IMLebanon

بعبدا وحارة حريك يُحمّلان الحريري مسؤوليّة التنصّل من التسوية

 

كتب ابراهيم ناصرالدين في “الديار”:

التناغم  “غير البريء” بين مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تجاه التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان، يقابلها تناغم غير “بريء” ايضا في تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، ونظيره السعودي عادل الجبير، حول “العدو” الايراني المشترك، كذلك صدرت خلال الساعات القليلة الماضية تصريحات “غير بريئة” من رئيس الحكومة سعد الحريري خصصها لانتقاد مواقف السيد نصرالله ضد السعودية.. خلاصة هذه المواقف كافية لشرح طبيعة ما ينتظرنا في المقبل من الايام، في ظل “تهويل” مقصود، ومحاولة “غير بريئة” ايضا لتحميل الرئاسة الاولى  و”حارة حريك” مسؤولية ضرب الاستقرار الداخلي، فما الذي يريده حقا تيار “المستقبل” ومن معه من حلفاء؟ وما الذي دفع السيد نصرالله “لشن” هذه “الحرب الاستباقية” على الرياض؟

اوساط سياسية بارزة مقربة من “بعبدا” “وحارة حريك”، تشير الى ان الرئاسة الاولى وقيادة المقاومة يقومان بواجبهما السياسي والاخلاقي لمواجهة التهديدات الاسرائيلية، بعيدا عن اي استثمار داخلي لتلك المواقف، وهذا ما تم ابلاغه للطرف الاخر عبر القنوات المعتادة، لكن من المهم التذكير ان التسوية الداخلية قامت على مثلث الانتخابات الرئاسية، ورئاسة الحكومة وتشكيلها، واجراء الانتخابات النيابية، حزب الله ومن معه من الحلفاء، التزموا بمسؤوليتهم المرتبطة بالاستحقاقين الاولين، وكذلك تيار المستقبل وحلفاؤه، لكن الاستحقاق الاخير تجري عرقلته من قبل “التيار الازرق” الذي يتلطى وراء النائب وليد جنبلاط، وشعار الحريري الذي اطلقه في “البيال” مؤخرا “عدم التخلي عمن وقف معنا في السراء والضراء”، كشف “القناع” عن رغبته الحقيقية في وقف مفاعيل التسوية السياسية عند عتبة الاستحقاق الانتخابي، وهو بذلك يهدد التفاهمات الداخلية، وليس رئيس الجمهورية، وكذلك السيد نصرالله، الملتزم بدقة بكل ما تم التفاهم عليه لاخراج البلاد من حالة الفراغ التي كانت سائدة، ولم يكن من ضمنها اي تفاهم على تخلي اي من الاطراف عن صداقاته او خصوماته الاقليمية، بدليل ان تيار المستقبل ارتضى ان يدخل في التسوية متخليا عن مطالبه “الاستراتيجية” بخروج الحزب من سوريا، او التوصل الى حل مسالة السلاح “غير الشرعي”…

وتتفهم تلك الاوساط، استخدام الحريري في رده على مواقف السيد نصرالله “طاولة” مجلس الوزراء، باعتباره ما يزال في طور استدراج المملكة لاعتراف به ممثلا وحيدا وشرعيا للسنة في لبنان، انطلاقا من موقعه الرسمي في السراي الحكومي والذي لم تتعامل معه القيادات السعودية الاساسية بجدية، بدليل الاحجام عن استقباله في زيارة رسمية حتى الان، لكن القلق الجدي يبرز من محاولة رئيس الحكومة استغلال موقف السيد نصرالله الذي يأتي في سياق طبيعي للاحداث والصراع في المنطقة، لمحاولة خلق مناخات سلبية في البلاد للضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون والقوى السياسية المعارضة لقانون الستين، للقبول بالامر الواقع بفعل التلويح بازمة سياسية “مفتعلة” من شأنها ان تقوض العهد وتلهيه عن مسار الاصلاح والتغيير..

وتشبه الاعتراضات على كلام السيد نصرالله، حالة الاستهجان من تصريحات الرئيس عون الاخيرة قبيل زيارته لمصر عن سلاح “حزب الله”، ومن سخريات القدر ان تبدأ حملة تشكيك منظمة ضد الرئيس على شكل تساؤلات عن حقيقة تموضع رئيس الجمهورية ومواقفه من المقاومة او من الحرب في سوريا والنظام السوري. فهل حقيقة كان يظن هؤلاء ان للرئيس  “الجنرال” مواقف تركها وراءه عندما دخل الى القصر الرئاسي؟ وهل نسي هؤلاء ان الرئيس جزء من محور في المنطقة ساهمت موازين القوى المختلة لصالحه في ايصاله الى سدة الرئاسة؟ وهل نسي هؤلاء ايضا ان حزب الله بقوة نفوذه الاقليمي والمحلي، نجح في ايصال مرشحه بعد طول عناد ومكابرة من الاخرين؟ وهل ظن هؤلاء ان التسوية  التي أدت الى انتخابه رئيسا، تعني انه يجب ان يكون رئيسا بلا “لون ولا طعمة” في القضايا الاساسية والاستراتيجية؟ وهل نسي البعض انه ليس رئيسا “وسطيا” يدفن “رأسه” في الرمال” كالنعامة” ولا يرى المسار الخطير للصراع الاقليمي والدولي الذي يضع ضمن اولوياته ضرب المقاومة على الساحة اللبنانية…

وبحسب تلك الاوساط، فان “رسالة” واضحة تم ابلاغها للرئيس الحريري خلال الساعات القليلة الماضية، مفادها ان الحفاظ على التسوية الداخلية مسؤولية رئيس الحكومة الذي بيده وحده الافراج عن “الحلقة” الثالثة المكملة للتفاهمات الداخلية عبر إقرار قانون انتخاب جديد، اما التلطي وراء معارضة النائب جنبلاط لرفض النسبية، ليست الا محاولة محفوفة بالمخاطر، ستؤدي حكما الى فراغ دستوري جديد سيجهض التسوية السياسية “الوليدة”.. اما عودة الحديث عن السلاح غير الشرعي لرفض النسبية، فهو مثير “للشفقة” وغير علمي، ولا يمكن مقاربته باي فلسفة سياسية او قانونية، لان احدا من “الجهابذة” غير قادر على شرح معضلة تأثير السلاح في “النسبي” وعدم تاثيره في النظام الانتخابي “الاكثري”…

المعادلة واضحة ، تيار المستقبل مأزوم وقلق من النتائج، يحتاج الى قوة دفع جماهيري “سني” لاثبات جدارته داخليا وخارجيا، يخشى بشدة خوض تجربة انتخابية بنظام لا يعرفه، يفضل العودة الى قانون “المحادل” “والبوسطات”، يدرك جيدا ان كلام السيد نصرالله، او مواقف الرئيس عون ليست جديدة او مفاجئة، لكنه يبحث عن “شماعة” للتنصل من التزامه في البند الاخير من التسوية، وكلما شعر ان “الخناق” يضيق عليه يضطر للبحث عن حجج لخلق مناخات توتر يظن انها كفيلة “بارهاب” خصومه لاجبارهم على مجاراته بقانون يحقق له مبتغاه مذهبيا وسياسيا… وحتى الان لا توجد مؤشرات على احتمال خضوع الطرف الاخر لهذا الابتزاز المكشوف، البلاد دخلت في مرحلة “عض الاصابع” من جديد، بانتظار من سيصرخ اولا… والتجربة لا تحتاج الى برهان عن هويته..

لكن ثمة تحول لا يرغب حلفاء السعودية في لبنان مقاربته، وهو شديد الخطورة وسيضعهم في وقت قريب امام مسؤولياتهم الوطنية، الرياض تخوض غمار مغامرة غير محسوبة من خلال فتح قنوات اتصال جدية مع الاميركيين للتخديم على البديل الإسرائيلي لحل الدولتين والدولة الواحدة، عبر ما يعرف “بغطاء إقليمي”، لصياغة ملامح هذا البديل ومكوناته، تحت غطاء “مواجهة العدو الإيراني المشترك” ثمة تأهيل جدي لحلف إسرائيل مع “الاعتدال العربي” في مواجهة طهران تحت عنوان “الحل الإقليمي” للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو انجرار وراء اعادة رسم معادلات جديدة سيكون لها تداعيات ضخمة في المنطقة، ولبنان لن يكون خارج دائر التاثر..

حزب الله احد اهداف هذا المشروع، السيد نصرالله يدرك جيدا ما تقوم به السعودية وبعض دول الخليج، المقاومة على رأس لائحة الاستهداف على مختلف الساحات، محاولة تحييد الحزب من خلال “تكبيله” بالتفاهمات الداخلية والتهويل عليه بحرب قادمة، رد عليها في خطابه الاخير “استباقيا” لابلاغ الجميع ان “اللعبة” مكشوفة ولا تحتمل “المزاح”، “هرولة” السعودية التي يبتزها الرئيس الاميركي بقانون “جاستا” لانشاء غرفة عمليات مشتركة مع بعض العرب “المغبطين” بمجيء ترامب، وبالشراكة مع اسرائيل، لن تكون فرصة يتعين اغتنامها … السيد نصرالله لا يمتهن “العداء” للسعوديين او الاماراتيين المتورطين في اكثر من ساحة قتال، وانما يريد ابلاغ الجميع ان استغلال “السطوة” الروسية في سوريا والتقارب مع تركيا، “واغراء” الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتمويل مناطق آمنة تريحه من كاهل اللاجئين، مقابل “بيع” فلسطين بنظام اقليمي يضم اسرائيل، والتفاهم مع موسكو على تقاسم النفوذ لاضعاف طهران، واولى شروطه على الساحة السورية اخراج حزب الله من المعادلة كمقدمة للبحث في سلاحه في لبنان… كلها مشاريع لن تمر… ورسالة المقاومة من بيروت واضحة سيدفع هؤلاء أفدح الأثمان لان “اللعب بالنار”، سيحرق “اصابع” المشاركين في “اللعبة”..