كتب وسام ابو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
طغى تعقب أخبار «الفيديو كليب» الفاضح لعارضة الأزياء اللبنانية ميريام كلينك على أي شيء آخر في بيروت، التي بدّلت أولوياتها سريعاً، ووجدت في الحملة على كلينك وشريطها فرصة ثمينة لإظهار صلابة نادرة في وحدة المختلفين على كل شيء، من المسائل الحياتية كسلسلة الرتب والرواتب والنفايات ووقف الهدر، الى القضايا الكبرى كقانون الانتخاب وقرار السلم والحرب.
وكان لكلينك المهووسة بـ «الشهرة»، التي ادّعي عليها واستدعيت للتحقيق معها، ما أرادت، بعدما تحوّلت القضية رقم واحد على الشاشات وفي الصالونات، تماماً كما كانت سرقت الأضواء يوم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في جلسة «هرج ومرج» بسبب اقتراع نائب «مجهول» بورقة حملت إسم كلينك التي لم يرق لها هذا الاستخفاف بها.
وكاد هذا الإنشغال «الهستيري» بكلينك وشريطها أن يطمس حادثة إطلاق النار على موكب النائب من «التيار الوطني الحر» إبراهيم كنعان ليل أول من أمس في محلة الدورة شرق بيروت، إذ اقتصرت المعلومات في شأنه على طلب النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود من شعبة المعلومات في قوى الأمن إجراء التحقيقات لكشف الملابسات.
ولم يلجم هذا النزوح اللبناني نحو تكبير الظواهر الهشة، الأنباء عن نزوح 66 ألف نسمة في شمال سورية وأكثر من 45 ألفاً غرب الموصل، أو نزوح المنطقة بأسرها نحو معادلات جديدة ترتسم معالمها في المعارك على منبج وسواها، ربما لأن اللبنانيين على اختلاف أطيافهم أوكلوا – شاؤوا أو أبوا – القضايا الاستراتيجية الى «حزب الله»، الذي يقاتل في الخارج ويمسك بخيوط اللعبة في الداخل.
ولأن «الشيء بالشيء يذكر» لم ترشح أي معلومات من دوائر القرار في بيروت توحي بأن لبنان في صدد إطلاق مبادرات لتصويب العلاقة بالشرعيتين الدولية والعربية بعد الإستياء من مواقف كان أعلنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقال فيها أن سلاح «حزب الله» لا يتناقض مع مشروع الدولة وهو مكمل لمهمة الجيش الذي لا يملك القدرة الكافية لحماية لبنان.
وتكتسب هذه المسألة حساسية بالغة بعد الكشف عن «كلام كبير» لسفراء دول مجموعة الدعم الخاصة للبنان قيل في اجتماع سري عقد قبل أقل من شهر، وقبل صدور التقرير الدولي عن الأمم المتحدة في شأن تنفيذ القرار 1701 في الخامس عشر من الشهر الجاري، خصوصاً أن الديبلوماسيين الغربيين رأوا في مواقف عون تجاوزاً للخطوط الحمر ولوّحوا بسحب قوة «اليونيفيل» من جنوب لبنان.
أما الإستحقاق الآخر على هذا المستوى فيتمثل في التوجهات التي من المتوقع أن يعلنها لبنان أمام القمة العربية المقررة في 28 و29 من الشهر الجاري في عمان، بعد «الإستياء المكتوم» من دول مؤثرة بسبب ما إعتبر محاولة من الرئيس اللبناني إضفاء شرعية على سلاح «حزب الله» المصنّف «إرهابياً» في لوائح مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.
ولم يعرف ما إذا كان حرص بيروت على أن يضم وفد لبنان الى القمة العربية، الى الرئيس عون رئيس الحكومة سعد الحريري – حسب بعض المعلومات – محاولة طمأنة بعدما تمايز الحريري في موقفه من سلاح «حزب الله» عن تصريحات عون المثيرة للجدل، الأمر الذي من شأنه تبديد التحفظات ومعاودة وضع العلاقات اللبنانية – العربية، لا سيما الخليجية على سكة التطبيع من جديد.
واللافت أن هذه التمايزات في المسائل الكبرى لم تفسد العلاقة بين أركان الحكم في بيروت إنطلاقاً من حرص متبادل على ديمومة التسوية السياسية وحمايتها من التصريحات المكلفة في اللحظة التي تشهد اختباراً صعباً يتمثل في إستكمال موجباتها، أي الإتفاق على قانون إنتخاب لإختبار برلمان بديل عن الحالي الذي تنتهي ولايته في حزيران المقبل.
وتجلت عملية ضخ مزيد من الحيوية في عروق التسوية السياسية، التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية وبعودة الحريري رئيساً للحكومة، في إنجاز مشروع الموازنة العامة والإتجاه لإقراره مطلع الأسبوع والإتفاق على تعيينات عسكرية وأمنية في المراكز القيادية، والعمل على التحضير لتعيينات مماثلة في القضاء والخارجية بعد ترهل أصاب الدولة على مدى 30 شهراً من الفراغ الرئاسي.
غير أن «أم المعارك» وأكثرها إيلاماً مازالت تدور حول «جنس» قانون الانتخاب وصيغه وطبيعة نظامه وتقسيماته، وسط حسابات سياسية وطائفية للاعبين المنخرطين في حرب «فيتوات» متقابلة حالت حتى الآن دون التوصل الى صيغة مقبولة تضمن إجراء الإنتخابات.
وليس أدل على هذه الحماوة المتصاعدة في مقاربة قانون الإنتخاب من ذهاب وزير الخارجية، رئيس «التيار الوطني الحر» وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل الى حد الإعلان عن «أن قانون الانتخاب أهم من رئاسة الجمهورية ويستحق التضحية حتى بالعهد، ولا يراهن أحد على تغيير الموقف ولا يهدد أحد بقانون (الستين) الحالي، فليس له مكان في الـ 2017 مهما كان الثمن».
وجاء كلام «السقف العالي» لباسيل بعد تزايد الإيحاءات بأن الفشل في التوصل الى إتفاق على قانون انتخاب جديد قد يؤدي الى «تعويم» القانون الحالي (الستين) أو التمديد للبرلمان تجنباً لإنهيار السلطة التشريعية، خصوصاً أن 21 إبريل المقبل يشكل «مهلة قاتلة» تستوجب خروج المساعي الجارية من دائرة المراوحة لإحداث خرق فعلي يتم عبره إبرام صفقة على طريقة «لا غالب ولا مغلوب».
واللافت في سياق المعركة المفتوحة حول قانون الإنتخاب أن اللاعبين يحاولون إرساء «توازن رعب» في لعبة الضغوط المتبادلة للي الأذرع، البعض يضغط بـ «فزاعة» الفراغ لانتزاع صيغة ملائمة، والبعض الآخر يلوح بالتمديد للبرلمان، أو بالتمديد المقنع من خلال العودة الى «الستين» لتحقيق مكاسب، الأمر الذي يدفع للسؤال: من سيصرخ أولاً؟