Site icon IMLebanon

ماذا لو… كنا نعلم؟! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

في عز التناتش وشد الحبال لإقرار موازنة عقيمة خالية من أي رؤية اقتصادية ومثقلة بسلسلة ضرائب ورسوم من دونها لن تُبصر سلسلة الرتب والرواتب النور، وقد لا تُبصر النور معها أيضاً، وفي عز الحديث عن رفع رسوم الكهرباء في غياب التيار الكهربائي بعد 27 سنة على انتهاء الحرب، رغم أن عجز الموازنة بسبب قطاع الكهرباء فاق الـ30 مليار دولار، وفي عز أزمات السير الخانقة وعجز الدولة عن توسيع أوتوستراد من هنا أو بناء جسر من هناك، في عزّ كل تلك الأزمات وغيرها التي لا مجال لتعدادها، نسمع من لبنان تهديدات لـ”العدو الإسرائيلي”!

يُحكى عن سيناريوهات عدة، من أن “الحرب المؤجلة” بين إسرائيل و”حزب الله” آتية لا محالة وصولاً إلى تسريبات إسرائيلية بأن لا حرب في الأفق، ونحن المواطنون العاديون نسأل… ماذا لو؟!

ماذا لو اندلعت الحرب لا سمح الله؟ كلبنانية لا يعنيني ما سيحصل لإسرائيل، ولا إن تمكّن “حزب الله” من تدمير نصف مدنها. ما يعنيني كلبنانية هو ما سيحصل للبنان. أقول ذلك ليس من باب الخوف على الإطلاق، بل من باب الحرص على إمكانية صمودنا كلبنانيين أولا، مع كل ما تقتضيه مقومات الصمود، ومن باب الحرص على إمكانية إعادة النهوض والإعمار بعد الحرب إن وقعت، وأكرّر لا سمح الله!

أولاً ماذا عن إمكانية الصمود؟

الثابت حتى اليوم أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وعلى الأقل منذ انتهاء حرب تموز 2006 وحتى اليوم لم تعتمد أي رؤية لاحتمال وقوع حرب جديدة مع إسرائيل، فلم تبنِ الملاجئ المحصنة للمدنيين، لا في الجنوب والبقاع الغربي ولا في أي منطقة لبنانية. لم يتم تجهيز المستشفيات القائمة لمثل هذا السيناريو، كما أننا لا نملك القدرة على إنشاء مستشفيات ميدانية. وكذلك لم يتم اعتماد أي خطة وقائية لتخزين المواد الضرورية من المواد التموينية إلى المحروقات وغيرها لتأمين مقومات الصمود لأشهر في حال فرضت العدو الحصار على موانئنا ومطارنا. والأهم أن الدولة اللبنانية ليست في أفضل حالاتها لناحية علاقاتها الدبلوماسية العربية والدولية لتأمين الالتفاف الدبلوماسي العربي والدولي لمساندتنا في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية في حالة تعرضنا لعدوان لا سمح الله.

ثانياً ماذا عن إمكانية إعادة النهوض والإعمار؟

بحسب تقديرات المصرف المركزي اللبناني يكاد يبلغ الدين العام 80 مليار دولار، وهو في ارتفاع مطّرد. والحكومة اللبنانية تعجز عن إيجاد الحلول بفعل استفحال الفساد وعدم قدرتها على القيام بالإصلاحات اللازمة لمواجهته من جهة، وعدم قدرة اللبنانيين على تحمّل المزيد من الرسوم والضرائب من جهة ثانية. وبالتالي فإن الخزينة اللبنانية عاجزة عن تحمّل كلفة أي إعادة إعمار نتيجة أي حرب، واللبنانييون عاجزون عن دفع كلفة إعادة الإعمار من جيوبهم. وفي الوقت نفسه لن نتمكن من التعويل على الدول الخليجية التي تولّت إعادة الإعمار والبناء بعد حرب الـ2006 للقيام بذلك مجدداً، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة التي تطالها سهام الأمين العام لـ”حزب الله” بشكل دائم، إضافة إلى انهماك هذه الدول بأعباء نتيجة حرب اليمن وتراجع أسعار النفط ما اضطرها إلى اعتماد سياسات تقشفية واضحة. لا بل إننا لن نجد من يضع الودائع المالية في المصرف المركزي في حالة الحرب ما يمكن أن يهدد العملة الوطنية، ويسبب لا سمح الله بالانهيار الكامل.

ولن أضيف إلى كل ما تقدّم واقع الاحتقان الشيعي- السني بسبب مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير أهل الجنوب والبقاع لا سمح الله في أي حرب، بعد أن كانوا في الـ2006 نزحوا إلى بيروت والشمال وسوريا!

في اختصار، وبعد تجربة الـ2006 وكل ما مررنا ونمر به، علينا أن نكون أكثر حذراً وواقعية وأن نبتعد عن المغالاة والعنتريات التي لا تغني ولا تُسمن، لأننا لا نستطيع اليوم أن نكرّر مقولة “لو كنت أعلم” لأننا والحق يُقال نعلم، ونعلم جيداً!