Site icon IMLebanon

المناطق الآمنة مشروع يحوّل الأعداء شركاء

 

 

 

كتب سجعان قزي في صحيفة “الجمهورية”:

 

غايةُ لبنان من إنشاءِ مناطقَ آمنةٍ داخلَ الأراضي السورية هي إنسانيةٌ ووطنية. شِئنا المشروعَ خطوةً لإعادةِ النازحين إلى ديارِهم لا لإضعافِ النظام أو تقويةِ المعارضة، ولا لاقتسامِ سوريا بين جيرانها أو لتقسيمِها بين مكوّناتِها السُنّيةِ والعَلويّةِ والكُردية والأقليات الأخرى.

تكفينا مكوّناتُنا اللبنانية. أردنا تنفيذَ المشروع بدءاً من الحدودِ اللبنانية خِلافاً للمشروعِ الإقليمي والدولي الذي يُركِّز على المناطقِ السورية المحاذيةِ للأردن وتركيا والعراق.

لم نطرح المشروعَ حلاً للحرب بل خِياراً للنازحين. وإذا كانت هناك خياراتٌ جِديّةٌ أخرى، فأهلاً بها. المُهِم ألا يبقى النازحون في لبنان حتى تنتهيَ الحربُ في سوريا ويُعاد إعمارها.

نعرف سلفاً أن إنشاءَ مناطقَ آمنةٍ ليس مشروعاً سَهلَ التنفيذِ لكَثرةِ الأطرافِ المعنيةِ به. أُولى الصعوباتِ هي تحديدُ دورِ النظامِ السوري إذ إنه نظامٌ شرعيٌّ من جهة، وطرفٌ في القتالِ الدامي مع جُزءٍ من شعبِه من جهةٍ أخرى. وثانيها هي الحؤولُ دونَ تحوّلِ المناطقِ الآمنةِ العتيدةِ تجمعاتٍ مسلحةً أو كانتوناتٍ مذهبية كالمِنطقةِ العازلةِ الكُرديةِ شمالي العراق سنةَ 1994.

وثالثُها هي تحاشي دخولِ قواتٍ أجنبيةٍ جديدةٍ إلى سوريا، خارجَ قراراتِ الأمم المتحدة، تحت ستارِ حمايةِ المناطقِ الآمنة، علماً أنَّ التدخّلَ العسكريَّ المتعدِّدَ الجنسياتِ حاصلٌ، “فما همُّ الغريقِ من البلَلِ”.

والرابعةُ هي انتزاعُ موافقةِ الدولةِ السورية على المشروع لئلا يُقِرُّه مجلسُ الأمن الدولي على أساسِ الفصلين السادسِ (المواد من 33 – 38) والسابعِ (المواد من 39-51) من ميثاقِ الأممِ المتحدة على غرارِ ما جرى في كلٍّ من الكوريّتين الجنوبيةِ والشمالية، وقبرص التركية واليونانية، وبين أثيوبيا وإريتريا، وفي شمال العراق وكوسوفو وتيمور الشرقية وسيراليون والكونغو والصومال وليبيا.

لكنّ هذه الصعوباتِ جميعها قابلةٌ للمعالجةِ إذا صدَقت النيّاتُ، كأنْ يُعطي النظامُ السوري ضماناتٍ أمنيةً بشأن النازحين ويأخذَ تطميناتٍ سياسيةً بشأن مصيرِه. إن تنفيذَ أيِّ مشروعٍ متعدّدِ الأطراف يستدعي تحويلَ الأطرافِ المتنازعةِ شركاءَ، فيَجدُ كلّ طرفٍ مصلحةً معينةً فيشترك في المشروع ويُسهِّل نجاحَه.

إنّ رفضَ النظامِ السوري وإيران وروسيا المناطقَ الآمنةَ هو رفضٌ للفصلين السادس والسابع أكثرَ ممّا هو رفضٌ مطلقٌ للمشروع بدليلِ أنَّ وزيرَ خارجيةِ سوريا وليد المعلم حذّر في 31 كانون الثاني 2017 من إقامةِ المناطقِ الآمنة “من دونِ التنسيقِ مع الدولة السورية الحريصةِ على سيادتِـها”.

وتَبِعَه وزيرُ خارجيةِ روسيا سيرغي لافروف في 03 شباط 2017 فأعلن أنَّ بلادَه “مستعدةٌ لدراسةِ مبادرةِ الرئيس ترامب حول المناطقِ الآمنة بشروطٍ أبرزُها: موافقةُ الحكومةِ السورية ومشاركةُ الأممِ المتحدة”.

في ظل الوجودِ العسكري الروسي والإيراني على أرضِ سوريا، يستحيلُ تنفيذُ المشروعِ بالقوة، وإلا تُصبح المناطقُ الآمنةُ غيرَ آمنةٍ لاستقبالِ النازحين، وبالتالي تنتفي الفائدةُ منها. لكن ما يُشجّع هو أنَّ الرئيسَ الأميركي دونالد ترامب حَدّد في 25 كانون الثاني 2017 مشروعَه بـ”إنشاءِ مناطقَ إنسانيةٍ آمنةٍ في سوريا لحمايةِ الأشخاصِ الفارين من العنف”.

إذا كان تنفيذُ المشروع يستدعي التفاوضَ مع الدولةِ السورية، فيُفترض بدمشقَ أن تَلتَقطَ الفرصةَ لفكِّ الحصارِ الدوليِّ عنها ولاستردادِ الاعترافِ التدريجيّ بها، خصوصاً أنَّ إنشاءَ مناطقَ آمنةٍ يُعطي النظامَ السوريّ، أمام الرأيِ العام الدولي، صورةَ القادِرِ بعدَ ستِّ سنواتِ قتالٍ على احتضانِ مواطنيه واستعادةِ الثقةِ الشعبية.

إنَّ الواقعيةَ التاريخيةَ والسياسيةَ تَفرض على النظام السوري ذي الوجهِ العَلوّي، وهو نظامٌ ذكي، الإقرارَ باستحالةِ حكمِ كل سوريا إلى الأبد. فمهما انتصر عسكرياً بمساعدةِ إيران وروسيا، تبقى المتغيّراتُ الديمغرافيةُ والمذهبيةُ هي الأساسَ في تقريرِ مصير سوريا. وحريٌّ به اليومَ أن يُوظّفَ تحسّنَ وضعِه العسكري للتفاوضِ أفضلَ مع الآخرين لا للسيطرةِ عليهم أكثرَ، وأن يتنازلَ لشعبِه لا لحلفائه. الحلفاءُ أسرٌ والشعبُ أمنٌ.

إن مصلحةَ النظامِ السوري تَقضي بأن يتجاوبَ مع المشروعِ لكي لا تنشأَ المناطقُ الآمنةُ بمنأى عنه. فالمفاوضات حولَ المشروعِ تَقدّمت بين واشنطن وروسيا والسعودية ودولِ الجوار (لبنان، الأردن، العراق وتركيا) وتَحوز على تغطيةِ دولِ أوروبا الخائفةِ من استمرارِ تدفّقِ النازحين إليها. أما روسيا، وتدخّلُها العسكريُّ في سوريا عَقَّد علاقاتِها بدولِ الخليج، فتُنعِش هذه العلاقاتِ، بخاصةٍ مع السعودية، بإنشاءِ مناطقَ آمنةٍ تعيدُ النازحين السُنَّةَ إلى سوريا، وهي عودةٌ غيرُ مضمونةٍ من دونِ هذه المناطق.

علاوةً على ذلك، إنّ تسهيلَ روسيا هذا المشروعَ يؤسّس لأولِ تفاهمٍ مع الرئيس الأميركي الجديد من دونِ أن يتأثرَ وجودُها في سوريا، خصوصاً إذا شَملَ هذا التفاهمُ ثلاثةَ أمور: تعاونٌ عسكريّ للقضاءِ على داعش، تحييدٌ نهائي للمناطق التي تَحتفظُ بها المعارضةُ السورية، ودورٌ روسيّ للحدِّ من التوتّر المستجِدِّ بين واشنطن وطهران.

لكن الخطورةَ على لبنان هي أن تُعطى الأولويةُ في إقامةِ المناطقِ الآمنةِ للحدودِ السوريةِ مع الاردن والعراق وتركيا لأن المناطقَ المحاذيةَ للدولِ الثلاث تسيطر عليها قِوى معارِضةٌ وأخرى إرهابية. في حين أنّ المناطقَ المحاذيةَ للبنان يسيطر عليها النظامُ عموماً، ولا تُشكّل، بنظرِ أميركا وروسيا، خطراً إرهابياً.

 

والخطورةُ الثانية أن يُدرَجَ مشروعُ المناطقِ الآمنة في إطارِ ما سُرِّب سنةَ 2015 عن تفاهمٍ جرى بين أوباما وبوتين لتقسيمِ سوريا مناطقَ نفوذٍ، فتشِرفُ أميركا على المِنطقةِ الواقعةِ شرقيَّ نهرِ الفرات، وروسيا على المناطقِ الواقعةِ غربيَّ النهر حتى ساحلِ البحرِ المتوسط.

والخطورةُ الثالثةُ، هي إن تُقْدِمَ تركيا صاحبةُ السياسةِ التوسعيةِ على تنفيذِ مِنطقةٍ عازلةٍ من جانبٍ واحِد على مسافة 650 كيلومتراً على طولِ حدودِ البلدين وبعمقٍ 40 كيلومتراً داخلَ الأراضي السورية حتى مدينةِ “الباب”.

لذا، مصلحةُ الدولةِ السورية أن تَلتَفَّ على المشروعِ بخلفيّتِه المشبوهةِ، فتبادرَ إلى إنشاءِ مناطقَ آمنةٍ بوجهها الإنساني (إيواءُ النازحين). ولتكن المنطقةُ الأولى على الحدودِ اللبنانية ــ السورية، داخلَ سوريا (القلمون مثلاً) نَموذجاً لحقيقة المشروع.