Site icon IMLebanon

سيطرة “داعش” تتقلّص.. والتداعيات لا تزال مجهولة

 

كتب وسام سعادة لصحيفة “المستقبل”:

هل فعلاً دخلت رقعة سيطرة تنظيم “داعش” مرحلة متسارعة من التقلص، على ما يجري تناقله من مجريات المعركة الدائرة رحاها في مدينة الموصل، وتزايد الحديث عن اقتراب أوان فتح معركة الرقة؟ ما الشكل الذي يتخذه هذا التنظيم من دون سيطرته على الموصل والرقة؟ ما الشكل الذي ستتخذه سوريا والعراق مع انحسار مساحة “داعش”؟

منذ بضعة اشهر و”داعش” ينجح في الاحتفاظ بالموصل رغم الحملة العسكرية العراقية لاستعادة المدينة، ويستفيد من الإشكال المتعلق بمذهبية ميليشيات “الحشد الشعبي”. لكنه يبدو متجهاً للانسحاب من وسط هذه المدينة الآن، ويعطي الاولوية للافلات من حصار يفرض على مسلحيه داخلها. اذا ما اتجه الوضع في هذا الاتجاه، سيكون لاستعادة الموصل وقعها. فمن هذه المدينة اعلن ابو بكر البغدادي نفسه خليفة في طلته اليتيمة بشكل خطيب بالصوت والصورة قبل سنتين ونصف السنة. صحيح ان التنظيم جعل من الرقة وليس الموصل عاصمة لـ”دولته”، لكن “بعده العراقي” يغلب بعده السوري، وخسارته الموصل هي هزيمة نوعية له. الموصل ليست “تدمر” التي يتبادل “السيادة” عليها دورياً، مع النظام السوري. بالتالي، سيسعى التنظيم في اتجاهين: اولاً، “للتعويض” رمزياً ومشهدياً عن هزيمته في الموصل، ان هي فعلاً حصلت، بالعمل على ارتكاب فظائع نوعية، وثانياً، لتعويد نفسه وقواته على خسارة المدن الكبيرة التي يسيطر عليها منذ سنوات، ومواصلة الكر والفر في حروب الصحراء التي ظهرت اجادته لها.

بقي ان اتجاه الامور لخسارة “داعش” للموصل ليس مفروغاً منه حتى الآن. خصوصاً اذا خالف “داعش” التوقعات والانباء بأنه يعمل على نقل ثقله باتجاه سوريا، وآثر بدلاً من ذلك اطالة معركة الموصل لفترة طويلة، مراهنا مرة جديدة على عامل الوقت.

غير ان قدرة “داعش” على الافلات من التنسيق الاميركي ـ الروسي في مواجهته في هذه المرحلة، وعلى التجييشين المذهبي في العراق، والاثني الكردي في العراق كما سوريا، ضده، هي قدرة لها حدودها في خاتمة المطاف. ومشرق عربي تتقلص فيه رقعة سيطرة “داعش” من دون ان يندثر الوجود الحركي لهذا التنظيم على جانبي الحدود العراقية ـ السورية سيكون مشرقاً عربياً يطرح بإلحاح اكبر كيفية احياء الكيانين الوطنيين في العراق وسوريا على قاعدة كبح جماح التغلب الفئوي المذهبي في كل من البلدين، والتعامل الواقعي لكن الجدي مع المسألة “العربية السنية” في البلدين، هذه المسألة التي استثمرها “داعش” لحسابه، بعد سنوات من قيام حكم فئوي في العراق، وفي ظل القمع الدموي لانتفاضة الشعب السوري من قبل حكم فئوي في سوريا.

تحرّر “المسألة العربية السنية” في العراق وسوريا من المصادرة الداعشية لها لن يكون في مصلحة المصادقة على استتباب النفوذ الايراني في هذين البلدين. خصوصا اذا ما احسنت دول المنطقة كيفية التعاطي مع المسار التقلصي لـ”داعش”، واستمرت في التصويب على محاولات “الحشد الشعبي” فرض معادلته المذهبية الثأرية في الشمال العراقي، وفي رفض تحويل عملية استعادة الرقة حين تنطلق الى عملية ثأرية هناك ايضاً، بخلفية اثنية.

منذ سقوط نظام صدام حسين بالتدخل الانغلو اميركي، وثمة مسألة عربية سنية في العراق، تتعلق بقيام حكم فئوي يعتبر ان الاضطهاد الذي لقيته جماعة في فترة صدام حسين ينبغي تعويضه باضطهاد تلقاه الجماعة الاخرى. الكلام عن عراق ديموقراطي وفدرالي، وادغام ذلك بالسياسة الاستبعادية لهذا المكون فاقم الوضع، كما فاقمه تأخر المكون عن افراز قيادات وطنية بديلة بمستطاعها الانخراط في العملية السياسية لتكوين وجه عراق ما بعد صدام، والحؤول دون ان تكون عملية سياسية مؤطرة مذهبياً لمصلحة فئة على اخرى.

هذه المسألة متمايزة عن نظيرتها في سوريا: ففي الاخيرة العرب السنة هم الاكثرية الساحقة من السكان، والمنطق الذي استند اليه التدخل في العراق (اعطاء “اساس الحكم” للاكثرية الاثنية) تقاطعت قوى مختلفة لرفض سريانه في سوريا.

في هذا التمايز، لكن ايضا في هذا التداخل، بين مسألتي العرب السنة في العراق وفي سوريا، تمكن “داعش” من اقامة حيثيته “الرابطة” بين الحالتين. مع تقلص سيطرة التنظيم، يمكن اعادة الاعتبار الى تمايز الوضعين السوري والعراقي، دون الانتقاص من الجامع بينهما. ما يجمع بينهما، هو ببساطة، ان استصلاح هذين الكيانين الوطنيين المشرقيين لا يرتبط فقط بتقويض “داعش”، وانما، وقبل كل شيء، بإجلاء “الحرس الثوري الايراني”.

هذا، اقلّه، ما يمكن التفاؤل به كأفق يطرح. لا يمكن الجزم بأن التداعيات المباشرة لتقلص رقعة سيطرة “داعش” سترتسم وفقا لهذا الأفق. التداعيات المباشرة من الصعب التكهن بها الآن. الفراغ الذي سيخلقه تراجع “داعش” قد يكون مصيدة لكثيرين من المتهافتين منذ فترة على بيع جلد الدب قبل اصطياده.