لم تخفّف «التطمينات» التي أشيعت حيال السقوط «السياسي» لأي امكانية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري ووفق القانون النافذ المعروف بـ «الستين»، من الهواجس التي يولّدها اندفاع البلاد في نفق دستوري، آخِره 20 حزيران وهو موعد انتهاء ولاية البرلمان، وذلك من دون اي «بوليصة تأمين» تضمن الخروج من هذا المسار «المفخّخ» بلا أثمان قد تكون باهظة ولا سيما مع دخول استحقاق الانتخابات في «حقل نار» الاشتباك المتجدّد بين الولايات المتحدة وايران.
وبات واضحاً في بيروت ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قام وعلى طريقة «اللهم أشهد انني بلّغت» بتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وفق القانون النافذ، الى الانتخابات على أساس انها ستجرى في 21 ايار، وهو المرسوم الذي لن يوقّعه الرئيس ميشال عون وفق ما كان أكد رفضاً لقانون «الستين»، كما لن يضع توقيعه عليه رئيس الحكومة سعد الحريري تفادياً لـ «صِدام مبكّر» مع عون، يمكن ان يعرّض مجمل التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي الى الانهيار، وايضاً ترجمةً لتأكيده المتكرّر انه مع إقرار قانون جديد للانتخاب «لا يشكل حالة قهر أو عزْل لأي من مكونات العيش المشترك».
وتَرافقتْ خطوة المشنوق مع مناخٍ أشبه بـ «واقي الصدمات» ركّز على نقطتين: الأولى ان مهلة 21 شباط التي ستمرّ من دون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لا تعني سقوط إمكان إجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية البرلمان، باعتبار ان الاستحقاق النيابي دستورياً قابل لأن يحصل في 18 حزيران ما يعني ان مهلة دعوة الهيئات (قبل 3 أشهر) هي عملياً 18 اذار. والثانية ان الفترة الفاصلة عن 20 حزيران ستكون كفيلة ببلوغ تفاهم على قانون جديد بما يجنّب الفراغ في البرلمان اذ ان اي قانون سيحمل في متنه تمديداً تقنياً لمجلس النواب لأشهر قليلة انطلاقاً من الحاجة الى فترة زمنية لـ «التكييف» اللوجستي والإداري مع نظام الاقتراع النسبي الذي لا بدّ ان يدخل، ولو جزئياً، في الانتخابات المقبلة.
على ان هذه الإشارات «التطمينية» لم تكن كافية لتبديد الانطباع بأنّ لبنان دخل مرحلة محفوفة بمخاطر كبرى ولا سيما مع عودة الاصطفاف السياسي الحادّ على خلفية مسألتيْن: الأولى مواقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله التي شنّ فيها حملة شعواء على كل من السعودية والإمارات العربية المتّحدة موجّهاً في الوقت نفسه «تهديداً نووياً» لاسرائيل (استهداف مفاعل ديمونة)، وهو ما بدا في سياق رسْم «خط دفاع هجومي» أمام ايّ اندفاعة أميركية مباشرة تجاه طهران او غير مباشرة باتجاه «ذراعها» الرئيسية في المنطقة التي يشكّلها «حزب الله».
اما المسألة الثانية فهي قفْز عون فوق البُعد الخلافي في النظرة الى سلاح «حزب الله» لبنانياً لمصلحة احتضانه باعتباره «مكملاً» لدور الجيش وجزءاً من حماية لبنان ولا يتعارض مع بناء الدولة، وهو ما استثار الى جانب الردود الداخلية المباشرة او الضمنية مواقف دولية أبرزها من الأمم المتحدة عبر ممثلة الامين العام في لبنان سيغريد كاغ، وصولاً الى ارتسام ملامح «اشتباك ديبلوماسي» بين بيروت واسرائيل التي وجّهت عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة داني دانون رسالة إلى مجلس الأمن والأمانة العامة في المنظمة الدولية تعليقاً على مواقف الرئيس اللبناني من سلاح «حزب الله» دعت المجتمع الدولي إلى «إلزام الحكومة اللبنانية ومؤسساتها التقيد الكامل بقرارات مجلس الأمن بما فيها نزع سلاح حزب الله»، ليردّ عون على هذه الرسالة بموقف تهديدي اعلن فيه «أن الزمن الذي كانت فيه اسرائيل تمارس سياستها العدوانية ضد بلدنا من دون رادع ولّى الى غير رجعة»، محذّراً اسرائيل من ان «اي محاولة للنيل من السيادة اللبنانية او تعريض اللبنانيين للخطر ستجد الردّ المناسب».
ومن هنا، تعرب أوساط سياسية مطلعة في بيروت عن خشيتها من ان يصبح قانون الانتخاب، في ظلّ تصاعُد التوتر الأميركي – الايراني وتَحوّل لبنان «صندوقة بريد» في سياق «الرسائل الرادعة»، بمثابة «رصاصة» إما تفضي الى صيغة تضمن لـ «حزب الله» وحلفائه استيلاد برلمان يكرّس أرجحية نفوذ طهران في لبنان والجمْع بين الإمساك بالإمرة الاستراتيجية والسلطوية، وإما الى انزلاقٍ نحو الفراغ في البرلمان بما يفتح الباب امام احتمالات إعادة النظر ببنية النظام اللبناني.
وفي غمرة هذه الوقائع، لم تحمل الاتصالات حول قانون الانتخاب الجديد اي معطيات تشي بقرب تفكيك تعقيداته، وهو ما عبّرت عنه بوضوح مواقف لرئيس «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) جبران باسيل حملت تمسكاً بصيغة القانون المختلط (بين الأكثري والنسبي) التي كان طرحها قبل اسابيع وقوبلت بانتقادات كثيرة، او بصيغة التأهيل وفق النظام الأكثري حيث تنتخب كل طائفة مرشّحيها ليحصل الانتخاب في المرحلة الثانية على دوائر موسعة بالنسبي، او one man multiple votes.
واعلن باسيل من زغرتا «ان الأحاديات التي نواجهها اليوم في لبنان، بالطوائف، بالأديان، والذي بالدين اسمهم داعش، أحد لا يريد التشارك مع غيره، لا في قريته ولا في منطقته ولا في طائفته ولا في بلده، هذا هو الإقطاع الذي نريد ان نحاربه من خلال قانون الانتخابات»، مضيفاً: «لا يستطيع أن يكون الشخص فئوياً، وهو في موقع المسؤولية، وهو يفكر أن يبني وطناً، ولا يستطيع شخص ان يفكر فقط على خط قريته وقضائه، ويطرح نفسه على مستوى المسؤولية على مساحة كل الوطن».
في سياق اخر، تجري مرشحة اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبن ابتداءً من اليوم محادثات في بيروت تشمل رئيسي الجمهورية والحكومة ومسؤولين آخرين.