كتب فؤاد أبو زيد في صحيفة “الديار”:
دعوة المواطنين الى انتخاب مجلس نيابي جديد في 21 ايار المقبل، التي وقّعها وزير الداخلية نهاد المشنوق ووافق عليها رئيس الحكومة سعد الحريري، ورفعها الى رئيس الجمهورية لتوقيعها، اغلب الظن ان الرئيس ميشال عون قد وضعها في درجه، لسببين اثنين، الأول ان عون يرفض اجراء انتخابات نيابية على اساس ما يسمّى بقانون الستين المعدّل، والثاني ان دعوة المشنوق قرّبت موعد اجراء الانتخابات شهراً كاملاً، لأنّ شهر رمضان الهجري يصادف شهر حزيران الميلادي، ومن المتعذّر اجراء الانتخابات في شهر يصوم فيه المسلمون، ولكن هذه المصادفة ضيّقت المهلة التي تفصل بين الدعوة وبين موعد اجراء الانتخابات، واضافت مشكلة جديدة الى المشاكل التي ترافق التفتيش عن قانون جديد للانتخابات، يحلّ محلّ قانون الستين النافذ.
المعلومات التي تتسرّب من قصر بعبدا، تشير الى أنّ الرئيس عون، في محاولة منه لاختراق الخلاف القائم بين الاحزاب والكتل البرلمانية والطوائف والمذاهب، قد يدعو الى طاولة حوار في بعبدا محددة بمهلة معيّنة للخروج بقانون جديد، او يدعو مجلس النواب الى مناقشة مشاريع القوانين الموجودة لديه، واقرار المشروع الذي تتفق عليه اكثرية النواب، وفق ما ينصّ عليه الدستور، ولم يعرف حتى اليوم لماذا ينفض مجلس الوزراء يديه من درس واقرار مشروع قانون للانتخابات النيابية واحالته على مجلس النواب.
صورة الوضع اللبناني اليوم تظهر أنّ الايام المقبلة، ليست أياماً مشرقة، تبعاً للحالة الأمنية والاقتصادية والسياسية والطائفية المأزومة التي تمرّ بها البلاد، ولا تتم مع الأسف معالجتها بالجدّية اللازمة، من معظم القيادات السياسية، واغلب الظن أن قانون الانتخاب قد يكون السبب في تفجير العديد من المشاكل المختلف عليها وطنياً وسياسياً، ودستورياً، لأن تعمّد تفسير الدستور، تفسيراً خاصاً خاطئاً، يعكس نيّات مبيّتة لن تمرّ بسهولة او بسلام، فعندما تشير المادة 24 من الدستور الى ان توزيع المقاعد النيابية يتم بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، لا يمكن عندها ان تضع الطوائف غير المسيحية يدها على 40 مقعداً من اصل 64 مقعداً مسيحياً، الاّ اذا كانت الطوائف الاسلامية تعتقد ان المسيحيين لا يشكّلون عددياً نصف عدد اللبنانيين، ولا يحق لهم هذا العدد، وهذا برأيي أمر مشروع ومن حقهم، ولكن عندها يجب الجهر بهذا الموقف ووقف التمنين بالمناصفة ووقف العدّ، والدعوة الصريحة الى تعديل الدستور، على أن يتضمّن إعطاء المسيحيين حق تقرير مصيرهم، علماً بأنّ المسيحيين، حتى ولو كانوا لا يشكّلون سوى 40 بالمئة من عدد اللبنانيين، يحق لهم 52 نائباً، يفترض ان لا يشاركهم فيهم أحد.
اذا كان المسلمون يرغبون حقاً بالمناصفة وبوقف العدّ، فإنّ مشروع القانون المسمّى بالارثوذكسي، هو السبيل الوحيد للخروج من الازمة الصعبة التي يعيشها لبنان، والوحيد القادر على تثبيت صيغة العيش المشترك وفق المعطيات الآتية:
هناك مسيحيون، لا تعرف اعدادهم تماماً، يرتبطون تنظيمياً او عاطفياً او مصلحياً، بأحزاب غير مسلمة، وقد يشكّل هؤلاء بين 20 و30 بالمئة من عدد المقترعين المسيحيين، وهم اذا تكتلوا في لائحة مقفلة في انتخابات وفق القانون الارثوذكسي النسبي، قد يفوزون بعدد من المقاعد لا يقلّ عن الستة عشر مقعداً، وبذلك يتأمّن الانصهار الوطني ولو مرحلياً، لأن اللبنانيين المؤمنين بلبنان الواحد، وبصيغة العيش المشترك، يحلمون ويعملون للوصول الى الدولة المدنية غير الطائفية، والتخلّص من مضمون نص المادة التاسعة من الفصل الثاني من الدستور التي تنص على أنّ الدولة “تضمن للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الاحوال الشخصية والمصالح الدينية”.
نريد دولة تحترم وتصون وتطبق القوانين والانظمة المدنية، غير الطائفية والمذهبية، وتضمن حرّية العبادة وممارسة الطقوس ليس الاّ.
اللبنانيون اليوم أمام مفترق وفرصة سانحة لأخذ القرارات الجريئة، بديلاً من الانتحار في حرائق الطائفية، ولكن بخلاف ذلك، تعالوا ننظّم أوضاعنا باحترام حقوق الجميع.