كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
ينطلق رئيس الجمهورية في موقفه، المرتقب صدوره اليوم، من مقاربته ردود الفعل حيال ما اثير عن احتمال حصول فراغ ينشأ عن عدم اجراء انتخابات نيابية عامة هذا الصيف بسبب استمرار الخلاف على القانون الجديد للانتخاب من جهة، وشبه الاجماع على رفض خوض انتخابات 2017 بالقانون النافذ. اما وجهة نظره فتقضي بالآتي:
ــــ عوض الخشية من الفراغ، ماذا فعلت الحكومات ومجلس النواب في السنوات الثماني المنصرمة سوى هذا الفراغ؟
ــــ بدلاً من التوجس من وقوع الفراغ، ما عساه يفعل مَن يتلقف الآن فراغاً بدأ قبل سنوات؟
ــــ مسؤولية الفراغ تقع على من تسبّب به قبلاً، وليس على مَن بات عليه ان يتلقى آثاره.
ما يمكن ان يذهب اليه كلام رئيس الجمهورية هو ان النواب هم المسؤولون عن الفراغ وليس الرئيس، عندما يمتنعون عن الاتفاق على قانون جديد للانتخاب. وهو مسؤولية اهمالهم هم بالذات. خيار الفراغ قاسٍ ومرّ، لكن لا يمكن القبول بأي شكل من الاشكال بأن يملأ النواب الحاليون هذا الفراغ لأنهم لا يتفقون او لا يريدون الاتفاق على قانون جديد.
مذ حدد موقفه من رفض اجراء الانتخابات النيابية وفق القانون النافذ، واعتباره القانون يتقدّم على الانتخابات نفسها، ومن ثم اصراره على ان لا تمديد تقنياً خارج الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، وان لا تمديد تقنياً يستمر الى سنة، لم تتغير مقاربة عون الى الدلالة التي نجمت عن رفض توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.
تبعاً لما يسمعه زواره منه، يتمسك برفض توقيع المرسوم، ويدرج موقفه من انتخابات 2017 في سياق مماثل لموقفه من ملفات ثلاثة مفتوحة في آن معاً ستصل، وفق ما يقول الرئيس، الى وضعها موضع التنفيذ: مكافحة الفساد اولاً وقد فتحت وقطعت شوطاً بعيداً، التعيينات العسكرية والامنية ستبصر النور اليوم في وقت قد يكون قياسياً، الموازنة العامة اصبحت على ابواب خواتيمها ومن غير المستبعد الخوض فيها اليوم ايضاً وربما اقرارها قبل نهاية الاسبوع الجاري. ملفا المنطقة الحرة في المطار وكازينو لبنان انتقلا من التحقيق ــ وقد انجز ــ الى يدي القضاء.
بيد ان عون يضع عنواناً عريضاً للاشهر الاربعة المنقضية من عهده، هو الاستقرار الامني وتشبّثه بالحريات العامة وتطبيع العلاقات مع الدول العربية بدءاً من زيارته العربية الاولى للرياض. في 3 آذار تسلم رسالة من العاهل السعودي الملك سلمان كان قد وقعها في 21 شباط، يشيد فيها بزيارة الرئيس اللبناني للمملكة في 9 كانون الثاني، ويعبر عن رغبته في زيارة لبنان وتلبية الدعوة الرسمية في اقرب فرصة ممكنة، تاركاً تحديد موعدها للقنوات الديبلوماسية المعنية.
رسالة ابداء الرغبة في الزيارة بعد اقل من اسبوعين على زيارة عون القاهرة في 12 شباط، وحديثه الى التلفزيون المصري عشيتها عن سلاح حزب الله وعلاقته بالجيش والتمسك بالمقاومة في معادلة الصراع مع اسرائيل، وصلت عبر القائم بالاعمال السعودي في بيروت الى دوائر قصر بعبدا في 2 آذار، واطلع عليها الرئيس في الغداة، وهي تكفي في تقديره لنفي ما شاع في الايام الاخيرة عن الغاء زيارة للعاهل السعودي لبيروت لم يحدد موعدها في الاصل، ولم تتعدَ ما اقتصرت عليه رسالة الملك. لتوجيه الرسالة سبب آخر ايضاً: ابان وجود عون في الرياض وجه دعوة رسمية الى الملك لزيارة لبنان. تأخر جواب الملك عن تأكيد استعداده تلبيتها الى 2 آذار كي تؤكد عزمه عليها، من دون ان يكون ثمة ترابط مباشر بينها وبين ما قيل في القاهرة.
اما ما يسمعه زوار رئيس الجمهورية عما شاع اخيراً، فيكتفي بعبارة مقتضبة تبعاً: غير صحيح.
يضع عون حداً فاصلاً بين ما هو في الداخل وما هو في الخارج: في الملفات الاقليمية المسألة قابلة للتشاور والمناقشة في منطقة مشتعلة لم يعد فيها احد في العالم لم يتدخل في اشعال نيرانها في سوريا وسواها، لذا لا تحملوا لبنان اكثر مما في وسعه ان يحمل. في الداخل ليس لأي دولة التدخّل في شأن لبناني. الرئيس اللبناني مسؤول عن كل سنتيمتر داخل الحدود، عن أمن كل فرد وكل جماعة. زيارة الموفدين الاميركيين في الايام الاخيرة له في قصر بعبدا في حضور السفيرة ــ وأتت بعد كلامه الى التلفزيون المصري ــ لم تحمل اي رد فعل سلبي عليه، ولم تأتِ على ذكره. تحدث الموفدون عن الرغبة في التعاون مع لبنان لمكافحة الارهاب.
لا يتزحزح الرئيس عن موقفه من سلاح حزب الله. اعاد تأكيد الموقف نفسه للسفير البريطاني هيوغو شورتر البارحة: حزب الله لبنانيون وهم ابناء الجنوب يدافعون عنه عندما تعتدي اسرائيل عليهم. لم يقل احد ان المقاومة ستهاجم اسرائيل. لكنها حتماً ستدافع عن الجنوب اذا اعتدت عليه، ومن الطبيعي لرئيس الدولة ان يوفر الحماية والحصانة لهذه المقاومة.
ما يسمعه زوار رئيس الجمهورية انه مطمئن الي مسار العهد. لا يخشى من نتائج اقتناعاته السياسية الثلاثة: اولها ربح حرب تموز 2006، ثانيها ربح الحرب السورية بعدما اضحت في واقع لم يعد في الامكان التراجع عنه ولا العودة به الى الوراء، ثالثها ربح معركة التماسك الداخلي من خلال الاستقرارين السياسي والامني والمحافظة على التوازن في السلطة الاجرائية وبين الافرقاء على تناقض اقتناعاتهم، وعدم تغليب فريق على آخر. المطلوب كما ينقل عن الرئيس ان يضع كل من هؤلاء قليلاً من الماء في نبيذه.