كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
لم يحتَج العاصي لارتياد الجوامع ليصبح “داعشياً”، حتى إنّه لم يلتقِ قطّ بمَن جنَّده، بل أصبح “عبداً” منصاعاً لأوامره من خلال “تويتر”، وكما العاصي، فهو يُجنّد الآلاف من الأشخاص عبر هذه الوسائل المتاحة من دون مجهود.
وفي السياق، يكشف مصدر أمني لـ”الجمهورية” الوسائلَ التي يستخدمها “الداعشيون” لاستقطاب الشبّان، إضافةً إلى الإجراءات التي يتّبعونها لاصطيادهم حتى من دون لقائهم.
وسائل صعبة الكشف
لم يمنع التضييق في الجوامع التي كانت مقصَداً للاستماع إلى فتاوى الإسلاميين والذهاب في طريق “داعش”، من ابتكار هؤلاء وسائلَ جديدة لتجنيد الشبّان، وتبيّن لهم بعدها أنّ كشفها أصعب، وهو ما دفعَ بهم الى تطويرها، خصوصاً أنه يتمّ تناقُل الملايين من الرسائل على هذه المواقع وبالتالي من الصعب رصدُها كلّها.
وبذلك، تحوّلت هذه الوسائل، السلاحَ الأول الذي يلجأ إليه الإرهابيون لتجنيد الناس وبثِّ أفكارهم، لينضمّوا بذلك الى الشبكات والمافيات المنظمة عالمياً والتي تستفيد من الإنترنت في مجالات الدعارة، التجارة بالبشر، التجارة بالأعضاء، تجارة المخدّرات، تجارة الأسلحة، أو للابتزاز المالي، فضلاً عن مئات عمليات اختراق الحسابات المالية العالمية.
إجراءات مبتكرة
منذ انطلاق تنظيم “داعش”، عَمد عناصرُه الى فتحِ مجموعة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتردّدوا كلَّ مرّة أغلِقت فيها حساباتهم في فتحِ أخرى لا تكون تحت اسمِ التنظيم مباشرةً، يبثّون من خلالها “الدعوة”، حيث يَدخل أشخاص ويطّلعون على مضمونها، خصوصاً الشباب الإسلاميون في الدول العربية وخارجها، إذ إنّ المدوّنات مترجَمة إلى لغات عدة، ففي كلّ بلد هناك متخصّصون في هذا المجال، يستدرجون الناس لسماعها وينشرون الصوَر بعد كلّ عملية لإغرائهم.
من “تويتر” إلى “الفردوس”
أبرز ما كان لافتاً في التحقيقات مع العاصي هو أنه لم يلتقِ من جنَّده قط، بل تواصَل معه عبر “تويتر”، وفي مرحلة لاحقة طُلب منه الانتقال الى “تيليغرام” كونه أكثرَ أماناً ومشفّراً مِثل “واتساب” والأحاديث فيه لا تُكشَف والتواصل عبره سرّي، وبالتالي يحتاج تحليله لوقتٍ طويل، وهذا تماماً ما حصَل مع نحو 90 في المئة من المجنّدين في الفترة الأخيرة لتنفيذ عمليات إرهابية، كما أنّه تمّ التواصل معهم قبيل العملية لإرشادهم على ما يجب أن يفعلوه.
عملية السفارة الإيرانية
قد يكون المثال الأبرز على استخدام هذه الوسائل لتجنيد الشبّان هو قيادي “كتائب عبد الله عزام” سراج الدين زريقات الذي يملك حساباً على “تويتر” يَدخله مئات الشبّان للاطّلاع على الفتاوى التي يَنشرها، ليستدرجَهم لاحقاً ويجنّدهم لأعمال إرهابية، وهو ما حدثَ في العملية الانتحارية المزدوجة التي استهدفَت السفارة الإيرانية في بئر حسن عام 2013 وأسفرَت عن سقوط 23 ضحية و146 جريحاً.
فريق متخصّص
بعد التواصل مع الشبّان “الأهداف” والأخذ والردّ مرّاتٍ عدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكما تفعل المافيات الكبرى، يتولّى فريق متخصّص في عِلم النفس تابِع للتنظيمات الإرهابية التفتيشَ عن المعلومات الخاصة بالشخص على حساباته كلّها، وبالتحديد على “فايسبوك” الذي يكشف التفاصيل النفسية والحياتية للشخص وعاداته، إضافةً إلى نقاط ضعفه وقوّته، وبَعد تحديد ما إذا كان الشخص يملك الصفات المطلوبة، يستغلّ الفريق الآخر المتخصّص في التواصل معه مكامنَ ضعفِه، وبعد التأكّد منه وضمان ولائه للتنظيم، يطلبون انتقاله الى وسيلة تواصُل أخرى مع الإبقاء على تفاعله على الموقع الأساسي تفادياً لإثارة الشكوك حول أيّ تغيّرات.
مواقع جنسية
في غالبية العمليات الإرهابية، ينقل القادةُ أوامرَهم إلى الانتحاريين من خلال هذه المواقع، ويستخدمون عادةً غرفَ دردشة في مواقع ذات طابع جنسي، يُمرّرون خلالها رسائلَ مشفّرة لا يعرفها إلّا الشخص الموجّهة إليه، وهنا الصعوبة في الرقابة وتفكيك الشيفرة إضافةً إلى الوصول الى متلقّيها، خصوصاً أنّ غرفَ الدردشة تعجّ بالمستخدمين، لذلك تصعب مراقبتُها خصوصاً في المواقع الجنسية، كذلك يستغلّون هذه الوسائل لتعليم المستخدمين كيفية تركيبِ العبوات الناسفة أو القنابل.
صوَر المواطنين وسيلة؟
أمّا الأخطر من كلّ ذلك، أنه تبيّنَ في فترة من الفترات أنّ “داعش” والتنظيمات الإرهابية تستخدم صوَراً لأشخاص عاديّين تأخذها من مواقع التواصل الاجتماعي وتربطها بملفّات تُخبَّأ ضمن الصورة، وبالتالي فإنّ أيّ إنسان عاديّ يَراها صورةً طبيعية، إنّما من يملك البرنامج الخاص بهذه “الخدعة” يمكنه قراءة هذه الملفات التي قد تتكوّن من عشرات الصفحات، وقد تتضمّن خططاً عسكرية، وخرائط وغيرَها، تُرسَل إلى الإرهابي أو إلى مجموعة معيّنة من دون أن يتكهّن أحد بما قد تتضمّنه، سوى الشخص المرسَلة إليه فقط، وهو ما يحصل في صفحات على “إنستغرام” و”فايسبوك” حيث تُستخدم صورٌ لوجوه نسائية غالبية الأحيان، منها نساء غير معروفات في المجتمع، فتستغلّها المجموعات الإرهابية لتمرير رسائل معيّنة من دون عِلم أحد.
إذاً قد يكون في المنزل، يمارس حياتَه بشكلٍ طبيعي، يرتاد الجامعَ ويصلّي كما المؤمنين الحقيقيين. قد يكون تلميذاً ناجحاً يتحدّث عن أحلامه المستقبلية ويَخرج مع أصدقائه كما يفعل دائماً. قد يكون أباً يلعب مع أولاده ويُعلّمهم كيف يصبحون مواطنين صالحين، قد يكون أحد هؤلاء، لا شكوكَ حوله ولا علامات على استعداده لدخول “الفردوس”، لكنّ وسيلة التجنيد موجودة في كلّ بيت ومع جميع المواطنين، وفي النهاية “الشاطر من يَحفظ نفسَه”.