كتبت رولا حداد
أكد الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” أن ما قيل عن “تسوية” تمت في لبنان وأوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، لم تكن “تسوية” حقيقية بقدر ما كانت عملية استباقية من “حزب الله” لإيصال عون إلى قصر بعبدا قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فإذا كان لإتفاق معراب دور محوري في فتح الطريق من الرابية إلى بعبدا، فإن توقيت إعلان السيد حسن نصرالله قبوله بعودة الرئيس سعد الحريري إلى السراي مقابل وصول العماد عون إلى بعبدا لم يكن بريئاً على الإطلاق.
فما يتّضح يوماً بعد يوم هو أن إيران قرأت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل حدوثها، وأدركت يومها أن احتمالات فوز ترامب تتعاظم، ما دفعها إلى العمل على تحصين أوراقها في المنطقة، ومن ضمنها الورقة اللبنانية، فسهّلت وصول حليف تأمن له بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي، وذلك بهدف تحصين وضع “حزب الله” في مواجهة المشاريع “الترامبية” المعلنة سلفاً، وأولها إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران على قاعدة مراجعة أدوار إيران في المنطقة العربية وعودتها من لاعب إقليمي كبير إلى داخل حدودها، مع ما يستلزم ذلك من تقليم أظافر برنامج “تصدير الثورة” من اليمن إلى لبنان، مرورا بالبحرين والعراق وسوريا. وهذا ما يستدعي بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الجديدة لجم “حزب الله” وكل الميليشيات الإيرانية في المنطقة.
هكذا، وبعدما ارتاح “حزب الله” إلى الحماية السياسية التي أمّنها له رئيس الجمهورية لناحية “تثبيت” سلاحه ودوره بموقف رسمي ذات بُعد إقليمي (حديث إلى تلفزيون مصري عشية زيارة إلى القاهرة)، أطل السيد حسن نصرالله ليعيد تثبيت واقع المحاور المتواجهة في المنطقة، فأطلق نيرانه على المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وذلك ضمن استراتيجية إيرانية بفتح معركة مسبقة مع الإدارة الأميركية من خلال استهداف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك بعد عودة التنسيق بين واشنطن والرياض إلى سابق عهده الذهبي.
هكذا أعاد السيد نصرالله لبنان ليكون واجهة التسخين في المنطقة خدمة للمواجهة الإيرانية مع الولايات المتحدة، فمن جهة أطلق سهامه على السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومن جهة ثانية أطلق تهديداته لإسرائيل في محاولة مكشوفة لتوتير الأوضاع بعد سنوات من التهدئة التي كان يحتاجها “حزب الله” بسبب انغماسه في الحرب السورية.
وهنا يبرز أكثر من سؤال:
ـ أي خطورة على لبنان عربياً وإقليمياً ودولياً بعد كلام رئيس الجمهورية حول سلاح “حزب الله”، وخصوصاً في ظل المعلومات المتداولة عن امتعاض دولي كبير قد يهدد دور القوات الدولية العاملة في الجنوب ومهماتها في ظل ما يعتبره المجتمع الدولي انتهاكاً صارخاً للقرار 1701 بعد كلام الرئيس عون؟
ـ ماذا ينفع لبنان محاولات إعادة ترتيب أوضاعه الاقتصادية والمالية والحياتية، إذا كان قرار حربه وسلمه في يد “حزب الله” الذي ينفذ الأجندة الإيرانية، وخصوصا أن حرب تموز 2006 لا تزال ماثلة في أذهاننا، وخصوصاً أن أي مغامرة جديدة لـ”حزب الله” خدمة لإيران تهدّد بتدمير لبنان على رؤوس الجميع؟
الخلاصة الوحيدة الثابتة أن لا قيام لأي دولة ما لم تحتكر حمل السلاح، وما لم تكن تمتلك كل القرارات السيادية على أراضيها، وأول هذه القرارات قرار الحرب والسلم، وما عدا ذلك لا ينفع بشيء!