كتب بسّام أبو زيد
ليست “القوات اللبنانية” وتحديدا رئيسها الدكتور سمير جعجع أول من طرح خصخصة إنتاج الطاقة الكهربائية، بل إن هذا الأمر تحدث عنه كثيرون في السنوات الماضية وأيضا من باب توفير أموال على الخزينة، وتقليص العجز في مؤسسة كهرباء لبنان والذي وصل في العام الماضي إلى 962 مليون دولار، في حين كان يصل إلى حدود الملياري دولار في الأعوام السابقة، والتراجع في الـ2016 كان فقط بسبب تراجع أسعار النفط عالميا.
وعلى الرغم من إعادة طرح “القوات” لهذا الموضوع، وجعله ورقة ضغط كشرط للموافقة على مشروع الموازنة، لم يتحرك أحد باتجاه ترجمة فعلية لخصخصة الانتاج، بل إن التحرك كان باتجاه انتقاد “القوات” على موقفها وكأن المشكلة أصبحت في الطرح وليس في حرمان اللبنانيين من التيار الكهربائي، وتوفير موارد للخزينة لتستخدم أولا في تمويل سلسلة الرتب والرواتب عوض الإقدام على فرض ضرائب ورسوم جديدة.
إن خصخصة إنتاج الكهرباء أمر متاح من الناحية القانونية، ولكنه حتى الساعة يبدو غير متاح من الناحية السياسية ومن ناحية الاستفادة المالية غير الشرعية. فالخصخصة بحسب المفهوم اللبناني تعني أولا أن يتم تقاسم حصص محطات توليد الطاقة الكهربائية بين الجهات السياسية صاحبة النفوذ فوق الأراضي اللبنانية. والخصخصة وفق المفهوم اللبناني تعني إذا نجحت إقفال سوق المولدات الكهربائية، وهي سوق تشبه المافيا، إذ إن القضاء عليها لمصلحة معامل إنتاج خاصة، أي القضاء على مصدر مالي كبير لأصحاب هذه المولدات، كما يعني القضاء على بيع كميات كبيرة من المازوت لهذه المولدات، فهل في ذلك مصلحة لشركات المحروقات ومن وراءها؟
إذا، وبانتظار تقاسم حصص الخصخصة والاتفاق على إيجاد حل لأصحاب المولدات وسد أبواب الهدر والاستفادة في مشاريع مؤسسة كهرباء لبنان، لن ترى خصخصة الإنتاج النور، ولن يرى اللبنانيون التيار الكهربائي على مدى 24 وعشرين ساعة متواصلة. وأبلغ دليل على ذلك أن معملا لإنتاج الطاقة الكهربائية كان يفترض أن ينشأ منذ العام 2010 في منطقة دير عمار وأن يبدأ الإنتاج في العام 2015 بكلفة تصل إلى 500 مليون دولار، إلا أنه حتى اليوم لم يوضع حجر الأساس لهذا المعمل، والسبب خلاف بين وزارتي الطاقة والمال حول ما إذا كانت الكلفة تتضمن الضريبة على القيمة المضافة وهي بقيمة 50 مليون دولار.
والأنكى في هذا الموضوع أن التأخير في بدء تنفيذ هذا المعمل سنوات بسبب الخلاف بين وزارتين، أجبر الشركة المتعهدة إلى اللجوء لتطبيق البنود الجزائية في العقد، ما قد يرتب على الدولة اللبنانية بسبب الخلاف بين الوزارتين دفع غرامات تأخير بعشرات ملايين الدولارات من الخزينة الدولة.
القصة لا تتوقف هنا، بل إن أغرب ما فيها أن الشركة المتعهدة استقدمت محركات هذا المعمل ووضعتها في الأرض المخصصة لبنائه، ولما طال الأمر ولم يصبح المعمل حقيقة إضطرت الشركة لبيع المحركات لمشروع في دولة أخرى.
يحكى أن مسؤولا لبنانيا زار مسؤولا أجنبيا في قصره الفخم فسأله من أين لك هذا، ففتح المسؤول الأجنبي نافذة في قصره وأشار لضيفه اللبناني إلى اتوستراد يمر بالقرب من القصر وقال له: ما جنيته هو من تنفيذ هذا الاوتوستراد. وبعد فترة من الزمن زار هذا المسؤول الأجنبي المسؤول اللبناني في قصره في لبنان وسأله من أين لك هذا؟ ففتح المسؤول نافذة في قصره وقال لضيفه: من تنفيذ هذا الاتوستراد. فرد المسؤول الأجنبي قائلا عن أي اتوستراد تتحدث فأنا لا أرى أنه موجود.