Site icon IMLebanon

قانون “الوصول إلى المعلومات”: حقٌّ معلّق ومُجتزَأ

 

كتبت هديل فرفور في “الديار”:

“في توجّه غير مسبوق، أناط القانون مهمة أساسية في سياق تنفيذه بهيئة غير موجودة”. يختصر هذا التعليق الذي نشرته “المُفكرة القانونية” تعقيباً على إصدار مجلس النواب اللبناني في 19/1/2017، “العلّة” الأبرز التي تكمن في خفايا القانون المُندرج ضمن قوانين “مكافحة الفساد”.

حينها، أرادت “المُفكّرة” أن تقول إن القانون الذي يترافق مع آليات تنفيذية “غير فعالة”، يحتوي على الكثير من “الفخاخ” الواجب التحذير منها، مُفرملةً بذلك احتفاء الكثير من الناشطين الذين هللوا لإقرار القانون الذي طال انتظاره.

وكان خمسة نواب قد تقدّموا باقتراح القانون، هم: إسماعيل سكريّة، ياسين جابر، عبدالله حنا، غسان مخيبر وجواد بولس، وذلك في نيسان 2009، ووضع على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل عام 2012 ليتم إقراره في نيسان عام 2013. تم طرح القانون للنقاش في الهيئة العامة لمجلس النواب للمصادقة عليه في 2/4/2014، وأُمهل رئيس الحكومة السابق تمام سلام مدة شهر لدراسته، لكنه تم “تنويمه” في الأدراج ولم يعد الى جدول أعمال المجلس إلا في جلسته التشريعية الثانية التي عُقدت في الشهر الماضي.

تحذير البعض من تصوير القانون كـ”إنجاز” على طريق مكافحة الفساد، ينطلق من اعتبار هؤلاء أن بعض البنود التي دُسّت تُلغي بطبيعتها “روحية” القانون القائمة على الاعتراف للأفراد بحقهم في الاطلاع على معلومات الإدارة ومستنداتها، وبالتالي تعزيز الشفافية وتفعيل مبادئ المحاسبة وغيرها. أبرز هذه البنود، وأكثرها “مُفارقةً”، تلك المتعلقة بربط تنفيذ القانون بهيئة إدارية غير موجودة، نص اقتراح قانون على إيجادها وهو لم يقرّ في المجلس النيابي وقد لا يقر.

المُقاضاة أمام هيئة غير موجودة: القانون يبقى مُعلقاً؟

تُشير المادة 19 من القانون، والمتعلّقة بـ”رفض الوصول الى المعلومات”، الى أنه يجب على صاحب العلاقة الذي رُفض طلب وصوله الى المعلومات، مراجعة “الهيئة الإدارية المُستقلّة المحدّدة في قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”. وبحسب المادة 22 من القانون، تتولى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مهمات تسلّم الشكاوى المتعلّقة بتطبيق أحكام القانون والتحقيق فيها وإصدار قرارات بشأنها (..)، إبداء المشورة للسلطات المختصة بشأن كل مسألة تتعلّق بتطبيق أحكام القانون وغيرها من المهمات الأخرى. المُفارقة تكمن في أن المقصود بالهيئة الإدارية المذكورة تلك التي نص عليها اقتراح قانون مكافحة الفساد في القطاع العام. هذا الاقتراح لم يُقرّ بعد! بمعنى آخر، لا وجود لهذه الهيئة ما لم يقرّ مجلس النواب هذا الاقتراح.

ترى “المُفكرة القانونية” في هذا الأمر “عيباً يُخشى من أن يُستخدم كذريعة لتعطيله”، وتتساءل حول الجهة المُختصة بتلقي الشكاوى، في ظل غياب هذه الهيئة، وعمّا إذا كان مجلس شورى الدولة سيقبل الشكوى المباشرة للمتضرّر، أم سيعتبر لجوءه إلى الهيئة الإداريّة غير الموجودة شرطاً وجوبيّاً قبل اللجوء إلى المجلس؟ اللافت هو ما تخلص إليه “المُفكرة القانونية” وهو أن هذا التفسير (اعتبار لجوء المتضرر الى الهيئة الإدارية ضرورياً قبل اللجوء الى مجلس شورى الدولة) “يؤدّي إلى نتيجة عبثيّة قوامها اعتبار القانون معلّقاً جزئيّاً على صدور قانون آخر هو قانون إنشاء الهيئة المستقلة”.

من جهة أُخرى، ثمة خلل يُرسيه غياب هذه الهيئة؛ يتمثّل بغياب “الضمانات” لتنفيذه، عبر تغييب مبدأ “الردع” وإمكانية محاسبة المؤسسات الرافضة لتطبيق القانون. بمعنى آخر، لا يمكن فرض عقوبات على الإدارات إذا أخلّت الأخيرة بالنص القانوني، طالما أن آلية المُقاضاة غير مُكتملة.

في حين يرى الوزير السابق زياد بارود أن الربط بين إنشاء الهيئة والقانون ليس حُكمياً، بمعنى لا يمكن اعتبار القانون غير نافذ نتيجة عدم إقرار الهيئة، مُقرّاً بأن عدم إقرار الأخيرة من شأنه أن يجعل القانون “أقل فعالية”. ويُضيف بارود إن الإدارات التي ستمتنع عن إعطاء المعلومات هي حكماً “تُعدّ مخالفة للقانون، ولا يمكن التذرع بعدم إقرارها لعدم تنفيذه”. ويشير مصدر قضائي في هذا الصدد الى صلاحية مجلس الشورى كمرجع للشكوى من القرارات الإدارية، في إشارة الى عدم اتخاذ تعليق إنشاء الهيئة ذريعة تحول دون تنفيذ القانون. هذا الكلام يتوافق وما يقوله نائب رئيس “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية” مصباح مجذوب الذي يُشير الى أن القانون “نافذ حكماً، ولا ربط بالهيئة الإدارية بمسألة نفاذ القانون”. برأيه، أن المؤسسات باتت مُلزمة بالتقيّد بالقانون من تاريخ إقراره في مجلس النواب. ماذا لو رفضت المؤسسات التقيّد به؟ يقول مجذوب إن المتضرر يستطيع اللجوء الى قاضي الأمور المُستعجلة أو إلى مجلس شورى الدولة لمقاضاة المؤسسة. يقول مجذوب إن الصيغ التي أُقر فيها القانون ليست “الأمثل”، لكن “لا بأس بها، إذ تُمهّد لخطوات لتعزيز الشفافية. يتخوّف مصدر قانوني في هذا الصدد من “البلبلة” التي سيخلقها تنفيذ القانون عبر “اختلاف الاجتهادات التي ستصدر في هذا الصدد بين القضاة الذين سيختلفون في تفسير الحكم في ظل غياب الهيئة الإدارية”.

استثناء المحاكم الطائفية و”المصالح المالية والاقتصادية” للدولة

تنص المادة 12 من القانون على إعفاء سبع حالات من موجب تعليل القرارات الإدارية غير التنظيمية؛ وهي: “أثناء قيام حالة الطوارئ، الظروف الاستثنائية المتمثلة في حالات الخطر الدائم التي تهدد عمل المؤسسات، أسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، إدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السري، حياة الأفراد الخاصة وصحتهم العقلية والجسدية، الأسرار التي يحميها القانون كالسر المهني أو السر التجاري، وأخيراً “ما ينال من المصالح المالية والاقتصادية للدولة وسلامة العملة الوطنية”. هذا الاستثناء يُعدّ “خطيراً” برأي “المُفكّرة” التي تُلمّح الى القول بأن المُشرّع اللبناني اعتمد موازنة مغلوطة بين المصالح الاجتماعية أو “استغل هذا القانون لمنع الوصول إلى معلوماتٍ تسمح المواثيق الدوليّة بالوصول إليها”.

يرى مجذوب أن الهدف من القانون ليس “زعزعة الاقتصاد بالتأكيد”، لافتاً الى أن الغاية منه تتمثّل بإقرار حق الرأي العام في الاطلاع على عقود الشركات الكبرى والمناقصات “الضخمة”، ومُشيراً الى “انتظار المراسيم التطبيقية التي تكون فاصلاً في هذا المجال من حيث تقديم شروحات مفصلة حول هذه الحالات”.

المُفارقة أن القانون “أعفى” المحاكم الطائفية واستثناها ومنع حق الوصول الى المُستندات المتعلّقة بها. وإذا كان الحفاظ على سرية “الأحوال الشخصية” هو الحجّة، فإن هذه الذريعة تسقط نظراً إلى أن المادة الرابعة من القانون لحظت الحفاظ على “الملفات الشخصية” والتي تندرج ضمنها قيود الأحوال الشخصية والملفات التي تتضمن أنواع المعلومات المتعلقة بالشخص الطبيعي، ما يعني أن القانون جاء ليُعزّز “حصانة” هذه المحاكم ووضع في المرتبة الأعلى من باقي الهيئات والمحاكم ذات الطابع القضائي أو التحكيمي، بما فيها المحاكم العدلية والإدارية والمالية.

في هذا الوقت، تطرح “المُفكرة”، “معضلة” أخرى في القانون تتمثّل بتجنب القانون إشكاليّة سريّة عمل اللجان النيابيّة غير المبررة، ليبقي المحاضر السريّة ضمن المعلومات التي يمنع الوصول إليها؛ وأضافت “المُفكّرة” في هذا الصدد: “من المؤسف أيضاً أنه أعلن سريّة الآراء الاستشاريّة لمجلس شورى الدولة، وما يزيد الأمر قابليةً للانتقاد هو أنّ القانون اللبنانيّ اعتبر منع الوصول إلى المعلومات المستثناة مطلقاً”.

أيّ معلومات؟ ومن أيّ إدارات؟

بحسب المادة الأولى، يحق لكل شخص، طبيعي أو معنوي، الوصول الى المعلومات والمُستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها، مع مراعاة عدم الإساءة في استعمال الحق. يُقصد بـ”الإدارة”: الدولة وإداراتها العامة، المؤسسات العامة، الهيئات الإدارية المُستقلة، المحاكم والهيئات والمجالس ذات الطابع التحكيمي أو القضائي العادية والاستثنائية، بما فيها المحاكم العدلية والإدارية والمالية دون المحاكم الطائفية، البلديات واتحادات البلديات، المؤسسات والشركات الخاصة المُكلفة بإدارة مرفق أو ملك عام، المؤسسات ذات المنفعة العامة، سائر أشخاص القانون العام، الهيئات الناظمة للقطاعات والامتيازات. أما المُستندات الإدارية، فهي تشمل المُستندات (الخطية والإلكترونية والصوتية والمرئية والبصرية والقابلة للقراءة بصورة آلية مهما كان شكلها) التي تحتفظ بها الإدارة، كالملفات والإحصائيات والمحاضر والأوامر والتعليمات والمذكرات والقرارات والعقود ووثائق المحفوظات الوطنية.

في ما يتعلّق بالمستندات الإدارية المتعلقة بمعلومات ذات طابع شخصي، يحق لصاحب العلاقة دون سواه الوصول الى الملفات الشخصية وأي تقرير تقييمي يتعلّق بشخص طبيعي مُشار إليه بالاسم أو برقم ترفيعي أو برمز أو بصورة (..). ويحق لصاحب العلاقة الطلب لتصحيح أو إكمال أو تحديث أو محو المعلومات الشخصية المتعلقة به غير الصحيحة أو الناقصة أو الملتبسة أو القديمة والتي يكون من الممنوع جمعها أو استعمالها أو تبادلها أو حفظها. لا يمكن الوصول الى المعلومات المتعلقة بأسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، إدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السري، ما ينال من المصالح المالية والاقتصادية وسلامة العملة الوطنية، حياة الأفراد الخاصة وصحتهم العقلية والجسدية، الأسرار التي يحميها القانون كالسر المهني أو السر التجاري. كذلك منع القانون الاطلاع على وقائع التحقيقات قبل تلاوتها في جلسة علنية والمحاكمات السرية والمحاكمات التي تتعلّق بالأحداث وبالأحوال الشخصية ومحاضر الجلسات السرية لمجلس النواب أو لجانه ما لم يُقرر خلاف ذلك ومداولات مجلس الوزراء ومقرراته التي يعطيها الطابع السري والآراء الصادرة عن مجلس شورى الدولة إلا من قبل أصحاب العلاقة في إطار مراجعة قضائية.

يُقدّم طلب الحصول على المعلومات بشكل خطي إلى الإدارة التي تكون المعلومة في حوزتها؛ وعلى مُقدّم الطلب أن يتخذ مكان إقامة مختاراً يعلم به الإدارة فور تقديمه الطلب. وعلى الموظف المُكلّف أن يضع سجلاً بالطلبات المُقدمة وأن يعطي فور تسلمه الطلب إشعاراً لمن تقدم بالطلب يُبين فيه تاريخ تقديم الطلب ونوع المعلومة المطلوبة والفترة اللازمة للرد على الطلب. على الموظف أن يرد على الطلب خلال 15 يوماً من تاريخ تقديمه، ويجوز تمديد هذه الفترة لمرة واحدة ولا تزيد على 15 يوماً.

الوصول الى المستندات الإدارية يتم مجاناً في مكان وجودها ما لم تحل دون ذلك أسباب المحافظة المادية على المستند. إن حصول صاحب العلاقة على صورة أو نسخة عن المستند المطلوب يتم على نفقته (لا تتجاوز هذه النفقة كلفة الاستنساخ أو التصوير أو تلك المحددة قانوناً). وإذا كان المستند إلكترونياً أو تسجيلاً صوتياً أو مرئياً يمكن لصاحب العلاقة أن يطلب على نفقته نسخة مطبوعة أو تسجيلاً صوتياً أو مرئياً أو إلكترونياً عنه. ويمكن أن يرسل المستند الإلكتروني مجاناً الى صاحب العلاقة عبر البريد الإلكتروني.

نشر تفاصيل صرف الأموال العمومية

تحت عنوان “المُستندات الواجب نشرها”، تنص المادة السابعة من القانون على وجوب نشر “جميع العمليات التي بموجبها يتم دفع أموال عمومية تزيد على خمسة ملايين ليرة لبنانية، وذلك خلال شهر من تاريخ إتمامها أو إتمام أحد أقساطها”، على أن يتضمّن النشر قيمة عملية الصرف وكيفية الدفع والغاية منه والجهة المُستفيدة والسند القانوني الذي بموجبه جرى الصرف (مناقصة أو تنفيذ حكم قضائي أو غيره)، على أن تستثنى من أحكام هذه المادة رواتب الموظفين وتعويضاتهم. ويقول مجذوب إن تحديد الحد الأدنى قد يدفع الإدارة الى “التحايل” عبر تقسيم العمليات المالية، لافتاً الى أنه كان من المفترض أن لا يتم تحديد سقف محدد لنشر هذه العمليات.