كثيراً ما نسمع فكرة ان اللغة العربية “غير دارجة”، ونستغرب إحياناً إن شاهدنا منشورا عبر مواقع التواصل بالعربية، حتى ان من لا يتقن اللغات الاجنبية من النجوم وحتى الاشخاص العاديين يستخدمها ظناً منه انها “برستيج” قد يوقعه احيانا في فخ الخطأ والأمثلة كثيرة.
الحقيقة ان اللغة العربية فريدة من نوعها تتميز بصعوبة تعلمها ونطقها ولكن الأهم تميزاً بجمالية لا نجدها في مختلف اللغات.
وفي ظل “الحرب” التي تواجهها العربية في بلادنا، حل اليوم العالمي المعتمد من الامم المتحدة للغة الأم في 21 شباط، ورغم الجدال الذي لا ينتهي بين “العربية” واللغة المحكية اللبنانية ونقاط التشابه او التباعد بينهما، يبقى السؤال عن اهمية المحافظة على اللغة العربية في حياتنا اليومية في ظل المنافسة الشرسة من مختلف اللغات خصوصا مع التطور الالكتروني وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي؟ إعلاميون لبنانيون يحاولون البحث في واقع ومستقبل اللغة العربية.
بسام براك: وطن بلا لغة يعني وطن بلا هوية
الإعلامي بسام براك يؤكد في حديث لـIMlebanon أن “هناك جدلا واشكالية عما إذا كانت العامية لغة ايضا وتتمتع بمقومات واسس على غرار اللغة الفصحى، والعائلات التي تنبذ اللغة العربية من قصد او من دون قصد يجب ان تعي وتدرك أن وطنا يفقد لغته يفقد هويته، وعلى الجيل الصاعد أن يدرك أن اللغة العربية مكتوبة على هويته وفي نشيد وطنه وفي دستوره”.
ويضيف ان “ما يحصل اليوم من نبذ للغة العربية هو نتاج عولمة فتحت فاهها واكلت بدربها اللغة العربية، علما ان العوملة غير مذنبة وإنما نحن المذنبون، ومن يقصّر بحق اللغة هو جمهورها وليست اللغة او العولمة، لذلك العائلات تحديدا يفترض ان تعي هذه الازمة لا سيما ان الولد يكبر ولا يعرف اللغة العربية، وهنا نسأل على من يقع الحق، على المدرسة او الاهل؟”.
ويعتبر ان الاعلام “لا يسلط الضوء ولا يعطي اللغة العربية مكانتها لان إعلاميي اليوم عدا عن المخضرمين ليسوا جاهزين للتعامل مع هذه اللغة خصوصا أن الإعلاميين هم المثال والقدوة”.
ويكشف عن أن “الرغبة في تعلم الأدب العربي اليوم خفيفة جدا وبالتالي الاقسام في الجامعات تقفل وهناك أزمة كبيرة، فنحن نعيش فترة انحطاط وإلا وأن تأتي النهضة وتعود اللغة العربية والادب العربي الى سابق عهده، وعلى الرغم من كل ما نواجهه لا يزال هناك بعض المهتمين باللغة العربية اكان عبر المشاركة في مسابقة الإملاء السنوية او من خلال انتاج الكتب والاهتمام بامتحان اللغة العربية على أي شكل سيأتي ما يؤكد حاجتنا لهذه اللغة”.
لينا دوغان: لغتنا أساسية رغم صعوبتها
من جهتها، تؤكد الإعلامية في قناة “المستقبل” لينا دوغان لـIMlebanon “لا أنكر ان اللغة العربية هي لغة صعبة والجيل الجديد يجد صعوبة في اتقانها لان اللغات الاخرى تكون أسهل بالنسبة إليهم، ولكن أشعر في مكان ما اننا نعود قليلا الى اتفان اللغة العربية على الرغم من المنافسة التي تواجهها من اللغات الاخرى”.
واذ تشجع على تعلم اللغة العربية على الرغم من صعوبتها، تقول دوغان: “علينا القيام بمجهود لكي يعتمد اولادنا لغتهم ويفتخروا بها وألا يعتبروا ان اللغة العربية غير رائجة، بل بالعكس اللغة العربية اساسية في العالم، ومعظم السفراء الذين يريدون العمل في لبنان او الدول العربية يتعلمونها قبل تعيينهم في بلادنا لكي يتأقلموا مع لغتنا وثقافتنا وحضارتنا وبيئتنا، لذلك علينا ان نكون فخورين بلغتنا وان ننقلها الى اولادنا قدر الامكان”.
يزبك وهبي: شجعوا اولادكم على “العربية“
من جهته، يؤكد الإعلامي في قناة الـLBCI يزبك وهبي في حديث لموقع IMlebanon أن “لبنان يتمتع بالانفتاح وهذا الامر انعكس إيجابا علينا ما اوصلنا الى تعلم 3 لغات ولكن أحيانا يكون على حساب اللغة الأم ما أدى الى تراجع اللغة العربية، نستطيع المحافظة عليها قدر الامكان عبر الأهل والمنزل ليشجعوا اولادهم على التحدث باللغة العربية أكانت المحكية او الفصحى”.
ويشدد على أن “اللغة العربية أساسية جدا خصوصا لمن يدرسون بعض الاختصاصات مثل الحقوق والاعلام والترجمة والعلوم السياسية وغيرها من الاختصاصات التي تطلب من الطالب ان يكون ملما باللغة العربية”.
شادي معلوف: “كل شي فرنجي برنجي“
أما الإعلامي ومقدم البرامج في إذاعة “صوت لبنان – 93.3” شادي معلوف، فيشرح لـIMlebanon أنه “منذ القدم امتاز اللبنانيون بتعدد اللغات التي اتقنوها على امتداد تاريخهم الحديث لأسباب جغرافية وسياسية واجتماعية وغيرها من الأسباب، وهم اليوم لم يحيدوا عن هذه الخاصية في شخصيتهم. لكن ما يجدر التوقف عنده تراجع مستوى واستخدام اللغة الام سواء العربية الفصحى او اللبنانية المحكية، من دون ان ننسى ان اللبنانيين عرفوا دوماً بانفتاحهم وتفضيلهم للغرب وما يأتيهم منه على قاعدة “كل شي فرنجي برنجي” الى حد الاستخفاف بمقدراتهم وقدراتهم ولغتهم وجمالياتها واعتبارها اقل اهمية او مستوى من اللغات الاجنبية، كل ذلك جعل كثيرون من بيننا يهملون او يتخلون بمعرفة او بغير معرفة عن لغتهم الام”.
ويشدد معلوف على أن “ما يساعدنا على التمسك بلغتنا الام بالدرجة الاولى ان نثق بأنفسنا ولغتنا وتاريخنا وماضينا وحاضرنا رغم علاّته، وان ننظر الى المستقبل بأمل ورغبة بالانجاز على مختلف الصعد أسوة بالاجيال التي سبقتنا وانجزت وتركت لنا ما نفتخر به”.
جيل “غرندايزر” و”كابتن ماجد”
يشير براك الى أن “الصعوبة موجودة دائما، ولكن كي لا نلقي اللائمة على الصعوبة فهناك وسائل جديدة يمكننا اعتمادها بالتعليم بامكانها تبسيط اللغة، ولكن المشكلة تكمن أيضا في غياب البرامج التي تعتمد اللغة الفصحى فلم يعد هناك مسلسلات بتلك اللغة، ونحن جيل “غرندايزر”، و”كابتن ماجد”، و”زينة ونحول” وغيرها من البرامج الكرتونية، فيما ان الجيل الصاعد فقد تلك المسلسلات من دون أن ننسى الهجمة على الانترنت التي تنقل صورة ولغة سريعة يمكن للولد استخدامها والعيش معها والتخلي عن اللغة العربية”.
“الذنب لا يقع على فقط على الاهل او الوطن او المدرسة، هذا الذنب يقع على كيف نفهم لغتنا، ويجب ان يكون هناك توعية من وزارتي الاعلام والثقافة وكل الاقطاب الاساسيين لدق ناقوس الخطر من اجل فهم اهمية اللغة العربية لانها انتجت واثمرت نهضة بدأت من لبنان مع كبار الادباء والشعراء وانتجت ثورات وتحرر، وانتجت اسماء كبيرة نعتبرها قدوة اليوم”، يوضح براك.
من ناحيته، يضيف معلوف: “لسنا جميعًا بغافلين ان من حمى وحفظ ونقل اللغة العربية وجنّب الامة العربية التتريك ثم طغيان لغات الانتداب والاستعمار هم اللبنانيون سواء في الداخل او الذين هاجروا الى الاقطار العربية الاخرى من كتّاب وفنانين وصحافيين، فأنشأوا الصحف والمجلات وعلّموا في المدارس والجامعات ووضعوا الكتب وقرظّوا الشعر وكتبوا النثر ونهضوا بالفنون ناقلين اللغة الام الى مراتب عليا”.
“انطلاقا من هذا التاريخ المجيد واجبنا ان نكمل من حيث انتهى السلف والتواصل مع ماضينا لينجح مستقبلنا. وذلك يبدأ من اللغة التي يتواصل بها الاهل مع ابنائهم في البيت اولاً انتقالاً الى تدريسها في المدرسة والجامعة بطريقة سهلة محببة وقريبة الى التلميذ والطالب وصولاً الى استخدامها في سوق العمل من دون خجل”، يوضح معلوف.
طلاب اعلام لا يعرفون العربية!
أما دوغان، فتلفت الى أن “إعادة وضع اللغة العربية على السكة الصحيحة لن يتحق إلا عبر حملات توعوية ومن خلال مؤتمرات للغة العربية بالإضافة الى التوجه الى المدارس والطلب منها اعطاء اللغة العربية حقها كسائر اللغات، وعلى بعض المدارس ان تفهم ان اللغة العربية هي اساسية في لبنان وتعتبر من بين الاهم في العالم، وعدم اعتمادها وتهميشها أشبه بمحو تاريخ دولة”.
من جهته، يقول وهبي: “أنا لا أفهم بعض الطلاب الذين يتخصصون بالاعلام او الترجمة او الحقوق وهم لا يعرفون اللغة العربية، فهذا الامر لا يجوز وهنا المسؤولية تقع على الاهل والمدرسة فالجامعة، وعلى الطالب ان يسعى الى تحسين وضعه في اللغة العربية في حال كان من ذوي تلك الاختصاصات وللأسف اللغة العربية في لبنان اصبحت ضعيفة مقارنة مع دول عربية اخرى”.
ويوضح وهبي انه “مع تبسيط اللغة العربية قليلا وتهذيب المناهج خصوصا أن هناك بعض الامور التي يتعلمها الطالب في المدارس لا يتستخدمها في الحياة، لذلك المطلوب تطوير المناهج التربوية في اللغة العربية وتخفيف بعض الامور”.
نشرة أخبار بالعامية؟
وفي ما يخص لجوء بعض الوسائل الاعلامية الى المحكية اللبنانية في تقديم التقارير الاخبارية وصولاً الى استحداث نشرات اخبارية ناطقة باللبنانية، يرى براك أن “النشرة نتاج لما نشهده في السنوات الاخيرة، ولكي تقترب من الجيل الجديد اعتمدت تلك اللغة، ولكن علينا الا ننسى ان المحكية موجودة في عدد من التقارير السريعة في كل وسائل الاعلام لكي تقترب من المشاهد، وانا أفضل قراءة نشرة الاخبار بالفصحى، لأن النشرة بالفصحى ترقى معها الكلمة وترقى معها اللغة، حتى إذا نريد اعتماد العامية فهناك اصول ولفظ واتقان للكلمات وبالتالي يجب الا تتحول الى العامية المناطقية لان هناك عامية لا يفهمها الجميع وتختلف بين منطقة وأخرى، فاعتماد اللغة الفصحى افضل لانها تصل الى اكبر شريحة ممكنة وتصل الى الدول العربية كلها من دون اي عائق”.
دوغان تفضل “اللغة الفصحى في تقديم الاخبار ونقل المعلومة، ولكن اعتماد العربية المحكية ليس خطئا لاننا كلبنانيين نتحدث تلك اللغة لذلك يمكننا ان نكون قريبين من الناس باللغة المحكية، ولكن عندما نريد قراءة موضوعا اخباريا من الأفضل ان يكون بالفصحى لكي نعطيه طابع منطقتنا وهكذ يدخل الى كل الدول العربية الاخرى ونعطي الخبر طابع المهنية”.
فيما يشرح وهبي أن “الهدف من نشرة الأخبار “بالدارج” هو إيصال الخبر للشباب ومواكبتهم ببعض الامور الجديدة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا ان هناك عددا كبيرا منهم لا يهتمون للغة العربية الفصحى ويفضلون ان تصل اليهم المعلومة بطريقة مبسطة، ولكن هذا لا يعني ان هذه النشرة هي على حساب النشرات الاخبارية الاخرى، فهناك ثلاث نشرات اخبار اساسية موجهة لكل المواطنين يمكنهم متابعتها”.
أما معلوف فيقول أن “الأمر ليس جديداً على العمل الاعلامي، لكنه اسلوب لم يستمر في الماضي لاسباب عدة واعتقد انه لن يستمر اليوم للاسباب عينها وابرزها ان المحكية اللبنانية ذات لهجات عدة تختلف من منطقة الى اخرى، ناهيك ان التعبير بالمحكية لا يتناسب والخبر او التقرير السياسي الذي يتطلب دقة في التعبير واسقاط الكلمة المناسبة في مكانها بما لا يؤدي الى تأويل او ابهام في المعاني وهو ما لا توفّره المحكية وما تؤمنه العربية الفصحى شرط اتقان الاعلاميين حدها الادنى بالطبع، من دون ان نغفل ان لجوء البعض الى المحكية سببه بالتاكيد جهل اللغة الفصحى حتى بتراكيبها ومفرداتها البسيطة وتشكيل الفعل والفاعل والمفعول به، وفي هذه الحالة وبانتظار ان تستعيد مهنتنا تألقها ويستعيد زملاؤنا الحد الادنى من اتقان اللغة الام، لا بأس من استخدام العامية البيضاء في بعض المواد الاعلامية فذلك أرحم للغة ولآذاننا”.