لقاء مع دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
من جهته، يعتبر نظام مغيط، شقيق المعاون أول المخطوف لدى “داعش” إبراهيم مغيط، في حديث الى “المستقبل” أن “القرار الذي اتخذته الحكومة أمر جيد وإيجابي ويصب في خانة بذل أقصى الجهود من قبلها للتوصل الى أي خيط ممكن أن يساهم في كشف مصير العسكريين المخطوفين، ولكن هذا القرار سيف ذو حدين، فصحيح أنه يساهم في الحصول على معلومات حول مصير أبنائنا وهذا ما كنا نتمناه منذ زمن بعيد، ولكن هذا القرار يثبت أن طيلة الفترة السابقة لم يكن هناك عمل فعلي في الملف وكان الملف مهملاً وإلا لكان لدى الحكومة اليوم معلومات لما توصلت إليه خلية الأزمة التي شكلت في الحكومة السابقة من أجل متابعة هذا الأمر”، مشيراً الى أن “هذا القرار أعطانا جرعة دعم وتفاؤل كبيرة، وما علينا فعله اليوم هو أن نشد على يد الحكومة ورئيسها ونشجعهم ونتعاون معهم، والرئيس الحريري له تحية كبيرة من أهالي العسكريين على الجهود الحقيقية التي يبذلها وهو وعدنا وتعهد لنا بمتابعة هذا الملف حتى النهاية مهما كلف الأمر”.
ويشدد على “أننا لنا كامل الثقة بالرئيس الحريري وبالجهود التي يبذلها في هذا السياق، ونحن ندرك جيداً أنه إذا نوى على حل ملف ما فإنه سيبذل المستحيل من أجل إنهائه وتنفيذه، فكيف به في هذا الملف الإنساني؟”، آملاً أن “نصل الى الخاتمة السعيدة في هذا الملف على يد الرئيس الحريري”.
بدورها، تصف أم حسين، والدة العسكري المخطوف حسين عمار، في حديث الى “المستقبل”، القرار الذي أعلنته الحكومة في شأن ملف العسكريين المخطوفين بـ “الجريء والجيد، وهو يثبت أن الحكومة تبذل اقصى جهودها من أجل إنهاء هذا الملف”، مشيرة الى أن “هذا القرار أعطى الأهالي وخصوصاً الأمهات، جرعة دعم وتفاؤل كبيرة”.
وتلفت الى أن “اللقاء مع الرئيس الحريري قبل أيام كان جيداً جداً ومريحاً، ولمسنا لدى الرئيس الحريري اهتماماً زائداً به وتوجّه لحلّه مهما كلّف الأمر”، مضيفة “أحسسنا أنه أصبح لدينا ظهر قوي نستند عليه وحكومة قوية وقادرة على مساعدتنا وإنهاء مأساتنا المستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة”.
وإذ شددت على أن “هذه المبادرة التي قامت بها حكومة الرئيس الحريري لم يتخذ أي معني مثلها منذ بداية الأزمة وحتى اليوم”، شكرت “الرئيس الحريري وحكومته على هذا القرار الجريء والذي يثبت إهتمامه الزائد بهذا الملف”، متمنية أن “نصل الى الخاتمة السعيدة وأن نرى أبناءنا بيننا في القريب العاجل على يد الرئيس الحريري وجهوده”.
محطات من “الإنتظار المميت” حلّت، ولا سيما منذ إنتهاء ملف العسكريين الذين كانت تختطفهم جبهة “فتح الشام” أو ما كان يعرف بـ “النصرة” سابقاً في نهاية عام 2015، بعد وساطة من قبل دولة قطر. فقد كان الأهالي يأملون أن يساهم حل هذا الملف في فتح ثغرة في المفاوضات مع “داعش” تؤدي أيضاً الى ختم الموضوع بأكمله، إلا أن شيئاً لم يتغير وبقي الأهالي في “إنتظاراتهم” طوال سنتين ونصف السنة. غير أن هذا الإنتظار خرقه الأهالي بالعديد من التحركات واللقاءات، بدءاً من رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذي التقى الأهالي بعد تحرير العسكريين الستة عشر من “جبهة النصرة” آنذاك واعداً بالعمل على الملف أكثر، مروراً بوزيري الداخلية نهاد المشنوق والدفاع السابق سمير مقبل، وصولاً الى قائد الجيش العماد جان قهوجي واللواء إبراهيم. كما أنهم طرقوا بعض أبواب السفارات، ومنها التركية والقطرية للمطالبة بالمساعدة في فك أسر أبنائهم. وعندما أيقن الأهالي أن هذه التحركات لم تأت نفعاً، قرروا في أكثر من مرة الذهاب باتجاه الجرود والمجازفة بأرواحهم من أجل الحصول على اي معلومة تبرّد قلوبهم، وهو ما دفع أيضاً حسين يوسف، الى الذهاب في الأشهر الأخيرة الماضية الى سوريا لأكثر من مرة كما الى تركيا قبل أيام بحثاً عن أي خيط رفيع ممكن أن يوصله الى أي معلومة عن مصير إبنه ورفاقه. وبعدها كرت سبحة التوقيفات الأمنية من قبل كافة الأجهزة الأمنية (الأمن العام – شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي – مخابرات الجيش) لبعض القيادات في تنظيم “داعش” وأهمها توقيف خلية عرسال مطلع تشرين الثاني الفائت برئاسة أحمد أمون، ما أعطى الأمل للأهالي بإعادة تحريك الملف من خلال الحصول على معلومات من هؤلاء الموقوفين عن مصير العسكريين المخطوفين. وقبل شهرين، فقد الأهالي الأمل مجدداً بعدما أخذ الأمن العام منهم عينات الحمض النووي لمطابقتها مع بعض الجثث التي تم العثور عليها في مغارة قريبة من بلدة قارة السورية في القلمون كان يستخدمها عناصر “داعش”، غير أن نتيجة الفحوص أتت غير مطابقة مع العيّنات التي أُخذت من الجثث الأربع التي وجدت هناك، بحسب ما كشفه بيان الأمن العام، ما أعطى الأهالي دفعة جديدة من الأمل.
واليوم، يعود الملف مجدداً الى دائرة الإهتمام بعد إنهاء الشغور الرئاسي، من قبل الرئيسين عون والحريري، خصوصاً بعد القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الوزراء، والذي يأمل الأهالي منه أن يسهم في طي هذه الصفحة الحزينة الى غير رجعة في القريب العاجل.