Site icon IMLebanon

حزب الله “يغرف” الانتصارات من “بحر”… الشعارات!

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”

في ظل غياب الأسباب المُقنعة لدخول “حزب الله” في الحرب السورية، واستبدالها بمؤثرات وروايات دينية غير خاضعة للتثبت العلمي أو التاريخي كونها تندرج بمجملها تحت عنوان “نقلاً عن” أو “يُقال”، بالإضافة إلى الإرتدادات السلبية التي انعكست على بنيته العسكرية والسياسية، وعلى جزء من علاقته بجمهوره ولو بشكل محدود، يحاول الحزب اليوم، التعويل على إنتصارات وهمية لا مكان لصرفها سوى في عقول مُطلقيها أو على ألسنة عدد من “المُحللين” السياسيين الذين يتهافتون ويتسابقون لحجز إطلالات لهم على شاشات وسائل الإعلام “الممانع” بكل أنواعها أرضية كانت أم فضائية.

حتّى اليوم، لم تمنع خطابات “النصر” ولا الشعارات الرنّانة ولا حتّى الهدن العسكرية المُعلنة منها والسريّة، ولا المؤتمرات أو اللقاءات سواء “الثنائية” أو “الثلاثية”، تدفّق النزف الحاصل في صفوف عناصر “حزب الله” الغارق في الحرب السوريّة. فمرة يبُرز الوجع نفسه كعنصر أساسي داخل بيئة “لا حول لها ولا”، سوى الإنصياع لأصحاب قوى الامر الواقع والذهاب مُرغمة إلى الموت من دون السماح لها حتّى بالتعبير عن ألمها ولا الإفصاح عن رغبتها بسلوك طريق العودة عن الخطأ، وأحياناً تتلقى البيئة المعنية بهذا الموت، معلومات تتعلق بمفاوضات مع “عدو” من المفترض أن لديهم معه ثأراً لن تمحوه الجلسات واللقاءات ولا المصالحات والمصالح، ثأر أنتجته يد إيرانية بعدما عمّقت جراحه بالفتن ولعبها على الغرائز المذهبية. كل هذا انتج عقلية جديدة في بيئة، لم تعد تشعر بأهمية وجودها ولم تعد ترى سوى طريق الموت امامها.

ويبقى الغرق في المستنقع السوري، الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على “حزب الله” وقيادته وبيئته على وجه التحديد خلال المرحلة الراهنة خصوصاً في ظل غياب قرار تحديد المصير. وهو هاجس بدأ ينعكس بشكل سلبي على نفوس مقاتلي الحزب بعدما أصبح الموت صفة يومية تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة، واللافت ان امرة عمليات قتلهم، تنتقل من منطقة إلى اخرى من دون ان تستقر في بلدة أو مدينة محددة، وهي التي كانت انتقلت من “القلمون” الى دمشق، فإدلب وبعدها حلب، واليوم في وادي بردى. علماً ان حلب وحدها، استقطبت الجزء الأكبر والأضخم من نكبات “حزب الله”، وتحديداً خلال الأشهر القليلة الماضية.

في ظل المأزق الذي يرزح “حزب الله” تحته في سوريا ومدى إنعكاسه على لبنان في أكثر من مكان واتجاه، تبرز بشكل اسبوعي الأوامر بـ “التباكي” على اليمن، على الرغم من إدراك الحزب والجهة الداعية، حجم التدخل الإيراني هناك والمخاطر التي تُحيط بالمنطقة العربية من جرّائه، لكن المفارقة الفاقعة والفاضحة، أن الدموع هذه، لم تُذرف على أطفال دوما الذين قُتلوا إماً حرقاً بفعل نيران براميل الأسد المتفجرة، أو تحت أنقاض منازلهم بعدما حوّلتها صواريخ الطائرات إلى ركام. وكذلك لم يرها العالم وهي تُذرف يوم قصفت مدفعية النظام الغوطة الشرقية بمواد كيماوية وحوّلت أجساد أطفالها ونسائها وشيوخها إلى ألواح خشبية بعد تصلّبها بفعل تنشقهم غاز “السارين”، وإلى مجرد أرقام بعدما عجز الأهالي عن تحديد أسماء الأمهات والآباء والابناء. وأيضاً لم يرفّ لعين الحزب جفن على حجم الألم والمأساة اللذين خلّفهما دخول الحلف “الممانع” الى حلب.

لم يعد البحث في أرقام أو عدد عناصر “حزب الله” الذين يسقطون في سوريا، يُجدي نفعاً بعدما أصبح السقوط في صفوفه يُعتبر أمراً شبه عادي أو “ضريبة” لا بد وأن يدفعها في سبيل تأمين وجوده وإستمراره في الداخل السوري. والمُفجع في هذا السقوط، هو ان معظم أهالي مقاتلي الحزب، كانوا اعتقدوا بعد “إنتصار” حلب، بأن حياة أبنائهم قد حُيّدت نوعاً ما عن الإستهداف، فإذا بهم يُفاجأون بأن الموت يُلاحقهم من منطقة إلى أخرى، وآخرها إدلب ووادي بردى والغوطة الشرقية. وأيضاً، ثمة من قطع الشك باليقين باستكمال “مسلسل” الموت. وبالعودة إلى المعتقدات وسياسة التعبئة وحقن النفوس التي يعتمدها الحزب ضمن سياسة التعبئة، فإن الموت في صفوفه يُعتبر حياة في دنيا الآخرة. وهذا ما صار أقصى طموحات بعض عناصره، إذ لا فرق إن كان “العدو” هو الشعب السوري أو في أي مكان آخر، فالمهم أن تُقام لهم مآتم وجنازات حاشدة وأن تمتد أياماً وليالي، على ان تتضمن عرض “الوصايا” على شاشات التلفزة.

وأيضاً، لا يتوانى “حزب الله” في حال لاحت أمامه الفرص، عن تحميل تبعات “مغامراته” للبنانيين أجمعين وليس لأبناء طائفته فقط. فبالأمس أطلّ عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق بنظرية أوحت له أن “ما بعد الموصل وحلب غير ما قبل الموصل وحلب، فنحن اليوم في مرحلة تأسيس جديدة ترسم خريطة المنطقة من العراق إلى سوريا فلبنان”. هذا الكلام جاء ليؤكد للمرّة الألف بعد المليون، أن الحزب بارع إلى حدّ يُمكن أن يصل فيه إلى مرحلة تقسيم خريطة المنطقة، على النحو الذي يرتضيه الإيراني، حتّى ولو كلّفه هذا المشروع، التضحية بثلثي الشعب اللبناني وليس ثلثي الشيعة فقط.

ما تُظهره الدراسات والتقارير التي يُقيمها أفراد ومؤسسات رسمية وغير رسميّة، يُفيد بأن الطائفة الشيعية بأكملها ومن ضمنها جمهور “حزب الله”، ما زالت تُصرّ على أن عدوّها الأبرز هو العدو الإسرائيلي، حتّى أن جزءاً غير يسير من جمهور الحزب، ما زال يعتقد ويُؤمن بأن الخطر المُحدق به، هو ليس من سوريا، بل من الحدود الجنوبية التي بدأت تتعرّض لنهب ثرواتها في البر والبحر. ويُترجم هذا الواقع بشكل يومي من خلال التهديدات المتبادلة التي تعبر أجواءهم ذهاباً وإياباً، تهديدات تُثير الرعب في قلوبهم وتدعوهم لأن يبقوا متيقظين خشية أن يُصبحوا على تشريد وتنكيل وقتل، وخوفاً من ان يتحوّلوا إلى لاجئين مرّة جديدة في وطنهم..وخارجه.