كتب حسان حيدر في صحيفة “الحياة”:
بالتأكيد، لن يستسيغ “حزب الله” الذي يديره “الحرس الثوري” دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الضحك بدلاً من البكاء، فيما هو يرفع شعار “كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء”، في تعميم لحال “الإبكاء” التي يفرضها في مناطق نفوذه، لتسري على اللبنانيين أجمعين، وتوسيع نطاقها لتشمل ما تيسر له من أرض سورية.
روحاني تساءل في معرض انتقاده المحافظين الذين ينوون استبداله برئيس جديد في أيار المقبل، لماذا يرفض منافسوه أن “يتمتع الإيرانيون بمباهج الحياة، وكيف أن البكاء مهما بلغت مستوياته حلال، فيما الضحك والنشاط حرام؟”.
لكن للحزب رأياً آخر. فهو يعتقد، على غرار المتشددين كافة، أن الفرح والسرور لا يتناسبان مع فكرة “المقاومة والجهاد” التي لا يمكن أن تستقيم سوى في أجواء من الحزن والعبوس والحداد والموت والانتحار، لذا يحظر أي احتفال في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية بغير “أعياده” التي تقتصر على التذكير بالحروب والتهجير وسائر المآسي، مثل “يوم الشهيد” و “يوم المقاومة” و “عيد التحرير”، فيمنع الحفلات الغنائية، وينكر حتى على السكان المسيحيين في القرى الجنوبية الاحتفال بمناسباتهم خوف انتقال “عدوى السعادة” إلى جمهوره.
وقبل نحو ثلاثة أشهر، منعت هيئة “التعبئة التربوية” التابعة له طلاباً جامعيين في العاصمة بيروت كانوا يحتفلون بذكرى صديق لهم، من الاستماع إلى أغاني فيروز لما قد تسببه من “انشراح” قد يلهي مناصريه عن مهمتهم الجليلة: الندب الدائم تمهيداً لتحرير مزارع شبعا.
لكن “قيَم المقاومة” التي يقول الحزب إنه يدافع عنها ويحافظ عليها، لم تعد موجودة سوى في خطابات أمينه العام وتصريحات قادته ووزرائه ونوابه. فالحزب تحول عملياً في الجنوب اللبناني إلى حارس لحدود إسرائيل بموجب اتفاقات أبرمها وشكلت أساس قرار مجلس الأمن 1701، قبل أن تُسدى إليه وظيفة جديدة هي “تحرير” سورية من شعبها، لتظل ملائمة لحكم آل الأسد.
ولا تقنع أحداً التهديداتُ الأخيرة التي أطلقها نصرالله بقصف مفاعل ديمونا وخزانات كيماوية في حيفا، لأنها تندرج فقط في إطار التفاوض الإيراني مع الإدارة الأميركية الجديدة: التلويح بحرب مع إسرائيل للإبقاء على الوضع القائم، بما يتيح استمرار التنعّم بمكاسب الاتفاق النووي والتحايل على العقوبات المتبقية.
وإسرائيل نفسها تدرك مدى التزام “حزب الله” بالتفاهم الحدودي، ومدى مثالية الوضع في جنوب لبنان بالنسبة إليها، حتى أن رئيس وزرائها نتانياهو دعا قبل أيام إلى نقل هذه التجربة إلى قطاع غزة، مطالباً بنشر قوات دولية هناك لإرساء هدوء مماثل وإغلاق الجبهة مع حركة “حماس”.
ذلك أن عداء إيران الصُوري لإسرائيل لا غرض له سوى المزايدة على العرب، بمن فيهم أصحاب القضية أنفسهم، وإقامة مهرجانات عن فلسطين معظم خطبائها ممن تلوثت أيديهم بالدم الفلسطيني.
ويذهب الحزب إلى أبعد مما ذهب إليه نتانياهو، فيدعو إلى إحياء نموذج “الشريط الحدودي” الذي كانت تقيمه إسرائيل إبان احتلال جنوب لبنان، وإنشاء شريط مماثل في سورية عند الحدود مع لبنان.
لكن ربما يكون روحاني مخطئاً. فلا شيء يُفرح في إيران التي يحكمها “الحرس” و “الباسيج” بالمعتقلات والترهيب، ولا في لبنان الذي صار رئيسه ناطقاً باسم “حزب الله”، يدافع عن سلاحه وشططه.
غير أنه في حال قرر المرشد تمديد فترة رضاه عن روحاني وإعادة “انتخابه” رئيساً، ربما يضطر “حزب الله” إلى مراعاة رغبته والنظر في دعوة الرئيس، وقد يجرب توزيع بعض “الحبوب” التي يتهم بتصنيعها وتهريبها إلى دول الخليج، على أعضائه وأنصاره ومريديه، لعلها تخفف عبوسهم قليلاً وتخفف عمّن يُبكونهم في طريقهم.