Site icon IMLebanon

هل يفعلها الحريري “حيث لا يجرؤ الآخرون”؟


كتب عماد مرمل في صحيفة “الديار”: هل يفعلها الرئيس سعد الحريري، «حيث لا يجرؤ الآخرون»؟

هل يُقدم على خطوة ثورية من نوع القبول باعتماد النسبية الكاملة على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، فلا يكتفي بأن يكون رئيس «تيار المستقبل»، بل يصبح ايضا من رموز «التغيير والاصلاح»؟

ألم يحن الوقت للتخلص من “فوبيا” النسبية الشاملة، وصولا الى مقاربتها بطريقة علمية وهادئة، بمعزل عن الافكار المعلبة والاحكام المسبقة؟

وإذا كان الحريري يفترض ان وجود السلاح بحوزة «حزب الله» لا يسمح بتكافؤ الفرص وانتظام قواعد اللعبة السياسية، فماذا لو كانت النسبية الكاملة على قاعدة الدائرة الواحدة هي في المقابل سلاحه النوعي، لا نقطة ضعفه، وفق «الخطأ الشائع» السائد؟

ومن امتلك جرأة انتخاب خصمه اللدود، ميشال عون، رئيسا للجمهورية بغية الخروج من ازمة الشغور، أليس من الأولى ان يمتلك شجاعة الموافقة على اعتماد النسبية المطلقة للخروج من ازمة النظام، علما انه في المرة الاولى بدا خاسرا بينما في المرة الثانية سيكون من الرابحين؟

يبدو الحريري في هذه المرحلة امام فرصة تاريخية لاستبدال عضويته التقليدية في نادي رؤساء الحكومات الذين يأتون ويذهبون، ببطاقة انتساب الى نادي الاصلاحيين الذين يتركون في العادة بصمات ثابتة حيث يمرون، لكن هذه النقلة تتطلب بالدرجة الاولى استبدال حسابات «المفرّق» بخيار يمتد على مساحة الوطن… وكتاب التاريخ.

وما يجب ان يساهم في تعزيز انفتاح الحريري على خيار النسبية الكاملة هو ان النظام الاكثري لم يعد يناسبه اصلا، بعدما انقلب سحره عليه، بفعل تبدل الوقائع والظروف التي سمحت له بأن يفوز بكتلة نيابية كبرى استنادا الى قانون الستين عام 2009.

ولو ان الانتخابات أجريت الآن على اساس «الستين» ذاته، فان كل المؤشرات تفيد بان رئيس «المستقبل» سيخسر بشكل اساسي في طرابلس، وسيخوض مغامرة غير مضمونة النتائج في الضنية والمنية والبقاع الغربي.

ولئن كان الحريري قد احتمل خسارة الانتخابات البلدية التي جرت قبل اشهر في طرابلس، فان اي هزيمة لاحقة له في الانتخابات النيابية ستكون وطأتها شديدة وتداعياتها قاسية، لانه ليس سهلا على رئيس الحكومة والزعيم المفترض للطائفة السنية، ان يرسب في العاصمة الثانية للبنان، والاولى للسنّة.

ومع ذلك، فان الحريري لا يزال يتردد في التصالح مع فكرة النسبية في الدائرة الواحدة، آخذا بالاعتبار ليس فقط هواجسه وانما كذلك حساسية النائب وليد جنبلاط المفرطة، حيال هذا الطرح، في التوقيت الحالي.

ويؤكد بعض زوار الحريري مؤخرا انهم لمسوا لديه انفتاحا «نسبيا» على النسبية وادراكا لحقيقة ان النظام الاكثري لم يعد مفيدا، الا انه ابدى في الوقت ذاته تفهمه لموقف جنبلاط وحرصه على الوقوف الى جانبه وعدم التخلي عنه.

وقيل للحريري، على ذمة الرواة، ان اقتراح جنبلاط بضم عاليه الى الشوف ليشكلا دائرة انتخابية واحدة، انما هو طرح لا يخدم مصلحته كليا، لانه يخفف كثيرا من مفاعيل الصوت السني في الشوف لحساب الصوت الدرزي الذي سيصبح طاغيا تحت تأثير قرابة تسعين ألف ناخب «وافد» من عاليه.

لكن الحريري، لم يكترث واجاب بما معناه: «معليش»… انا موافق على الدمج المقترح لاستحداث هذه الدائرة…

وخلافا لبعض الانطباعات التي تفتقر الى الدقة العلمية، يؤكد خبير انتخابي موثوق به، ان النسبية الشاملة على قاعدة لبنان دائرة واحدة تفيد الحريري ولا تضره بتاتا، لانها ستمنحه الفرصة لتشكيل لائحة «جارفة» وعريضة، هي اقرب الى جبهة تضم كل حلفائه واصدقائه السياسيين من الجنوب الى الشمال ومن البقاع الى الساحل، الامر الذي سيفضي في نهاية المطاف الى انبثاق تكتل نيابي وازن من هذه اللائحة، والحريري سيشكل جزءا محوريا منه.

ويشير الخبير الى ان الحريري الذي يمثل تيارا عابرا للمناطق، يستطيع بالاستناد الى تحالفاته ان يستثمر هذه الخصوصية بأفضل طريقة ممكنة من خلال الدائرة الواحدة تحديدا، مع عتبة تمثيل معينة، في حين ان تطبيق النسبية على مستوى المحافظة او الدائرة الوسطى قد لا يعطيه المردود ذاته، لان من شأن هذه المعادلة ان تفسح في المجال امام خصومه في داخل بيئته بأن يتمثلوا، بهذا القدر او ذاك.

ويلفت الخبير الانتخابي الانتباه الى ان واحدة من أهم نتائج اعتماد النسبية ضمن الدائرة الواحدة تتمثل في تذويب المتطرفين في الوعاء الواسع، وبالتالي تعطيل مفعولهم الى حد كبير، بحيث يمكن القول ان هذا النظام الانتخابي هو افضل طريقة لمواجهة التطرف وتجفيف روافده الداخلية، الامر الذي يستفيد منه رئيس «المستقبل» بالدرجة الاولى لان ظاهرة الجماعات المتشددة والتكفيرية تحاول التمدد في ساحته اساسا، على حساب ما يمثله من اعتدال سني.

ويعتبر الخبير ذاته ان النسبية الكاملة ضمن الدائرة الواحدة تؤدي الى تراجع حدة الاصطفاف الطائفي والمذهبي، وتحرض على نسج تحالفات وطنية واطلاق خطاب سياسي معتدل، وتنتج مجلسا نيابيا حقيقيا تنتظم فيه اللعبة الديموقراطية، وتسمح بتمثيل برلماني لقوى المجتمع المدني.