Site icon IMLebanon

“التيار” يطوي صفحة “الحرب الباردة” مع “أمل”

كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:

ينكب رئيس “التيار الوطني الحر” في لبنان وزير الخارجية جبران باسيل، والمعاون السياسي لرئيس حركة “أمل” وزير المال علي حسن خليل، منذ أشهر على إعداد “ورقة تفاهم” بين “التيار” و”الحركة” تضع حدا لـ”الحرب الباردة” المستمرة بين الطرفين منذ سنوات، والتي كان أوضح مؤشراتها رفض رئيس المجلس النيابي نبيه برّي تصويت كتلته للعماد ميشال عون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واتخاذ قرار بالاقتراع بورقة بيضاء بعدما كان يدعم رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية لرئاسة البلاد.

والواقع، أنه لطالما شكلت العلاقة المتوترة بين الطرفين (عون وبرّي) مصدر قلق لحليفهما المشترك “حزب الله” الذي كان يحاول طوال الفترة الماضية لعب دور “الوسيط” بينهما، وفي معظم الأوقات دور “الإطفائي” لمنع تداعي فريق 8 آذار بالكامل. وهذا، رغم إصرار التيار الوطني الحر (التيار العوني) على رفض تصنيف نفسه جزءا من هذا الفريق.

الاجتماعات بين باسيل وحسن خليل كانت قد قبل الانتخابات الرئاسية واستكملت بعدها. وتقول مصادر مطلعة على المشاورات، إن الاجتماعات أوشكت أن تنتهي إلى “مسودة” تضم الخطوط العريضة المتفق عليها بين الطرفين، وبالتحديد، في شأن إدارة الدولة وممارسة السلطة، باعتبار أن الملفات الاستراتيجية متفق عليها بوقت سابق بين الطرفين وهي التي تشكل الأرضية المشتركة مع “حزب الله”. وتشير المصادر في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن الورقة المنتظر إعلانها قريباً تشبه إلى حد بعيد ورقة “إعلان النوايا” التي سيق للتيار توقيعها مع “القوات اللبنانية” قبيل الاستحقاق الرئاسي وتضمنت النقاط المشتركة بين الفريقين مع الإقرار بوجود بعض النقاط العالقة التي يتمايز بها كل طرف.

ماريو عون، القيادي في “التيار الوطني الحر”، والوزير السابق، قال إن التقارب الحاصل بين التيار وحركة “أمل” هو نتاج مبادرة من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لافتاً في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن الكشف عن فحوى “ورقة التفاهم” التي يعمل عليها حصرا باسيل وحسن خليل بات قريبا جدا. وأضاف عون: “البحث يتطرق بالوقت الراهن لمختلف الملفات ونسعى لأن تكون الورقة شبيهة بورقة تفاهمنا مع حزب الله، لما في ذلك من مصلحة وطنية عليا”. ثم أردف أن التفاهم لن يعني الخلف السياسي الانتخابي في كل المناطق، باعتبار أن لبعض المناطق خصوصيتها، “إلا أنه لا شك سيكون له انعكاسات كبيرة في الانتخابات النيابية المقبلة، على أن يتضح ذلك أكثر مع تحديد قانون الانتخاب الذي ستجري على أساسه هذه الانتخابات”.

جدير بالذكر أن العماد عون – الذي كان يرأس “التيار الوطني الحر” – كان قد وقّع ورقة تفاهم مع “حزب الله” في (شباط) 2006 شكّلت أساسا متينا لحلف سياسي متماسك بين الطرفين منذ حينها. كما توصل عون مع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في (كانون الثاني) 2016 لتفاهم عُرف بـ”تفاهم معراب”، شكّل الدفع الأساس باتجاه وصول عون إلى قصر بعبدا. وأنهى الطرفان من خلال هذا التفاهم سنوات طويلة من الحرب بينهما وأسسا لتحالف سياسي مسيحي لم تكتمل معالمه تماما حتى الآن، في ظل الخلافات المستمرة حول “حزب الله” وسلاحه وقتاله خارج الأراضي اللبنانية.

هذا، ومن المنتظر أن يطال اتفاق التيار – أمل، بشكل أساسي، ملفات النفط والتعيينات وقانون الانتخاب والاقتصاد وكيفية إدارة شؤون الدولة، علما بأن باسيل وبري كانا قد توصلا في وقت سابق لاتفاق نفطي ساهم إلى حد بعيد بإقرار الحكومة أخيرا المراسيم النفطية وانطلاق العمل الجدي للاستفادة من ثروات لبنان بالغاز والنفط.

ورغم أن الاتفاق المرتقب من شأنه أن يحقق المكاسب للطرفين الموقعين عليه، فإنه يصب – وفق مراقبين – أولا في مصلحة باسيل الذي نجح بتضييق رقعة الخلاف مع مختلف الأفرقاء على الساحة اللبنانية وفتح قنوات حوار مع معظمهم، وإن كانت علاقته مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط ما زالت الأقل حميمية. بل إن معارضي باسيل داخل “التيار”، الذين شكلوا حالة اعتراضية كبيرة قبل انتخاب عون رئيساً، ارتأوا “الانكفاء” حاليا والانصراف للعمل داخل “التيار” بصمت لترك مجال لإنجاح العهد الرئاسي الجديد.

وفي هذا السياق يقول أحد هؤلاء المعارضين – فضّل التكتم على هويته – لـ”الشرق الأوسط” موضحاً: “طبعاً نحن مستمرون بالتصدي لأداء باسيل الذي يسعى للاستئثار بالحزب. لكننا قررنا أن نستكمل حركتنا من الداخل بصمت، كيلا نكون حجر عثرة بوجه الرئيس عون، لأن وصوله إلى القصر الجمهوري هو ثمرة نضالنا. وبالتالي لن نساهم مع كثيرين من أخصامه بخلق تحديات هو بغنى عنها في مسيرته الإصلاحية”.